نعم الباز أكثر أنواع الاستعمار قسوة الاستعمار بالطعام من لا يملك قوته لا يملك حريته في الخمسينيات كانت مصر تصدر القمح للصين وللاتحاد السوفيتي وفي السبعينيات كانت أمريكا تصدر لنا القمح لأعلي سعر وتلقي فائض انتاجها من القمح في البحر ولا تتردد ثانية في رفع ثمن القمح وكتبت في وقتها احقر أنواع الاستعمار هو الاستعمار بالطعام ووقتها اتفق استاذي جلال الحمامصي علي عمل حملة هو بعموده القدوة »دخان في الهواء« وأنا في اليوميات ووقتها أرسل لي العالم المصري جمال عزام عن المادة التي اخترعها والتي يمكن ان ترش علي الرمال فتصبح صالحة لزراعة القمح وكتب استاذي في »دخان في الهواء« عن الاختراع وكتبت بعده بخطة نشر مرسومة وحددت الأماكن التي يمكن زراعتها قمحا في الساحل الشمالي حيث كانت في عصر الحكم الروماني معروفة باسم »سلة قمح روما« وكانت تزرع علي مياه الأمطار بخطة زراعية مضبوطة بمواعيد ري معتمدة علي ماء المطر ثم علي مياه الآبار التي توجد علي عمق ثمانية أمتار فقط. كان هناك جهد مبذول لوزراء زراعة شديدي الحنكة شديدي الوطنية وكان عدد السكان في ازدياد لكن لم يكن الفقر قد ضرب مصر بهذه القسوة ووصلت زراعة القمح إلي مليون فدان وكانت الدولة تساعد الفلاح وتشجعه وقمت وقتها بعمل مسابقة لرفع انتاجية الفدان واتفقت مع محافظها الراحل العظيم سعد الشربيني واستطاع فلاح من احدي قري الدقهلية المتاخمة للمنصورة رفع انتاجية الفدان إلي عشرين أردبا ونال جائزة وقتها مائتي جنيه بما يساوي الآن خمسين ألف جنيه. وكررت التجربة مع المهندس فتحي سعد في محافظة الجيزة لعمل جائزة لرفع انتاجية الفلاح لفدان القمح وكانت الجائزة عشرين جنيها عن كل فدان ونجحت التجربة وكتبت عنها من أجل توصيلها لباقي فلاحي مصر العظام ونجحت إلي حد ما ولكن نحن أصحاب النفس القصير ونصاب بالزهق سريعا فلم تتكرر التجربة ولاننا منذ العصر الفرعوني دأب كل قادم جديد لمنصب يعتبر انه الأوحد ويمسح الخرطوشة التي تحمل اسمه ويضع مكانها اسمه ويشهد بهو الأعمدة بالكرنك بذلك. واكتب الآن لأخلص ضميري نحو هذا البلد الذي أصبح في حالة يرثي لها لولا الأمل الذي يملأ وجدان المصريين بأن مصر في تاريخها كله تقع ثم تقف ولكن هناك مقولة مهمة جدا كتبتها في صدر المقال »من لا يملك قوته لا يملك حريته« ونحن حينما نستورد القمح من أمريكا لأعلي سعر واستمرت الأمور هكذا لسنوات فانا شخصيا اعتبر هذه العلاقة علاقة عدم التمكن من الاستقلال ونحن مثل الطفل الذي لايفطم فيظل في »حجر أمه« واعتبر ان هذا احقر طرق الاستعمار وهو الاستعمار بالطعام ومهما زاد عدد السكان في مصر فالأرض واسعة ما شاء الله ومن ينظر إلي خريطة مصر سواء وهو علي الأرض أو في طائرة فسيجد شريطا اخضر تحتضنه الدلتا ومجري النيل ولا يروي سوي مساحة ضيقة حوله ويقول البعض بسذاجة شديدة انه ليس لدينا أرض تزرع قمحا.. الأرض واسعة جدا وخصبة جدا ولكن لم يفكر احد في الاستزراع وكل بلاد العالم تزرع كل شبر في أرضها مهما كان ضيقا حيث الأرض هي المصدر الوحيد للغذاء وقد سمعت الصين عن اختراع د.جمال عزام فدعته إلي هناك واستفادت من التجربة ونفذوها هناك واتعجب من المسئولين في بلادنا لماذا لا يدرسون التجربة أو لماذا لا يطلبون من وزير الزراعة تنفيذ هذا المشروع الذي سيكون الضمان الوحيد لرغيف عيش لكل مواطن لاننا أصبحنا لا نملك قوتنا وبالتالي لا نملك حريتنا؟. ولكن أعتبر وجود المصريين الذين ينادون بعيش حرية عدالة اجتماعية في أشد الحاجة لتنفيذ هذا المشروع الذي هو احد أضلاع مثلث مطالب الثورة بدلا من المظاهرات التي تضيع الوقت عدا وقفات التحرير ذات المعني المحدد والتي هي تكملة للثورة التي لم تحقق ولا ضلعا واحدا من اضلاع الثورة الثلاثة وأنا لا انفي عنهم تحقيق تغيير النظام ولو ان الثورة مازالت قائمة إلي حين التغيير الأوفق والذي يحقق المطالب.. وبعد هل تظل المشكلة التي كانت ملحة منذ الستينات هي هي نفسها الملحة في القرن الواحد والعشرين؟ العبقري جمال حمدان لا يختلف اثنان من المثقفين الواعين علي عبقرية د.