سمىر عبدالقادر «في أكثر العهود إستبدادا وكبتا للحريات.. لم أر كاتبا منع من الكتابة لانه فوق الستين!» الاثنين: يبدو أن قلة من الزملاء اخطأوا في فهم ما قصدته من دفاعي عن الكتاب والصحفيين فوق الستين، ومطالبتي مجلس الشوري والمجلس الأعلي للصحافة. بالابقاء عليهم في مواقعهم. وعدم اقصائهم عند بلوغهم سن المعاش ومنعهم من الابداع والعطاء.. وحرمان المجتمع من آرائهم وادبهم وعملهم. وخلاصة خبرتهم وتجربتهم وعصارة عقولهم، لان تنحية هؤلاء المبدعين، ومنعهم من الكتابة والابداع بمثابة الحكم عليهم بالاعدام، وإرسال أوراقهم الي فضيلة المفتي. والزملاء الذين عارضوني فيما كتبت، وعددهم لا يزيد علي اصابع اليد الواحدة إن لم يكن أقل، كانت حجتهم أن هذه النخبة المبدعة تعطل مسيرة شباب الصحفيين في الصحف القومية ولا تفسح المجال أمامهم لكي يظهروا، ويكتبوا ويعلنوا آراءهم وافكارهم. وأنا اعذرهم، فإن اخلاء الساحة من المبدعين وتركها للشباب وحده، قد يؤدي الي حدوث فراغ رهيب في هذه الصحف، وبالتالي انصراف القراء عنها، فلو، وماذا سيكون أثر ذلك علي التوزيع؟ كما ان وجود النخبة المبدعة في مواقعها، ومواصلتها الكتابة، لن يعطل مسيرة الشباب، بل إن الشباب انفسهم سوف يستفيدون ويتعلمون من خبرتهم. وقد عاصرت عهود ما قبل الثورة وهي أحلك العهود وأكثرها استبدادا وكبتا وخنقا لحرية الصحافة، ومع ذلك لم أر كاتبا منع من الكتابة لانه بلغ الستين أو السبعين أو حتي الثمانين، كانت هذه النخبة المتميزة تعيش بيننا وتحظي منا بكل الاحترام والاعزاز والتبجيل بما يليق بمكانتها وفكرها. ومن هؤلاء علي سبيل المثال وليس الحصر، جلال الحمامصي وانيس منصور واحمد الصاوي محمد ومحمد التابعي وزكي عبدالقادر وعبدالسلام داوود وموسي صبري وكامل الشناوي وملك الاخراج الصحفي عثمان لطفي، وملوك الكاريكاتير صاروخان، ورخا وغيرهم، كانوا جميعا يكتبون ويبدعون في صحف دار أخبار اليوم، الي جانب صاحبيها عملاقي الصحافة مصطفي أمين وعلي أمين، وقد غادروا جميعا عالمنا في سن يجاوز السبعين بكثير!. وظل هذا الوضع كما هو بعد تأميم الصحافة ثم تلا ذلك ملكية الصحف القومية لمجلس الشوري، واستمر هؤلاء المبدعون في العطاء حتي آخر نبضة في قلوبهم دون أن يمنعم احد.. رغم الانتقادات التي كانوا يوجهونها للانظمة القائمة. وأنا لا ادافع عن نفسي، ولا ادعي انني من المبدعين، ولكن دفاعي كان من منطلق حبي واعزازي وتقديري لكل مبدع من شيوخ الكتاب والصحفيين سواء الذين عاصرتهم ورحلوا عن عالمنا، أو الذين مازالوا مستمرين في العطاء والابداع. واعترافي بفضلهم في توجيهي وتعليمي وارشادي خلال مشواري الصحفي في دار أخبار اليوم الذي بدأته وأنا ما أزال طالبا في كلية الحقوق وعمري تسعة عشر عاما، وكان لهؤلاء الفضل فيما أنا عليه الان من معرفة وخبرة وتجربة وحنكة في المهنة التي اخترتها لنفسي وبإرادتي، وعشت لها ومن اجلها.. وأخيرا.. لا يسعني إلا ان اقول للزملاء من الشباب.. رفقا بالكتاب الكبار وشيوخ الصحفيين رفقا بهذه الثروة القومية.. فسوف يأتي اليوم الذي تصبحون فيه مثلهم!. ما أضعف ما أستطيع! الثلاثاء: لا يكاد يمضي يوم دون أن أتلقي خطابا من طالب في الجامعات يرجو فيه ان يوفق لعمل يقتات منه، ويساعده علي اتمام دراسته الجامعية، ويكاد كل واحد يؤكد علي ثقته انني قادر علي ايجاد هذا العمل!. واني لأتلقي هذه الخطابات وانطوي علي شيء كثير من الاسي إذ لا استطيع ما يعتقد اصحابها اني مستطيعه! ومن المواطنين من يبثني نجواه وهمومه، ومنهم المريض الذي لا يجد ثمن الدواء، ومنهم من وقع في اشكال قضائي ويسألني الفتوي. ولكم تمنيت أن اكون قادرا علي تلبية هذه الطلبات جميعا، فليس اسعد ممن يوفق في مساعدة الآخرين، وليس أهدأ بالا ممن يستطيع مسح الدموع التي فجرت ينابيعها قسوة الزمن أو المجتمع، ولكنني لا استطيع ان اقدم الي هؤلاء إلا كلمة عزاء أو تشجيع، وما اضعف ما استطيع، فإن من الاحزان والمصائب والكوارث مالا ينفع فيه العزاء!. واني لاشعر بألم اللائمين الذين يحسبون اني قادر ولا افعل، وأغفر لهم سوء الظن، واني لأتقبل ما القاه منهم احيانا من عتاب وتقريع لاني