الي الذين يقولون إن الحب حرام وأن عيد الحب حرام أقول لهم ما أحوجنا اليوم الي الحب أكثر من أي وقت آخر.. وما أحوجنا الي عيد الحب أكثر من أي عيد آخر. الحب في الاسلام والمسيحية وكل الأديان السماوية هو أعظم شعور انساني أوجده الله في قلوب البشر.. ولن يكون الانسان مؤمنا بالله الا اذا أحبه ولن يكون بارا بوالديه وأهله إلا إذا أحبهم.. والانسان الذي يحب هو الانسان الذي يعرف طريق الايمان بالله والطريق الي الجنة. حب الله ورسوله والأنبياء واجب.. حب القيم العظيمة والمباديء النبيلة واجب أيضا.. كذلك فان حب الوالدين والزوجة أو الزوج والأبناء وكل من معنا وحولنا واجب.. من هنا يكون معني الحب الذي لم يصل أحد الي تعريفه بدقة أكبر من أي تصور. المشكلة ليست في الحب.. علي رأي أم كلثوم: العيب فينا يا في حبايبنا.. أما الحب ياروحي عليه. المشكلة فينا احنا.. يعني ما هو الحب بالنسبة لكل واحد فينا. ممكن أن تراه شعورا ساميا مقدسا.. وممكن أن تراه خطيئة أو رذيلة.. هنا يبقي العيب فيك انت لا في الحب.. لأن الحب من الأزل والي الأبد هو أنبل المشاعر الانسانية. واحتفالنا بالأمس بعيد الحب حتي لو كان الاسم أجنبيا يجعل قلوبنا تغتسل من الكم الهائل من البغض والكراهية التي يحملها بعضنا لبعضنا.. مجرد تذكر كلمة الحب حتي لو كانت بكلمة حلوة أو باقة ورد بسيطة أو حتي بدبدوب أحمر.. يقرب كل منا للآخر أو علي الأقل يوقف التباعد المنفر بيننا الذي أصبح شعار المرحلة.. ما أحوجنا الي الحب في هذا الوقت.. ما أحوجنا الي الحب في هذه الظروف. الحب في مصر تحول الي تحرش.. وبعد أن كان الشعب المصري الأول بين شعوب العالم في التعبير عن الحب وتشهد بذلك قصائد شعرائنا الأفذاذ وأغاني مطربينا العظماء أصبحنا الدولة الثانية في العالم في معدل التحرش.. ففي دراسة للمجلس القومي للمرأة فإن 83٪ من نساء مصر وفتياتها يتعرضن للتحرش بالقول والفعل في الشوارع والميادين ووسائل المواصلات العامة.. وهو رقم مذهل يؤكد أن المجتمع يعامل المرأة بصورة مهينة لا تمت للإنسانية بصلة ويضعها في خانة دنيا ولا يري فيها الا جسدا لم يخلق الا للمتعة ولا شيء آخر حتي لو كانت المتعة الحرام المهينة اللا أخلاقية اللا دينية. أزمة التحرش في مصر أصبحت أزمة مجتمع.. ولم تعد مرتبطة بالأعياد والمناسبات ولا بأفلام دينا وسعد الصغير ولا بوسط البلد ولا بالأماكن النائية بل أصبحت في كل المناسبات وكل الأماكن. ومع الأيام لم يعد التحرش مجرد كلمة تقال تعبيرا عن اعجاب صاحبها بفتاة جميلة تتهادي أمامه ولكنه تحول الي ألفاظ خارجة بذيئة تخرج من فم صاحبها كالرصاص تجرح أنوثتها وكرامتها وشرفها.. بل وتطور مفهوم التحرش الي لمسات ومسكات تقترب من حد الاغتصاب بل تصل أحيانا الي الاغتصاب نفسه. كل هذا والمجتمع ساكت.. يكتفي بمصمصة الشفايف والترحم علي أيام زمان يوم كانت الفتاة المصرية ترتدي ثيابا حديثة لا تجرؤ واحدة علي أن ترتديها الآن ومع ذلك لم تكن تحدث حالة تحرش واحدة. العيب لم يكن فيما ترتديه النساء كما يقول المرضي المكبوتون من مشايخ هذا العصر مثل أبو اسلام وغيره من الذين تفسح لهم الفضائيات مجالا لبث سمومهم.. العيب فيمن فسدت عقولهم ومرضت قلوبهم وعطبت عيونهم وضاعت أخلاقهم. والدليل أن معظم المتحرش بهن يرتدين ملابس محتشمة ومع ذلك لم تمنع عنهن ضعاف النفوس. وعلي الرغم من كل محاولات المجلس القومي للمرأة وجمعيات مقاومة التحرش من "فؤادة" و"شفت تحرش" و"كما تدين تدان" وغيرها فان ظاهرة التحرش في مصر هي ظاهرة خطيرة ولابد من مواجهتها بجدية وحزم من خلال تغليظ عقوبات المتحرشين من ناحية واعداد خطة لتوعية الشباب بدور المرأة الأم والزوجة والأخت والابنة، ودورها في المجتمع كانسانة علينا أن نعاملها باحترام وتقدير وكمواطنة عاملة منتجة أو ربة بيت علينا أن نعاملها بكل اعزاز وتوقير. مواجهة تلك الظاهرة القبيحة الغريبة عن مجتمعنا تحتاج الي صحوة من المجتمع كله.. سواء من الدولة أو الجمعيات الأهلية أو وسائل الإعلام أو من الأفراد.. وليكن عيد الحب هو المناسبة. لابد أن نلحق أنفسنا بدلا من أن يتحول هذا اليوم في العام القادم الي عيد التحرش.