أتعجب لماذا لا تستفيد الدولة من تجربة الباعة الجائلين في بسط سلطانهم تدريجيا علي أرصفة وشوارع البلاد.. وهي تجربة تمت بحرفنة أمام أعيننا جميعا بدأت "ببائع سريح" يدور بالشوارع واكتملت بفرض سلطانهم علي الشوارع والأرصفة والطرقات وتحويلها إلي بوتيكات علي الأرض ثابتة ومتحركة بلا إيجارات أو تراخيص وضرائب وكلام فارغ.. وعظمة التجربة تتبدي في اختفاء الحكومة وتركها فراغا كان لابد من ملئه وقد ملأوه سريعا..! وفي تناغم غير مخفي مع السلطات المسئولة عن الشارع وفي زمن قياسي تمكنوا من تولي مقاليد الشارع واستووا ببضائعهم علي الارض وفوق كل بقعة مستوية ومتعرجة.. واعلنوا بشكل عملي اختفاء الحكومة وتوليهم سلطة الشارع علي طريقة الفنان أحمد السقا في فيلمه "الجزيرة وقفوا صائحين ": "أنا الحكومة.. أنا الحكومة.. !" وبتحليل التجرية ندرك استيعاب الباعة للنظريات الفيزيائية الحديثة التي أثبتت ان الطبيعة تكره الفراغ وتملأه بالهواء اذا تعذر ملئه بغير ذلك.. وحين تحولت الحكومة إلي فراغ بدأوا علي مهل وبتؤدة ملء الفراغ بتنفيذ تجربة "أنا الحكومة .. أنا الحكومة" . وأبرز ما في التجرية هي روح التسامح التي تتحلي بها الدولة في ترك الباعة وتجارة الرصيف المقدرة بالمليارات في العديد من الدراسات دون اي جباية ضرائب.. ودون ازعاج للباعة تجدهم يمارسون حياتهم بشكل كامل بداية من النوم حتي عمليات البيع والشراء بطول البلاد وعرضها علي الأرصفة.. وكان يمكن لضرائبهم المساهمة في فك الضائقة الاقتصاية التي نعاني منها لكن يبدو ان الدولة لا تريد افساد تجربة "انا الحكومة.. انا الحكومة" ولا حتي الاستفادة منها.. !