في هذه المرحلة، التي تشهد مصر فيها تحولاً تاريخياً، ومنعطفاً بالغ الأهمية يجب أن ينبثق الخطاب الديني من الأجواء المحيطة به، مؤكداً علي الدعوة إلي الأمان والاستقرار، وترسيخ دعائم الوحدة الوطنية، وتوحيد الصف من أجل العمل والإنتاج، ونشر الحق والعدل والمساواة والحرية، والنهوض بالعطاء الحضاري في إخلاص وتجرد من الأثرة والأنانية، فيكون بحق خطاباً مطابقاً لمقتضي الحال. وأري أن هناك خمسة محاور يجب أن يركز عليها الخطاب الديني في هذه المرحلة المهمة: المحور الأول: هو توثيق الصلة بالله سبحانه وتعالي، وذلك بالدعوة إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة مع التركيز علي التوبة والإنابة ودعاء الله تعالي، والتضرع إليه »فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا...«. وأن نتقرب إلي الله تعالي في إخلاص أكيد حتي يهدي الجميع سواء السبيل، لأنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يُكشف إلا بتوبة، فإذا أردنا الحق والخير، وسعادة الأمة فعلينا بتوثيق الصلة بالله سبحانه وتعالي وأن رسولنا صلي الله عليه وسلم، عندما أراد تأسيس الدولة الإسلامية عقب الهجرة كان الأساس الأول: هو بناء المسجد النبوي ليكون همزة الصلة بين الخالق وخالقهم، ولا ريب أن الصلة بالله ضمان للأمن والنجاة، وطريق للطمأنينة والرخاء »ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل علي الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً« فعلي الدعاة والعلماء والمؤسسات الدينية أن تعني في الخطاب الديني علي بث روح العبادة، وتأكيد الصلة بالله تعالي وغرس الضمير الديني، حتي يراقب كل إنسان ربه في عمله الذي يقوم به وأن يعبد ربه كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك«. المحور الثاني: أن يوثق الناس صلتهم ببعضهم، فيتحابون ويتضامنون بحيث يحب بعضهم بعضاً، ويوقن كل إنسان أنه أخ لأخيه الإنسان فلا يحمل حقداً ولا كراهية ولا ضغناً علي أخيه. ولقد كان العنصر وهو محبة الناس وتضامنهم هو العنصر الثاني في تأسيس الدولة الإسلامية بعد الهجرة النبوية الشريفة إذ كان الأساس الأول متمثلاً في توثيق الصلة بالله ببناء المسجد والثاني في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. وكما قال الرسول صلي الله عليه وسلم: »المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كما أن المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه«. المحور الثالث: وهو يتعلق بالمسئولين فواجبهم أن يحققوا تعاليم الإسلام وأن يطبقوا العدالة فيما بينهم وأن يوقنوا أنهم حين يعدلون يكونون من أول السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فالعدل مطلوب في الحكم كما قال الله تعالي: »وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل« والعدل في القول كما قال الله تعالي: »وإذا قلتم فاعدلوا« فواجب الخطاب الديني أن يكثف الدعوي لتوجيه المسئولين إلي إحقاق الحق، وإقامة العدالة بين الناس. المحور الرابع: وهو يتعلق بوجوب العمل ومضاعفة الإنتاج والتنمية، وعلي الخطاب الديني أن يضاعف الدعوة إلي العمل والإنتاج والتنمية. فلا نريد للحياة أن تتوقف، ولا يصح أن تتجمد مسيرة الحياة والإنتاج. وأن واجب الخطاب الديني أن يضاعف الجهد في الدعوة إلي تكثيف العمل وعدم التوقف. وفي الوقت الذي ننادي فيه بالعمل والإنتاج فإننا ننادي أيضاً كل مسئول أن ينظر في مطالب الناس وأن ينظر في حقوق أصحاب الوقفات الاحتجاجية حتي تنطلق مسيرة العمل والإنتاج، فمن الواجب ألا يتدخل أصحاب الأهواء في محاولة تشويه صورة بعض الشخصيات، بسبب ما بين بعض الناس والبعض الآخر من خصومات كثيراً ما تقع بين الناس في مجالات كثيرة. وقد تدفع خصومات قديمة، أو منافسات ما بعض الناس للوقوع في أعراض غيرهم وتشويه صورتهم ونحن نستدعي الخطاب الديني ليعالج مثل هذه المشكلات وليعلم الجميع أن إشاعة التشهير والتشويه والمنكر من أبشع الجرائم والذنوب. قال الله تعالي: »إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون« سورة النور 91. والذين يحاولون اغتياب الناس أو البهتان عليهم أو تصفية الحسابات معهم في هذه المرحلة لشغل الناس والمسئولين ويحاولون ركوب موجة الاتهامات بعيدون عن روح الإسلام والحق، لقد حرم الإسلام الغيبة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: »أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه« رواه مسلم. ولكي تمضي سفينة المجتمع بالعمل والإنتاج لابد من التحاب والتواد وترك الشحناء والبغضاء والتحرش بالناس ومحاولة إلصاق العيوب بالناس، فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »من ذكر امرءا بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه الله في نار جهنم حتي يأتي بنفاد ما قال فيه« رواه الطبراني. وفي رواية أخري قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »أيما رجل أشاع علي رجل مسلم كلمة، وهو منها بريء يشينه بها في الدنيا كان حقاً علي الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتي يأتي بنفاد ما قاله« رواه الطبراني. إن مما لا ريب فيه أن مناهضة الشر والفساد أمر واجب ولكن علينا في الوقت نفسه ألا يقع الناس في فساد أشد حين يجرح بعضهم بعضاً، وحين يتشرذمون ويهدم بعضهم بعضاً، وعلينا أن نحرص في هذه المرحلة علي وحدة الصف وجمع الكلمة لبناء مجتمعنا علي المحبة والمودة »والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً«.