يحاول المرء في هذا الزمن الكئيب ان يروح عن نفسه بالقراءة وكان من حظي ان اقرأ كتابا نفسيا للدكتور حسن طلب بعنوان »أصل الفلسفة حول نشأة الفلسفة في مصر القديمة وتهافت نظرية المعجزة اليونانية« الذي حوي العديد من كتابات قدماء المصريين التي تثبت ان الحكمة والمثالية والشجاعة ليست نتاج اليوم وان ما سطره حكماء مصر منذ اكثر من خمسة آلاف سنة يصلح تماما لوصف ما نحن فيه بالضبط، وهذا الامر دعاني الي ان انقل من هذا الكتاب جانبا من الحكم التي تذكر القاريء بسمو وعبقرية وبلاغة الفكر المصري القديم بالمقارنة لما وصلنا اليه. يقول »خع- رع- سنب« ما يلي متباكيا علي ما وصل اليه الحال في البلاد وقتئذ: »ان العدالة قد نبذت واخذ الظلم مكانه وسط قاعة المجلس وخطط الالهة انتهكت حرمتها واهملت نظمها والبلاد صارت في هم والحزن في كل مكان وصارت المدن والاقاليم في عويل وكل الناس صاروا علي السواء يرزحون تحت وطأة الظلم اما الاحترام فان اجله قد انتهي وعندما اريد ان اتحدث عن ذلك كله تنوء اعضاء جسمي بحمله، واني لفي بؤس من اجل قلبي المحزون، وانه لمؤلم ان اهديء روعي من جهته ولو كان قلب آخر لتصدع ولكن القلب الشجاع يكون في الملمات رفيقا لسيده، ليت لي قلبا يتحمل الالم فعندئذ كنت سأركن اليه فتعال اذن يا قلبي لاتكلم اليك، ولتجبني عن كلامي وتفسر لي ما هو كائن في الارض.. اني افكر فيما قد حدث، ان المصائب تقع اليوم ومصائب الغد لم تأت بعد وكل الناس لاهون عن ذلك، ومع ان كل البلاد في اضطراب عظيم وما من انسان خال من الشر فجميع الناس علي السواء يقترفونه والقلوب مفعمة بالحزن، فالامر والمأمور صارا سواسية فقلب كل منهما راض بما حصل والناس علي الشر يستيقظون صباح كل يوم دون ان تنبذه القلوب فهي اليوم علي ما كانت عليه بالامس فلا يوجد انسان عاقل يدرك ولا انسان يدفعه الغضب الي الكلام والناس تستيقظ في الصباح كل يوم لتتألم ان مرضي ثقيل وطويل، والرجل الفقير ليس له حول ولا قوة لينجو ممن هو اشد منه بأسا، وانه لمؤلم ان يستمر الانسان ساكتا علي الاشياء التي يسمعها ولكنه مؤلم ايضا ان يجيب الانسان الرجل الجاهل«. ويخاطب »خون انبو« الحاكم في كتابه باسم »شكاوي الفلاح الفصيح« بقوله: »ها انت رئيس وبيدك ميزان، اذا اختل الميزان فانت مختل« »اقم العدل لرب العدل..، العدل باق الي الابد يهبط مع صاحبه الي الجبانة، فاذا دفن احتوته الارض معه ولن تزول سمعته من هذه الدنيا«.. »فمن يكن سندا فلا ينبغي له ان يميل، ومن يكن ميزانا لا ينبغي له ان يتذبذب، وسواء جئت انا ام اتي غيري وجب عليك ان تتحدث، ولا تنصت هكذا الي كما لو كنت احادث شخصا اخرس.. قل الحق اذن وافعل الصواب، فالعدل عظيم وخالد«. ويضيف »خون انبو« في انتقاده للحاكم الظالم: »انك اشبه بقرية بغير عمده، وجماعة لا كبير لها، ومركب لا ربان فيها وعصابة لا هادي لها..« اعترف انني ذهلت عند قراءة هذه النصوص، كيف تنبأ قدماء المصريين بما نحن فيه وهل كانوا سحرة يقرأون الغيب، ام ان الله وهبهم الحكمة والعقل السديد والقدرة علي البلاغة التي تصلح لكل زمان. كاتب المقال : المستشار السابق بمجلس الدولة