السياسة لعبة قذرة لا تعرف المبادئ ولهذا أثار دخول القضاة معترك السياسة جدلا كبيرا مما يهدد بافتقادهم للنزاهة والحياد اذا رفعوا شعار ¢ لا مانع من دخول القضاء في السياسة ¢..وقد انقسمت الآراء حول المباح والمحظور علي القاضي ممارسته والآثار السلبية والايجابية لذلك.. فماذا قالوا؟ في البداية أوضح المستشار محمود الخضيري أنه يجب تحرير القضاء المصري من آلاعيب السياسة حفاظا علي استقلاله لأي قوة القانون تعرف الحدود والضوابط وتساوي بين الناس قويهم وضعيفهم بل يقوي بها الضعيف ويعز بها الذليل ويأمن بها الخائف ويلوذ بحماها كل من يعوزه الحمي فإن قوة الاعيب السياسة لا تعرف حدودا ولا ضوابط واخلاق باسم الحفاظ علي مصلحة الدولة وأوضح الخضيري انه يجب أن تكون قوة القانون - ويمثله القضاة - حكما عادلا ونظاما نستظل به وهذا النظام لا يكتمل إلا بقضاة أقوياء تحوطهم الضمانات التي تكفل لهم أداء رسالتهم بكل ما تتطلبه من صلابة في الحق ووقوف في وجه الظلم من خلال الضمانات اللازمة وهذا معترف به دوليا حيث جاء في تقرير لجنة حقوق الإنسان المنعقدة بالأمم المتحدة عام 1985 في تعريف الحيدة والنزاهة التي يجب أن يتحلي بها القضاة انه يجب عليهم أن يكونوا نزهاء ومستقلين وأن يتحرروا من أية قيود أو نفوذ أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات مباشرة أو غير مباشرة ويجب أن تتوافر فيهم صفات الوعي والتوازن والشجاعة والموضوعية والتسامح والإنسانية والمعرفة لأن هذه الصفات هي المستلزمات الأساسية للمحاكمة العادلة والجديرة بالثقة للحكم الذي يمكن الاعتماد عليه. والنزاهة تفترض البعد عن التحيز والتعصب والمحاباة. وتعني عدم تفضيل شخص علي آخر. وتفيد ضمنا الموضوعية والبعد عن العواطف وسوء النية وكون القاضي نزيها معناه إمساك الميزان بالعدل والحكم دون خوف أو محاباة من أجل إحقاق الحق. وقال الخضيري: في ظل الدول الحديثة وتطور الوعي السياسي وإقبال الناس علي ممارسة حقوقهم السياسية ظهرت مشكلة حدود العمل المحظور علي القاضي والذي يعد اشتغالا بالسياسة يمكن أن يخل بمبدأ الحيدة التي يتصف بها مع التأكيد علي أن القاضي قبل أن يصبح قاضيا هو مواطن يعيش في بلده وبين أهله ومجتمعه لذا فإن من حقه - بل من واجبه كما هو واجب علي كل مواطن - أن يكون له رأي في هذه الأمور وبالتالي فإنه لا يمكن أن يكون المقصود بمنع القضاة من الاشتغال بالسياسية منعهم من الحديث في هذه الأمور ومحاولة إيجاد حل لها سواء من خلال تجمعات خاصة بهم أو أي تجمعات أخري كمواطنين تشغلهم مشاكل وطنهم بل إن الصلة بين القضاء والسياسة لا تقتصر علي مشاركة القضاة في شئون وطنهم وإنما تتسع لأكثر من ذلك إذ إن السياسة تشمل كل ما يتصل بشئون الحكم. وأكد المستشار الخضيري أن عزل القضاء عن السياسة أمر غير متصور لأن القضاء جزء من نظام الحكم وهو سلطة من سلطاته وإذا كانت سلطة القضاء تتخصص في حل المنازعات القانونية سواء بين الأفراد بعضهم بعضا وبين الأفراد والحكومة ومؤسساتها فإنه يقوم بمهمة سياسية يضطلع بها نزولاي علي حكم القانون الذي يطبقه. بل إن للقضاء دورا سياسيا لا شبهة فيه حيث يراقب قرارات الإدارة والقوانين الصادرة عن المشرع وهو ما يعرف بالرقابة علي دستورية القوانين ولذا فإنه لا يمكن القول بأن