قررت الهروب هذا الأسبوع من التعليق علي الأحداث الجارية والتي أصابتنا بالهم والغم والنكد .. واخترت أن أستعرض ملخصا لما أرسله لي الباحث والمهندس محمد عبد العزيز خليفة داود استشاري تصميم وبناء نظم معلومات الحاسب الآلي بمعهد الدراسات والبحوث الاحصائية بجامعة القاهرة. فقد كتب تحت عنوان " علي هوامش دفتر الهجرة " بحثا رائعا تناول المناطق الرئيسية للهجرة النبوية من حيث المفهوم والتثنية والمصاحبة والتخفي والتواجد في الغار والجد في التقصي ثم أخيرا الاستقبال في يثرب.. بشرح واف ومطول، ومن بين ما استوقفني في البحث جزئية خاصة بعلم الغيب.. وطرح فيها الباحث سؤالا مهما : هل كان الرسول صلي الله عليه وسلم يعلم الغيب حسبما تؤكد بعض الروايات ؟ وقبل أن يجيب الباحث فقد استعرض أولا ما جاء في القرآن الكريم فيما يتعلق بهذه الجزئية.. الآية 50 في سورة الأنعام : قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحي إلي قل هل يستوي الأعمي والبصير أفلا تتفكرون، كذلك الآية 188 في سورة الأعراف : قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولوكنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون، أيضا الآية 9 في سورة الأحقاف : قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحي إليَّ وما أنا إلا نذير مبين.. ويلفت الباحث إلي ملاحظة هامة وهي أن جميع هذه الآيات المشار إليها تبدأ بكلمة قل، ب في إشارة إلي أن الإخبار بأنباء الغيب يكون فقط من الله عز وجل.. نفس الشيء تكرر للنبي نوح عليه السلام ففي سورة هود الآية 31: ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين، وكذلك الآية 49 في نفس السورة: تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين، والآية 44 في سورة آل عمران: ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون، أيضا الآية 102 في سورة يوسف : ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون.. صدق الله العظيم.. ومما سبق وسيق من دلائل يستطيع أي عاقل أن يجزم أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يكن يعلم الغيب إلا فقط ما كان يبلغه ربه به عبر الوحي، وبالتالي تسقط هذه الروايات التي دست علي السنة المطهرة، وهذا ليس معناه نقصا في الدين أونكوصا في الايمان فما هي إلا أقاصيص تروي، ونسأل الله ان يبعث في هذه الأمة من يقوم بتحطيم الأوثان الفكرية التي عشنا في كنفها طويلا.