عبدالحافظ الصاوى علي مدار الأيام الماضية انتقل السجال السياسي بمصر من معترك السياسة إلي المشكلات الاقتصادية التي نعاني منها خلال الأيام الماضية. ومن الطبيعي أن يتم تناول قضايا اقتصادية في الساحة السياسية، فالعلاقة بين الاقتصاد والسياسة علاقة وطيدة، وعادة ما يقال إن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة. ولكن الجديد في الأمر هو أن الخصومة السياسية دفعت البعض لتوظيف سياسي خاطئ للواقع الاقتصادي المصري، فانطلقت مقولات غريبة عن انهيار الاقتصاد المصري، أو قرب إعلان مصر لإفلاسها. بل تطور الأمر لخطاب متهور يشكك في قدرة الجهاز المصرفي علي سداد مستحقات مودعيه، أو أن الحكومة المصرية لن تتمكن من دفع الأجور والمعاشات. وللأسف أن بعض وسائل الإعلام روجت لهذه المغالطات، إما بدافع تحالفها مع بعض القوي السياسية التي تبنت هذه الحملة السلبية علي الاقتصاد المصري، أو رغبة منها في تقديم أخبار ومواد إعلامية جاذبة لجمهورها. وحتي يكون القارئ علي بينة فيما يخص تفنيد دعاوي إفلاس مصر أو أن اقتصادها علي وشك الانهيار، نود أن نبين أن هناك فارقًا كبيرًا بين الإفلاس والتعثر من الناحية الفنية، وبين أن الاقتصاد يعاني مشكلة أو يعاني أزمة. فالإفلاس في إطار تعريفه الفني البسيط أن يكون الشخص أو المؤسسة لديه من الالتزامات ما يفوق أصوله، وبالتالي تعجز الأصول عن الوفاء لسداد الالتزامات المطلوبة. أما التعثر فهو تعبير عن وجود مشكلة لدي الشخص أو المؤسسة في تحقيق السيولة، فلديه من الأصول ما يفوق التزاماته ولكن ليس لديه القدرة في وقت الوفاء بالالتزامات علي تسييل أصوله ودفع التزاماته. أما الفرق بين المشكلة والأزمة، أن المشكلة عادة ما يكون نطاقها محدوداً ويمكن السيطرة علي جوانب العجز، بخلاف الأزمة التي تتعدد جوانبها السلبية، وكلما ذهبنا لنصلح جانبًا منها تأثرت الجوانب الأخري بشكل سلبي أكثر. والحقيقة أن وضع الاقتصاد المصري يمكن توصيفه علي أنه يمر بمجموعة من المشكلات الاقتصادية، وتحتاج هذه المشكلات إلي حسن إدارة اقتصادية، مع التركيز علي زيادة الإنتاج ومعدلاته ونوعيته خلال الفترة المقبلة . ولكي ندلل علي سلامة الوضع الاقتصادي لمصر، نذكر أداء بعض المؤشرات الاقتصادية، ليس من قبيل التهوين من حجم المشكلات الاقتصادية في مصر، ولكن من أجل أن ننظر إلي الوضع في إطار صحيح، حتي يمكننا الدفع بالأداء الاقتصادي في اتجاه إيجابي يقلص هذه المشكلات، ويصل لحلول لها. فمعدل الناتج المحلي الإجمالي في مصر لا يزال إيجابيًا بعد ثورة 25 يناير علي الرغم من الأحداث السياسية المتلاحقة، والتي تفاوت خلالها وجود الاستقرار السياسي والأمني الذي يتطلبه تحقيق معدل نمو اقتصادي مرتفع، فكان معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال عامي 0102/1102 و1102/2102 بحدود 2 ٪ و2.1 ٪ علي التوالي. أما نتيجة أداء معدل النمو الاقتصادي في الربع الأول من العام المالي 2012/2012 ( الشهور يوليو - أغسطس - سبتمبر 2012) فقد حقق الاقتصاد المصري فيها معدل نمو 2.6 ٪. ولكن هذا المعدل قد يتراجع في الربع الثاني نظرًا للأحداث السياسية السلبية التي شهدتها منذ نهاية شهر نوفمبر 2012 وحتي انتهاء فعاليات الاستفتاء علي الدستور. كما تشير بيانات وزارة التخطيط إلي أن العجز بميزان المدفوعات خلال الربع الأول من عام 2102/3102 قد بلغ 279 مليون دولار مقارنة بنحو 2.6 مليار دولار عن الفترة المناظرة من عام 1102/2102. وأيضًا لمسنا تحسنًا واضحًا في أداء البورصة المصرية منذ يوليو 2012، باستثناء الأسبوع الأخير من نوفمبر 2012 وحتي نهاية ديسمبر الماضي. ثم عاودت البورصة أداءها الإيجابي مع مطلع عام 2013، بعد الانتهاء من إقرار دستور مصر الجديد. مع الأخذ في الاعتبار أن لدينا نحو 15 مليار دولار احتياطي من النقد الأجنبي، ولدينا إيرادات قناة السويس التي تشهد تحسنًا ملحوظًا ولم تتأثر سلبًا منذ أحداث ثورة 25 يناير، وكذلك استمرار صادراتنا السلعية بتراجع طفيف لم يتجاوز 0.1 ٪ في عام 1102/2102 مقارنة بالعام السابق عليه. لكن لابد أن نعترف أن لدينا مشكلة في عجز الموازنة العامة للدولة، وكذلك الدين العام المحلي، وارتفاع نسب الفقر والبطالة خلال عام 2011 حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. إن ما نرجوه من القوي السياسية ألا يتم توظيف الاقتصاد بشكل خاطئ في الساحة السياسية، وأن تكون هناك خطوط حمراء لا نتجاوزها من أجل مصلحة الوطن، وألا تدفعنا الخصومة السياسة إلا اللعب بالأرقام، أو الزج بمشكلات اقتصادية بأكبر من حجمها، فالأثر السلبي سيعود علي الجميع.