حظر اشتغال القضاة بالسياسة هو منعهم من المشاركة في المشاكل العامة التي تشغل بني وطنهم وقيامهم بواجبهم الذي فرض عليهم القانون عليهم القيام به في كل الأمور التي تتعلق بشئون الحكم وإنما المقصود ألا يكون القاضي مندوبا للحزب فوق منصة القضاء يتأثر في أحكامه بسياسة حزبية معينة بل أن البعض يري أن الانتماء الحزبي السابق لا يمنع من الجلوس علي المنصة. وانهي المستشار الخضيري كلامه بالتأكيد علي أن الحيدة والنزاهة في القضاء مفهوم قديم إذ إن الضمير الشخصي للقاضي هو القانون الأخلاقي داخله فمنذ أن احتكم الناس من قديم الزمان إلي القضاء تصوره دائما جهة محايدة يمكن الاطمئنان إلي حكمها اطمئنانا إلي حيدتها ولهذا كانت العدالة في مفهوم الناس مقرونة بالحيدة والنزاهة وإذا كانت الحيدة مطلوبة من القاضي في المنازعات الفردية التي تعرض عليه والتي من أجلها وضع المشرع قواعد التنحي والرد والمخاصمة فإن توافرها في القضاء كنظام أهم وألزم. مثار الفتنة أكد الدكتور محمود العادلي أستاذ القانون الجنائي ورئيس قسم القانون العام - كلية الشريعة والقانون بطنطا أن بعض القضاة أخطأوا عندما زجوا بأنفسهم في معترك السياسة لأن القاضي الحق لا يعمل بالسياسة لذا نص قانون السلطة القضائية علي حظر ممارسة القاضي للسياسي حتي لا يتأثر قضائه بمذهبه السياسي في قضائه والقضاة في النهاية شر . يساهم في تأجيج الشارع المصري الذي ينقسم الآن إلي شطرين وكل شطر متحفز للآخر وسيكون ما قرروه هؤلاء القضاة ذريعة للمتخاصمين والمتصارعينپ بل انه قد يساهم في فتنة في الشارعپ والفتنة نائمة لعن الله مَنْ أيقظهاپ وأضاف الدكتور العادلي: إن دخول القضاة معترك السياسة عندما وضعوا أنفسهم موضع الشبهات والريب ونخشي دخولهم في النفاق السياسي الذي لا يكون لوجه الله ويضر بمصالح مصرپ وقد أعتاد الناس أن يروا الساسة يتعاركون حول القضايا السياسية ولم يألفوا ظهور القضاة علي مسرح السياسة بهذه الصورة التي تخلط الزيت بالماء ولعل قضاة مصر يتذكرون جيدا أن مذبحة القضاء في الستينات التي كان سببها مجاهدة رجال القضاء الشرفاء ضد من أراد لهم الاختلاط بالتنظيم السياسي في البلاد آنذاك. وأشار الدكتور العادلي الي دخول القضاة في السياسة يسمح بتوجيه سهام الاتهامات لهم أنهم يمثلون حماة العدالة والحصن الأخير الذي نلجأ إليه لحماية الحقوق والحريات لهذا سمح لغير القضاة أن يتهمهم بأنهم ينتمون لفصيل سياسي معين مما يهدد بأنهمپ حكمهم يكون غير عادل يجعله متحيز بسبب عدم الحياد ولهذا علي بعض القضاة الذين يريدون دخول معتركپ السياسة ان أن يختاروا طريقا واحدا لهم إما أن يظلوا في صفوف القضاة ولا يلعبون سياسة إما أن يدخلون باب السياسة تحت كيان سياسي قائم أو كيان جديد. وطالب الدكتور العادلي القضاة بأن يحترمواپ قدسية رسالتهمپ ويستشعرون المسئولية في أدائها فليس مقبولا منهم العمل بالسياسة تطبيقا لقانون السلطة القضائية الذي حظر علي المحاكم إبداء الآراء السياسيةپ كما حظر علي القاضي الاشتغال بالسياسة ويقصد بمنع القاضي من الاشتغال بالسياسة لا يراد به مجرد منعه من الانضمام إلي الاحزاب السياسية كما يزعم البعض وإنما يدخل في نطاق العمل السياسي المحظور علي القاضي أن يناقش أو يعلق علي قرارات السلطة التشريعية أو الحكومية