لا تجد مصر في أوقاتها الصعبة سوي جنرالاتها يدافعون عنها ويحمونها, ليس من الأخطار الخارجية فقط, وإنما من أخطار الداخل أيضا, عندما يخون بعضنا حقائق التاريخ والجغرافيا, ويحاول أن يفرض حقائق جديدة لصناعة وطن جديد مثل المسخ لا نعرفه, ولا يحمل من هويتنا سوي ما يتفق مع ما يراه مناسبا لنا. ومنذ أن غادر الجنرالات المشهد السياسي, وسلموا الحكم لسلطة مدنية منتخبة, انسحبوا من الحياة المدنية, وتركوها للذين أوصلونا إلي حافة حرب أهلية. ولكن مرة أخري وليست أخيرة يعود أشرف من في هذا الوطن جنوده بناء علي طلب السلطة المدنية, لتأمين الاستفتاء علي الدستور الذي صنع حالة انقسام لا مثيل لها. يعود الرجال وليس لهم هدف سوي الحفاظ علي سلامة الوطن, وأن يكونوا درعا واقية لجميع المصريين دون تمييز. لقد خرج الجيش من الحياة السياسية, لكنه لم يتخل عن دوره الوطني, لذلك جاء بيانه الأسبوع الماضي محذرا من أنه لن يسمح بأن تدخل البلاد نفقا مظلما نتائجه كارثية, وأنه لن يسمح أيضا بأن يؤدي الانقسام إلي عنف واعتداءات تهدد بنيان الدولة. لم يكتف الجيش بالبيان فقط, وإنما أطلق مبادرة للحوار الوطني, دعا إليها كل القوي السياسية, لكن ما أن خرجت المبادرة ولاقت استجابة سريعة, خاصة من قوي المعارضة, حتي أجهضت لأسباب خاصة, تتعلق بعدم الرغبة في عودة الجيش إلي الحياة السياسية, وأيضا لأن المبادرة تقلل من هيبة الرئيس! وأحسب أن الذين أفشلوا هذه المبادرة التي هي في رأيي مبادرة الفرصة الأخيرة للخروج من الأزمة الراهنة, لم يفهموا رسالة المؤسسة العسكرية جيدا, التي كانت تقول بوضوح تام: مصر في خطر. وأيا كان الأمر, فالذي يثق فيه المصريون أن الجيش سوف يتدخل إذا خرجت الأمور علي السيطرة, فلا يخفي علي أحد أن هناك خيطا رفيعا تتحرك عليه المؤسسة العسكرية بين الحالة الثورية المستمرة, والحالة الشرعية. وعموما فإن الشرعية ليست في الدخول فقط, ولكن في الاستمرار والخروج أيضا. في الختام: يقول الحجاج بن يوسف الثقفي عن المصريين: لا يغرنك صبرهم, ولا تستضعف قوتهم, لأنهم إن قاموا لنصرة رجل ماتركوه إلا والتاج علي رأسه, وإن قاموا علي رجل واحد ماتركوه إلا وقد قطعوا رأسه. المزيد من أعمدة محمد حسين