جمال حمدان رحمه الله وكذلك عشقه لمصر بكتاباته عنها وللدكتور جمال حمدان كتاب عنوانه »من خريطة مصر الزراعية« قسم كتابه لأربعة أقسام حسب الأهمية الباب الأول تحت عنوان »الأربعة الكبار« وهم القطن ثم القمح والذرة والبرسيم وهذا التقسيم خاص بالمساحة فهو اما الثالث أو الرابع بين محاصيلنا ومنافسة القطن والقمح لا يأخذ مساحة ثابتة بل هو في تذبذب مستمر وتطوره وسط بين البساطة والتعقيد ومساحة القمح قبل الحرب الثانية كانت حوالي 4.1 مليون فدان والحرب أعطته دفعة كبري ضمانا للغذاء المحلي كما يقول د.جمال حمدان فوصلت مساحته إلي 6.1 مليون فدان ووصل لأعلي مساحة إلي مليوني فدان عام 3491 ثم بدأت المساحة تنخفض ولكن علي أي حال لم نصل إلي استيراد القمح وكان هناك اكتفاء غذائي منه ورغم زيادة عدد السكان فلم تضطر مصر للاستيراد ابدا حتي السبعينيات لان المساحة ظلت تتذبذب حول المليون وثلث المليون فدان وهو طبعا حافظ علي الاكتفاء الذاتي وظلت المساحة تتذبذب وبعد ان كانت تكفي الاستهلاك المحلي فوصلت في عام 4891 لتغطي من ربع إلي خمس الانتاج المحلي ويرصد دكتور جمال حمدان العلاقة بين الانتاج المحلي للقمح والزيادة السكانية والتي كان من الضروري ان تكون متوازية بحيث الزيادة السكانية تلاحقها زيادة في انتاج القمح ولكن الذي حدث انه كلما زاد عدد السكان تناقص ناتج الأرض من القمح وهي ظاهرة غير صحية وخارج حدود الأمن الغذائي حيث طبيعة الطعام في مصر معتمدة سواء في الطبقات العشوائية أو المتوسطة أو المرتفعة فلابد من رغيف العيش »الخبز« علي المائدة وكان يجب ان يزيد الناتج لان هناك الآن فئة من فئات المجتمع وهم السواد الأعظم تناقص ما تحصل عليه من الخبز وهو الأساسي في طعامها حيث يعتمدون علي »العيش الحاف« حينما عز عليهم الغموس. رغيف عيش في التحرير قالت لي سيدة من العشوائيات: بيقولوا في التحرير بيفرقوا عيش.. حقه صح؟ فقلت لها: دي اشاعات. قالت: - يا خرابي وأنا بعت أولادي التحرير علشان يجيبوا لنا عيش وغيرت الموضوع حتي لا أجهض أحلامها في رغيف العيش. وثبات المساحة المزروعة قمحا هي التي أوجدت هذا العجز في رغيف العيش وبالمناسبة مصر البلد الوحيد في العالم الذي يطلق علي الخبز »عيش« لانه شديد الاهمية وكثير من الأسر يأكلون »العيش حاف« والدولة يا أحبائي مشغولة بالمناصب ولم يصدر قرار واحد يتصل بحياة البشر وسلوكهم اليومي. والسيد رئيس الوزراء التقطوا له صورة مع رغيف وكأنه يعلق ان الخبز مازال منتجا مصريا ولكن للأسف الشديد لم يعد القمح مصري الجنسية. قال لي فلاح من محافظة الغربية انه يزرع القمح رغم انه محصول صعيدي ولكن القمح »يفرح« حينما يمتلئ الحقل بالسنابل والقمح مربح عن باقي المحاصيل. والقمح كان يمثل الوجه عندنا ومن أجمل الأشياء التي كنت أحرص عليها وأنا صغيرة ان اجدل السنابل الخضراء وأعلقها علي نافذة غرفتي وكنت انتظر من صديقاتي المسيحيات بوكيه القمح ومروحة السقف في السقف.. اختفت أشياء كثيرة جميلة من حياتنا أوصلها لنا قبط مصر العظام من الفراعنة مراوح القمح المجدول ولكن الآن لا أراها مع حفيدتي مريم لأن أنواع اللعب البيئية مثل مراوح القمح اختفت مع عدم تكافؤ المساحة المزروعة قمحا مع عدد السكان.. تري هل نصل إلي البحث عن رغيف ولا أنكر الطوابير الآن أمام المخابز ولكن مازال رغيف العيش رغم الطوابير موجودا وجدت وظيفة جديدة واكبت طوابير الخبز وهي ان ناسا تقف في الطوابير وتأخذ أجرا من أجل تسلم الخبز لطول الطابور.. والعناء من الحصول علي الخبز ثم تدني نوعية الخبز يرجع لمشكلة القمح لعلنا نفيق علي المشكلة ونفكر في الاستزراع في تلك الأرض الخصبة الطيبة التي تكاد تخنق حوض النيل من الناحيتين. قرار رحيم لمحافظ الأقصر السفير الدكتور عزت سعد محافظ الأقصر لم تلهه الآثار والسياحة عن المشاكل الإنسانية لأبناء المحافظة وأحيا مشروع مدرسة الصم والبكم الذي كان مدرجا تحقيقه منذ خمسة عشر عاما وأوجد مكانا للمدرسة وتم اقتتاحها بأربعين طالبا وطالبة.. وهي بداية العناية بالمعوقين تلك المهمة التي يحكم علي تحضر البلاد بالاهتمام بها. التحية وتعظيم سلام لوزير الأوقاف الذي رفض زيارة القدس في ظل الاحتلال الإسرائيلي.