النجوم لا تولد فقط بعنان الفضاء، ولكنها قد تولد بجوف الأرض وفي أعماقها، فلدينا 33 عاملا بأحد مناجم الذهب والنحاس المنهارة بصحراء تشيلي، أصبحوا نجوما وأبطالا في الصمود والتصدي، والصبر والمثابرة، والعزم والعزيمة، بل وأيضا في التحدي والاصرار علي الفوز بالنجاة من بطش الأزمات. يكفي أن نشير بأنهم مكثوا لنحو سبعين يوما وعلي عمق يناهز سبعمائة متر تحت سطح الأرض وذلك بعد ان انهارت كتل صخرية تصل أوزانها لعشرات الاطنان لتسد و تغلق تماما باب منجمهم، ولتحوله بمثابة قبر جماعي لهم وهم أحياء، لقد حطموا بحق الرقم القياسي لبقاء البشر تحت الأرض وفي ظروف قاسية للغاية من الظلمات، ونقص التهوية والأكسجين، وزيادة معدلات الرطوبة، والقلق القاتل، والخوف والرعب من ضربات القدر المؤلمة لهم. ان قصة »أهل المنجم« هي بحق رسالة من تحت الأرض لجميع أهل الأرض فوقها، وتحوي مجموعة من الدلالات والمعاني والعبر، سنحاول أن نسبر اغوارها ونكشف مكنونها. 1 بعد أيام عديدة من الانهيار الصخري علي باب المنجم وسده تماما، تفاني العمال في إرسال رسالة تشير بأنهم جميعا مازالوا بخير، لقد تمسكوا بالأمل في انقاذهم، وعندما تم التقاط رسالتهم تمسك المسئولون بالأمل والقدرة علي انقاذهم. 2 تم وضع أكثر من خطة لانقاذهم وذلك بواسطة خبراء متخصصين - كل في مجاله- ووضعوا جدولا زمنيا لذلك، وشرعوا في تنفيذ خططهم وبدون أدني تردد أو تسويف، لأن الابطاء في التحرك يهدر الفرص الايجابية، ويجعل الطيور تطير بأرزاقها. 3 اثبتت لنا قصتهم ان التعاون العلمي والتكنولوجي، والعمل بروح الفريق بين جميع دول العالم، يمكن ان يحقق النجاح التام في تلك المهمة الإنسانية الرفيعة. 4 استعانت تشيلي بخبراء من وكالة الفضاء الأمريكي للفضاء.. وجاء الابداع العلمي في قمته بعد النجاح في تصميم تلك الكبسولة الأرضية بمواصفات قياسية ولأول مرة، وتعاون الجميع بفريق الانقاذ تقديرا للقيمة الإنسانية العليا، وضرورة التلاحم والتضامن في المحن، وإلتف المجتمع الدولي بأسره وجميع دوله حول قصة الانقاذ وكأننا كبشر تعطشنا كبشر لاحياء قيم إنسانية غابت عنا لفترة ولا يجب ان ننسي ان الكبسولة الفضائية نفذت بطريقة اختيارية وعلي عكس الأرضية. 5 غلبت الفطرة علي الجميع، فتحقق اللجوء للمولي »الله« عند الشدائد والمحن والكرب، وهذا ما اظهره العمال تحت الأرض، وتلقوا دعوات بابا الفاتيكان بكل الارتياح والتقدير. 6 استشعر العمال اهتمام العالم بهم، وندب »وزير« ليداوم بصورة مستمرة علي انقاذهم، فتعمق لديهم الانتماء لوطنهم، وإقاموا احتفالية بذكري استقلال تشيلي، ورددوا نشيدهم القومي ورفعوا العلم تحت الأرض. 7 نجحت الكبسولة الأرضية المعدنية التشيلية في إخراج جميع العمال سالمين، واحتوت علي تكنولوجيا »عالمية« غير مسبوقة لتسجيل التغيرات البيولوجية الحيوية بأجساد العمال خلال رحلة صعودهم، للاستفادة منها لصالح »العلم« والذي نعيش عصره، وليثبتوا لنا ان السيادة والريادة بالعلوم والتكنولوجيا. 8 طبق العمال قاعدة »الايثار لا الاثره« فكان آخر من يصعد للسطح هو قائدهم تحت سطح الأرض، وهو عامل ساعد من البداية علي تهدئتهم وبث الاطمئنان لديهم. هذه هي قصتهم، بما فيها من عظات وعبر، قصة، قد لا تتكرر بنفس الصورة أو الطريقة، ولكنها توقد وتوقظ مشاعل وأنوار القيم الإنسانية العليا بالإنسان، وبضرورة الأخذ بالاسباب لتحقيق المراد من الأهداف والمثابرة، وتوضح أهمية القدوة وضرورة التمسك بالعلوم والتكنولوجيا، وبالاعتماد علي الله خالقنا. أخيرا، نري من هنا ان التعاون السلمي الدولي اضحي ضرورة واصبح أحدي الوسائل لحل المشاكل الفائقة التعقيد، وبدلا من الحديث الدائم عن التسليح والحرب والبوارج علينا ان نتكاتف كشعوب لتحقيق اهدافنا بالقيم الإنسانية الممزوجة بالعلوم والتكنولوجيا فنحن بحاجة للتعاون التكنولوجي السلمي بين جميع أهل الأرض فكلنا من أب واحد وهو آدم، وتلك اسمي رسالة ارسلها لنا أهل المنجم.