ان القضاء امر عظيم ومقدس ومهمة جليلة في كل المجتمعات البشرية وفي مختلف الشرائع السماوية وفي جميع الازمان ومختلف الاوقات وقد احاطت الشرائع السماوية والنظم الوضعية القاضي بهالة من التقدير والاحترام وهذه المكانة السامية نابعة من كون رسالة القضاء هي اقامة العدل بين الناس ولا حياة بدون امن قائم علي العدل وقديما قالوا لا ملك إلا بالرجال ولا رجال إلا بالمال ولا مال إلا في أمن ولا أمن الا في عدل فالعدل اساس الملك والعدل جعله الله سبحانه وتعالي اسما من اسمائه الحسني وصفة من صفاته المقدسة استخلف فيها القاضي وأوصي بالعدل انبياءه حين استخلفهم في الارض قال تعالي »وَ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ« الحديد 25. ولقدسية الرسالة الملقاة علي عاتق القضاة في كل البلدان وتطلع افراد المجتمع اليهم في سلوكهم وصفاتهم وجميع ما يصدر منهم ولتأثير ذلك عليهم في حياتهم بما يصدرونه من احكام فقد ترسخت عبر السنين قيم وتقاليد واعراف خاصة بالقضاة تناسب تلك الرسالة ولنظرة المجتمع اليهم تتعلق بسلوك القضاة الشخصي وفي حياتهم قولا وفعلا وصفاتهم التي يجب ان يتحلوا بها وتناسب مكانتهم تعرف بالتقاليد القضائية وهي التي انتقلت اليهم وتوارثتها الاجيال اللاحقة عن السابقة الذين حملوا الامانة من قبلهم في مجتمع القضاة ووجب عليهم التزامه وتلقين ناشئيهم به عند التحاقهم بالقضاء فهي جزء من تكوين القاضي وقد تكون البداية في المعاهد القضائية أو في المدونات التي تضم بعضها تحرص فيها علي ان يحاط القاضي بالصفات والمزايا التي يجب ان يتحلي بها وان يحيط علما بالمبادئ والقيم والاعراف التي يجب أن يلتزمها ويجعلها دستورا له في حياته العامة والخاصة وهذه التقاليد يجب ان يحيط بها ايضا العامة من غير القضاة لتكون دليلا لهم في تعاملهم مع القضاة وفي التعرف عليهم. والتقاليد قد تكون مدونة وتحتويها القوانين المختلفة مثل ما نص عليه في قانون المرافعات من علانية الجلسات وسرية المداولة وعلاقة الخصوم بالقضاة ونظر القضايا والتنحي عنها وما نص عليه في قانون السلطة القضائية من استقلال القضاة في عملهم ومنع عملهم بالتجارة والسياسة وفي قانون العقوبات عندما يمتنع القاضي عن اصدار الاحكام والنوع الثاني غير المكتوب ومعظمه يتعلق بسلوك القاضي فمنها ما يتعلق بمظهره ومنها ما يتعلق بكلامه سواء عند جلوسه للقضاء أو في خارجه وذلك قد يكون قيدا علي حريته الشخصية ولكنه لابد منه لكي ينال احترام الناس وليكون له هيبة بينهم وليطمئنوا إلي ما يصدر منهم من احكام وقرارات قد تكون لصالحهم أو ضدهم فهو في النهاية يعيش بينهم ولا يكون معزولا عنهم فيعيش هو الاخر امنا مطمئنا وينعكس ذلك علي المجتمع بجميع افراده. وأن المتابع للاحداث ولما يجري الان ومنذ فترة زادت حدتها اخيرا يري انتهاكا و تعديا صارخا وغير مسبوق لتلك التقاليد من الجميع فما نراه من اشياء لم نعهدها كالتعدي علي المحاكم والتأثير علي القضاة اثناء نظر الدعاوي بتناولها في وسائل الاعلام والتعليق علي الاحكام بعد صدورها وقبل صيرورتها نهائية أو باتة وتناول قضاتها بأشخاصهم وكذلك من الناحية الاخري ظهور القضاه في الاعلام واستدراجهم في احاديث بها شبهات العمل بالسياسة وأمور اخري لا يليق بهم الحديث فيها بدون ضوابط فذلك كله يهوي بالتقاليد يجب بحثه والوقوف علي اسبابه والعمل علي وقفه حتي لا تنهار تلك الضمانة التي تحافظ علي السلطة القضائية والتي تصنف باحترامها الدول فالقضاء في مصر من اقدم النظم القضائية في المنطقة بل وفي العالم بعد نشأة الدول الحديثة بمؤسساتها الثلاث وله ميراث كبير من التقاليد تراكم عبر السنين والمحافظة عليها ليس شأن القضاة وحدهم لان القضاء ملك للامة وعنوان حضارتها ودليل تقدمها فهو القائم علي حماية الحريات وحفظ الحقوق والانتصاف للمظلوم من الظالم والمحافظة عليه يكون من الأمة بأسرها. ولذلك يجب اعادة احياء تلك التقاليد وتذكير الناس بها لان انهيار التقاليد في اية مهنة أو مجتمع هو النذير بالهلاك فكيف اذا كان ذلك يتعلق باحد اعمدة الدولة.