وسط أجواء معتمة خانقة باردة ملبدة بغيوم رمادية، تعيش مصر الآن أوقاتاً عصيبة، تتوه فيها الحقيقة، ويختلط فيها الصواب بالخطأ، ويضيع صوت الحق وسط زعيق الباطل وصرخات الإفك، ويتوه الخيط الأبيض وسط كومة الخيوط السوداء التي تلتف وتتشابك حولنا من كل جانب. وفي هذه الظروف الحالكة التي يمر بها الوطن الآن، نتيجة موجات العنف المتزايد، والوقائع الدموية المروعة، التي تتري عليه من كل حدب وصوب، وما يتعرض له من أحداث مأساوية تزهق فيها الأرواح، وتسيل فيها الدماء، ويتساقط الضحايا من أبنائنا وأهلنا، بأيدي الأخوة والأشقاء من الأبناء والأهل أيضاً. وسط هذه الأجواء، وفي مثل هذه الظروف، تكون الدعوة واجبة للانتباه واليقظة والحذر، ويكون النداء بأعلي الصوت للكل واجب أيضاً، بل وفرض عين علي جميع العقلاء والحكماء والراشدين من أبناء الوطن، للتدخل، وبذل أقصي جهد ممكن لعودة الوعي، ووأد الفتنة وإنقاذ البلاد مما يتهددها من أخطار جسام. ولعلنا ندرك جميعاً، والقوي السياسية المختلفة والمتناحرة بالذات، أن هناك أخطاراً عظيمة تهدد مصر، وأن هناك هجمة شرسة نتعرض لها، وأن هناك محاولات سوداء للنيل من الوطن، وتمزيق وحدته، وهدم أركانه، بينما نحن غافلون عن المتربصين وأهدافهم وأفعالهم، مما أتاح الفرصة لهذه الأخطار للتسرب من بين أقدامنا وخلف ظهورنا لداخل البلاد، وأخذت تجوس في الديار وتنشر الفتنة والعنف، ونحن غارقون في خلافاتنا وانقساماتنا وتقاتلنا مع بعضنا البعض. وأحسب أن الضرورة تحتم علينا جميعاً الآن، وقمة السلطة السياسية في المقدمة، ومعها حزب الحرية والعدالة، وبعدهما جبهة الإنقاذ، ثم جميع القوي والأحزاب السياسية المؤيدة والمعارضة، أن نطرح خلافاتنا جانباً، وأن نودع الانقسام، ونبدأ فوراً في تشكيل مجموعة قومية لإدارة الأزمة، وفق خطة واضحة متفق عليها لإنقاذ الوطن من الأخطار المحدقة به، ووقف جميع أشكال العنف ووأد الفتنة وإطفاء النيران قبل أن تحرقنا جميعاً. فهل نفعل ذلك قبل فوات الأوان؟!