مادام ذلك في غير خصومة معروضة عليه يختص بالفصل فيها كعمل قضائي. وذلك بغية عدم الخوض في معترك الحياة السياسية التي تغاير في طبيعتها ما تفرضه الوظيفة القضائية علي شاغلها من حيدة تامة وتجردپ وعدم إبداء الرأي بتأييد أي من السلطتين صيانة لاستقلاله إذا ما وضع نفسه في موقف لابد أن يتأثر بعواطفه ومصالحه كبشر. وانهي كلامه: إن القاضي لا ينحاز لأحد ولا ينضم لحزب ولا يميل إلي جماعة ولذلك يحظر عليه الاشتغال بالسياسة والظهور في الإعلام ومجلس القضاء الأعلي أصدر عديدا من القرارات التي تلزم اعضاء الهيئة القضائية بذلك ومن المفترض ان تفعل الان بحزم ليتوقف ما يحدث الآن ونشاهده جميعا وهو يسئ إلي مصر وقضائها المشهود له في جميع دول العالم. أما المسائل القومية فإن للقاضي أن يبدي رأيه حولها كمواطن ويكون ذلك بصفة عامة دون ميل إلي ناحية معينة أو مناصرة حزب دون آخر. ضوابط شرعية عبر الدكتور خالد سعيدا لمتحدث باسم الجبهة السلفية عن معارضته لدخول القضاة معترك السياسة قائلا: القضاة نجلهم جميعا ونجل رسالتهم السامية التي لا تعرف سوي الحق والعدل والقانون والشرعية والحياد وعدم التحيز بعكس السياسة وما أدراك ما السياسة التي كلها الاعيب ومصالح بلا اخلاقپ ولهذا فإن بعض القضاة المدفوعين لعالم السياسة أحكامهم تؤثر في الحياة العامة لأنهم خرجوا عن التقاليد التي بنت مصر قضائها عليهاپ بما يحمي استقلاله وصان رجاله مما يدنسه. وقال الدكتور خالد سعيد:حرص الاسلام علي استقلال القضاء من خلال ما ارساه الرسول صلي الله عليه وسلم باعتباره القاضي الاول في رده علي أسامه بن زيد عندما شفع للمرأة المخزومية التي سرقت بقوله:يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله انه أهلك الله من كان قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها. وانهي الدكتور خالد سعيد كلامه بالتأكيد علي ان انخراط القاضي في السياسة تفقده العدل واداء الامانات التي ينبغي ان يتصف بها تطبيقا لقوله تعالي ¢ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَي أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعا بَصِيرا¢ القاضي واستقلاله أكد الدكتور مختار غباشي .. نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية أن استقلال القضاء عن السياسة أو أية ضغوط من خارجه تعد أحد الأسباب الرئيسية لقوته واستقرار المجتمع وهذا ما قاله ¢ ستوري ¢ كبير القضاة الأمريكيين ¢ إنه لا توجد في الحكومات البشرية سوي قوتين ضابطتين: قوة السلاح وقوة القانون وإذا لم يتول قوة القوانين قضاة فوق الخوف وفوق كل ملامة فإن قوة السلاح هي التي ستسوه حتما وذلك يؤدي إلي سيطرة النظم العسكرية علي المدنية¢ وأوضح الدكتور غباشيپ أن السلطة القضائية في أي دولة هي عصب الإصلاح والنماء والتقدم وإذا نظرنا إلي الدول المتقدمة نجد أن المساس بالسلطة القضائية أو محاولة التدخل في شأنها يعتبر من الجرائم الكبري أما في الدول المتخلفة فيكون القضاء فيها ألعوبة في يد الحكام في الدول علي عكس الدول المتقدم التي يعد عمادها الأول استقلال القضاء ونزاهته اما دخول القضاة في معترك السياسة يساهم في زيادة الفوضي وتبديد فرص الاستقرار إنما يدخل الوطن بأكمله في نفق أزمة قد تعصف بأمن الوطن وسلامة أبنائه