لم افعل، أو لوم ثقيل لانني اهملت، اتقبله بنفس تعرف قداسة الصلة بين الكاتب والقاريء وان لم يعرف أحدهما الاخر. فوت علينا بكرة! الأربعاء: قال الموظف لصاحب الطلب.. عيب.. بشرفي وذمتي فوت بكره، ستجد أوراقك جاهزة.. وهز الرجل رأسه كأنه غير مصدق، واستطرد الموظف المسئول وهو يدق المكتب بيده تأكيدا واصرارا: اقسم بالله أن هذا آخر موعد!!. - ولكنني سمعت هذا الكلام، وسمعت هذا القسم منذ أسبوع! - كنت مريضا وفي أجازة! وبدا الرجل وكأنه مصدق وانصرف شاكرا. وعاد في اليوم التالي وفي الموعد المحدد، فعرف ان الموظف المسئول ليس في مكتبه.. وسأله.. متي يعود، قال بعض زملائه انه استأذن ساعة وأنه عائد حتما، وطلبوا منه أن يستريح وأن زميلهم أوصاهم أن يستبقوه إلي أن يعود، وشكرهم وجلس يستريح!. ومرت ساعة.. ساعتان.. ثلاث ساعات.. وأوشك موعد الانصراف أن يحين، وسأل للمرة العاشرة، متي يعود، وأكدوا له أنه عائد لا محالة، وليس من عادته أن يتأخر هكذا!. وجاء الفراش يكنس الغرفة، وسأل الرجل عن حاجته وقد انصرف الجميع، فقال له: أكدوا لي انه عائد، وأنا علي موعد معه، أقسم بشرفه وذمته وأقسم بالله أن اوراقي ستكون جاهزة اليوم، وهز الفراش رأسه في أسف.. معلش تعالي بكرة!. هذه صورة واقعية لما يحدث في جهازنا الحكومي.. كان الله في عون أصحاب المصالح!. هاتف من الداخل! الخميس: خلوت بعض الوقت- مع نفسي.. أحسست ان هاتفا من داخلها يحدثني.. وأنني اسمع صوته بوضوح رغم ما يحيط بي من صخب وضجيج.. كان الحديث عن الذكريات القديمة. وسلوكي في مواقف معينة واجهتها في حياتي.. وصعوبات قاومتها أو استسلمت لها.. وأخبار سارة تلقيتها. وانباء حزينة جزعت لها وأثارت في عيني الدموع.. اقترن هذا الحديث بأشباح مزعجة وأحلام وأوهام وخيالات انتباتني في مراحل عمري المختلفة. إن في داخل كل منا إنسانا آخر.. هذا الانسان هو الجوهر.. هو الحقيقة هو الواقع.. أما تصرفاتنا الخارجية فما هي إلا غلاف.. ستار يحجب ما يخفية العقل الباطن. فإذا غاب الانسان عن وعيه لاي سبب من الاسباب فإنه يتحلل من القيود.. وينطلق لسانه ليفضح تصرفاته وسلوكه.. وينكشف- في لحظة- الانسان الحقيقي الذي يختفي في داخله. ان ما في داخلنا هو عالم مستقل له اسراره وخباياه.. تماما مثل العالم الذي يحيط بنا.. ولن يستطيع العلم ان يكتشف هذه الاسرار.. وسوف يظل عاجزا امامها لانها من صميم المجهول الذي يحكمنا ويوجهنا!. إسعاد الآخرين الجمعة: سألني صديق.. ماذا يسعدك في الحياة.. قلت: يسعدني أن استطيع اعادة البسمة الي شفاه حزينة.. وتقديم العون والمساعدة الي شخص محتاج.. ورد الحق الي انسان مظلوم..ومواساة مريض. وإعادة الأمل الي قلب يائس.. قال صديقي مندهشا.. هذا كل ما يسعدك.. قلت: إن اسعاد الاخرين هو غايتي في الحياة.. هو الذي يمنح الانسان راحة البال.. وهدوء الخاطر.. وسلام النفس.. وطمأنينة القلب، قال: وماذا عن المتع والمباهج الاخري التي تدخل السعادة الي النفس. قلت السعادة التي اؤمن بها لا تضاهيها سعادة في الوجود.. ولا يمكن للانسان ان يستمتع بما في الحياة من مباهج وهو يجد غيره جائعا أو حزينا أو باكيا أو متألما أو يائسا.. إن اسعاد هؤلاء الناس وادخال الفرحة والامان والسلام والابتسام الي قلوبهم ونفوسهم هو السعادة الكبري. قال: ليت كل الناس يؤمنون بهذه الفلسفة.. ولو فعل جميعهم مثلك لما وجد علي ظهر الارض انسان حزين أو مكلوم أو مظلوم أو محتاج.. قلت الكثيرون يا صديقي يؤمنون بهذه الفلسفة ولكنهم لا يعلنون عن انفسهم.. قال تقصد يعملون في الخفاء في سبيل الخير؟.. قلت نعم.. واجرهم عند الله محفوظ.. وفي الدنيا تجدهم موضع احترام الناس وتقديرهم.. اذا ساروا التف حولهم المعارف والاصدقاء. وأحاطوهم بالتحيات والسلامات والدعاء.. كل واحد يريد ان يرد اليهم الجميل.. ويقدم اليهم المقابل لما قدموه من خير ومعروف.. ان هذه الصفوة التي تسعي لاسعاد الاخرين لا تنتظر جزاء ولا شكورا.. بل تفعل ما تفعله لوجه الله.. واستجابة لنداء الضمير.. وإرضاء لنفوسهم وقلوبهم ومشاعرهم قال.. هنيئا لهم في الدنيا والآخرة. قلت: هذا جزاء كل من ينشد الجنة.. ولا ينشد متع الحياة.