ان الأمن نعمة ربانية، وسعادة دنيوية وأخروية، لا تتحقق إلا علي أسس رصينة، ودعائم متينة، وفي مناخ الأمن ينطلق العمل، وتزدهر التنمية، وتنهض الحياة في كل مجالاتها. وبدون الأمان لا يسود الانسان، ولا يستطيع ان يحقق رسالته في الوجود. ولا يقوم الأمن إلا علي تلك الأسس التي أشار إليها القرآن الكريم حيث قال الله سبحانه وتعالي. (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) سورة النور »55«. فنلاحظ أن الآية الكريمة ذكرت وعد الله سبحانه وتعالي الذين آمنوا وعملوا الصالحات ان يستخلفهم في الأرض وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وان يبدلهم من بعد خوفهم أمناً، أي أن الآية ذكرت الأساس الأول وهو أساس الإيمان، والأساس الثاني: وهو أساس العمل الصالح. ولا شك ان الايمان يثمر الأمان، واذا ضاع الايمان ضاع فلا أمان. إذا الإيمان ضاع فلا أمانة ولا دنيا لمن لم يُحيي ديناً وبالعمل الصالح تستزكي النفوس، وقصفوا القلوب وينتشر الأمان في الأرض. وثالث هذه الأسس التي يقوم عليها الأمان هو »العدل« انه يثمر الأمان في الدنيا وفي الآخرة، قال الله تعالي: »الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون«. وقد أكد الإسلام أهمية العدل، فقال الله تعالي: »إن الله يأمر بالعدل والاحسان« وقال الله سبحانه: »ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل« وحذر رب العزة سبحانه من الظلم فجاء في الحديث القدسي: »يا عبادي إني حرمت الظلم علي نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا«. وأمر الرسول صلي الله عليه وسلم باتقاء الظلم، فقال: »اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم علي أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم«. واستجاب الصحابة رضوان الله عليهم الي تحقيق العدل، وبالتالي تحقق الأمان، حتي ان الفاروق ولما جاء صاحب كسري يسأل عنه ووجده أمام البيت نائماً في أمان قال له قولته المأثورة: حكمت فعدلت فآمنت فنمت يا عمر. من أسس الأمان محبة الانسان لأخيه الانسان، إذ لا يكمل الإيمان الا بهذه المحبة كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »لا يؤمن من أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه«. وإذا ما تحققت محبة الانسان لأخيه لا يظلمه ولا يخذله كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه«. ولقد وعد رسول الله صلي الله عليه وسلم بنعمة الأمان أصحابه حين قال لعدي بن حاتم حين وفد عليه: أتعرف الحيرة؟ قال لم أعرفها ولكن سمعت بها قال فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتي تخرج الظعينة من الحيرة حتي نطوف بالبيت في غير جوار أحد ولتفتحن كنوز كسري بن هرمز قلت: كسري بن هرمز قال: نعم وليُبذلن المال حتي لا يقبله أحد قال عديّ بن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فنطوف بالبيت في غير جوار أحد، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسري بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة، لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد قالها. وهكذا تحقق الأمن كما وعد رسول الله صلي الله عليه وسلم، وجاء ثمرة مترتبة علي الإيمان بالله وتوثيق الصلة به وعمل الصالحات. وكما ان الأمن ثمرة الايمان والعمل الصالح فهو أيضاً سمة المؤمن الصادق في إيمانه، فإذا صدق ايمان الانسان، وصدق ايمان المجتمع عاش الناس حياتهم آمنين لا يخافون ولا يفزعون ويأمنون علي دمائهم وأموالهم وأعراضهم. ولقد وضح رسول الله صلي الله عليه وسلم سمة من سمات المؤمن وهي أن يأمنه الناس علي دمائهم وأموالهم، فقال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: ».. والمؤمن من أمنه الناس علي دمائهم وأموالهم« رواه الترمذي.