وسط الجدل السياسي المصري، أصبحنا في حاجة ماسة لمن يحدثنا عن المستقبل الاقتصادي المصري وأهم المشروعات التي تستطيع إقالة الاقتصاد المصري من عثرته بعيدا عن قروض البنك الدولي، ولعل من أهم مجالات الصناعات المستقبلية هي الصناعات التعدينية خاصة اليورانيوم حيث تملك مصر منه خمسة حقول كاملة وكذلك المشروعات الحديثة القائمة علي الرمال السوداء والتي تملك مصر منها كنوزا ضخمة.. من هنا تأتي أهمية الحوار مع د. محسن محمد علي رئيس هيئة المواد النووية الذي أوضح »للأخبار« أن كل ما يثار حول وجود نفايات نووية علي أرض مصر هو ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وأن الضبعة هو المكان الأصلح لإقامة المحطة النووية، وناشد الرئيس مرسي بسرعة اعطاء الاذن بالانطلاق للعمل في المحطة لأن التأخير يعني زيادة التكلفة، وقال د.محسن إن ما يحدث من مظاهرات في الشارع المصري كان سببا في تعطيل ثلاثة مشروعات تخص الهيئة النووية حتي الآن، بل إن خبراء الوكالة الدولية يرفضون زيارة مصر لوجود حالة من عدم الاستقرار، موضحا في الوقت نفسه أن مصر علي وشك دخول عهد صناعي جديد بعد اكتشاف 31 موقعا للرمال السوداء التي تدخل في معظم الصناعات الحيوية.. فلنبحث من خلال هذا الحوار عن جرعة من التفاؤل عند هذا العالم المصري الكبير: بداية نسألك حول ما أثير مؤخرا عن وجود مدافن للنفايات النووية بالساحل الشمالي ومدي صحة ذلك.. وهل هذه النفايات للتجارب المصرية فقط أم أنها لبعض الدول الأخري؟ هذه ادعاءات روجها د.خالد عودة الذي قال إن هناك نفايات نووية لدول أخري بالساحل الشمالي المصري، وهي ادعاءات غير صحيحة أثارت بلبلة كبيرة في الشارع مع أنها لا أساس لها من الصحة، والأمانة تقتضي أن أقول إننا كدولة وكعلماء جيولوجيين لن نسمح أبدا بأن نأخذ نفايات نووية لدول أخري وأقوم بدفنها في الأراضي المصرية، إن هناك شروطا معينة لإقامة مدفن للنفايات النووية، ومن هذه الشروط الجيولوجية أن يكون المدفن بعيداً عن أحزمة الزلازل، بعيدا عن أي نشاط بركاني، بعيدا عما نسميه بالصدوع الكبيرة، فلابد لكي أختار مدفنا ألقي به النفايات النووية أن يكون بعيدا عن هذه الشروط الأساسية، بالإضافة أن يكون بعيدا عن المياه الجوفية، لأنني لو أنشأت مدفنا للنفايات النووية في مجري المياه الجوفية فقد تجرفه معها، والمكان الذي ذكره د.خالد عودة لا تنطبق عليه هذه الشروط.. ولذلك عندما بدأنا في مصر السعي لاختيار منطقة لإقامة محطة نووية لجأنا إلي خريطة مصر وبحثنا عن المناطق التي نسميها بالأحزمة الزلزالية وابتعدنا عنها، وكذلك ابتعدنا عن المناطق التي قد تحدث بها تصدعات مثل منطقة كلابشة أو تلك التي قد يحدث بها نشاط بركاني وهكذا، ثم بعد ذلك نقوم بدراسة هذه المنطقة جيولوجيا من حيث نوعية الصخر، والصدوع الصغيرة التي قد تحدث وهل يصح أن أقيم عليها المشروعات أم لا، ثم النظر في اتجاه الرياح بحيث اذا حدث ضرر -لا قدر الله- لا يؤذي الشعب المصري، وبعد أن أقوم بكل هذه الدراسات أعطي درجات معينة لكل منها، وأفضل موقع يحصل علي أعلي الدرجات يكون هو الأصلح لإقامة محطة نووية، وقد حصل موقع الضبعة علي أكبر الدرجات في هذه الدراسات، ومن أجل ذلك قمنا باختياره. المكان الأصلح أعتقد أن الدولة أنفقت ملايين الجنيهات علي الدراسات الخاصة بمشروع الضبعة وإلي الآن لم يتم البدء فيه.. بماذا تفسر ذلك؟ هذا شيء خارج عن ارادتنا كباحثين، ونحن كعلماء مهمتنا أن نقول إن هذا المكان يصلح لإقامة محطة نووية ولدينا الدراسات التي تؤكد هذا، ولكن سواء التمويل أو الحوادث التي تحدث من حين لآخر وتؤثر علي الرأي العام هي المسئولة عن تأخير المشروع، ونحن كجيولوجيين نؤكد أن الضبعة هي المكان الأصلح في مصر لإقامة المحطة النووية.. خاصة أننا لو تركنا الضبعة كمكان لإقامة المحطة واخترنا مكانا آخر فسيصبح لزاما علينا أن نشرح للمقيمين في الموقع الجديد لماذا تركنا الضبعة؟ بل وسنحتاج إلي إعادة كل هذه الدراسات التي أجريناها علي الضبعة، أي أننا سنهدر الوقت والمال معا. كما أن اقتراح منطقة البحر الأحمر كبديل لا مبرر له لأن البحر الأحمر كما يعلم الجميع كان ملتصقا بالسعودية منذ ملايين السنين وبدأ ينفتح ويبتعد مكونا هذا البحر حتي ان العلماء الآن يقولون انه يبتعد بمقدار 5 سنتيمترات كل عام؟ بديل للطاقة وهناك من يعارض إقامة محطة نووية من الأساس خوفا من كوارث قد تحدث كالتي حدثت مؤخرا في اليابان؟ في الوقت الذي فككت فيه اليابان بعض محطاتها سنجد أن هناك دولا أخري مازالت تقيم محطات جديدة مثل الصين، لذلك حين أتحدث عن عدم استخدام الطاقة النووية، لابد أن يكون لدي البديل لمصادر الطاقة، وكما تري هناك نفاد كبير للغاز والبترول والفحم، فلابد أن أبحث عن البديل المستقبلي لهذه المواد، وإلي الآن لم يثبت أي مصدر للطاقة أنه جدير بأن يحل محل الغاز والبترول سوي الطاقة النووية.. وقد يتحدث بعضهم عن الطاقة الشمسية، ولكن حتي الآن لا يوجد »الميكيانيزم« الذي يحتفظ بالطاقة علي مستوي العالم خاصة أن الشمس تغيب فترات طويلة في أغلب الدول، وهناك مصانع تحتاج إلي الطاقة بصفة مستمرة مثل الحديد والصلب، حيث لو تم اغلاق الفرن الخاص به فإنه يحتاج الي اسبوع كامل لإعادة تشغيله علي نفس الدرجة ولا يستطيع أن يقوم بذلك سوي الغاز والبترول والطاقة النووية وهي طاقات مستمر. اتحاد النقابات النووية يطالب بلقاء مع الرئيس.. ما أهم المطالب التي ستقدمونها اليه في هذا اللقاء؟ أول مطلب سنتقدم به الي الرئيس هو اتخاذ قرار فوري بإقامة المحطة النووية في منطقة الضبعة، لأن كل يوم تأخير معناه أن التكلفة ستزيد، والمشكلة تزداد تعقيدا، ولذلك يجب أن يأخذ مشروع الضبعة الخطوات الأولي خلال هذه الأيام، خاصة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقول إن الدول النامية تحتاج إلي خمسة عشر عاما لإقامة محطة نووية، فعلينا أن نبدأ التنفيذ من الآن استثمارا للوقت. هل تري أن هناك بعض المعوقات الدولية لإقامة محطة نووية مصرية؟ علي العكس، فمعظم الدول خلال الفترة الماضية طالبت بالمساهمة في هذا المشروع ولكن كانت تري أولوية الاستقرار المصري باختيار مجلس شعب ورئيس جمهورية، والآن بعد وجود رئيس جمهورية منتخب أعتقد أن الظروف مواتية لإقامة أول محطة نووية في مصر. أضرار المظاهرات بالحديث عن الاستقرار.. ما مدي تأثير المظاهرات والإضرابات علي مشروعات الهيئة؟ بالطبع عطلت هذه المظاهرات مشروعات عديدة وفي القطاع النووي وحده عطلت حالة عدم الاستقرار ثلاثة مشروعات: مشروع الرملة السوداء ومشروع اليورانيوم وكذلك المحطة النووية، فكما يقولون فإن رأس المال جبان ولن يضع المستثمرون أموالهم في بلد ليس فيه استقرار، بل إن المظاهرات تؤثر حتي علي استدعاء خبير من الوكالة الدولية لزيارة مصر، لأن الجميع يرفضون القدوم إلينا إلا بعد الاستقرار الأمني، فما بالك بالمستثمر الذي يضخ أمواله، كيف يأتي إلي بلد به كل هذه المظاهرات؟ كنوز الرمال السوداء حدثنا عن مشروع استغلال خامات الرمال السوداء ومدي تأثيره علي حركة الصناعة المصرية خلال المرحلة المقبلة؟ الرملة السوداء عبارة عن فتات الصخور، فعندما تنزل الامطار علي هضبة اثيوبيا وكينيا وتنزانيا بصورة كثيفة تقوم بتكسير الصخور وتفتيتها، ثم تحملها المياه في نهر النيل حتي ساحل البحر المتوسط، أي أن هذه الرملة تأتي من دول المصدر إلي دولة المصب في حوالي 6 آلاف كيلو ونصف الكيلو، وعندما أقيم السد العالي احتجزت هذه الرمال خلف السد إلا كميات قليلة تقوم المياه خلال هذه المسافة بإجراء عملية تكثيف بحيث تترك الرمال الخفيفة وتأخذ الرمال الثقيلة إلي الأمام حتي تكونت لدينا هذه الكثبان الرملية، وقامت طائرة الأبحاث التي تتبع الهيئة بتحديد 31 موقعا بها هذه الكثبان، وابتدأنا بأعلاها تركيزا وهي منطقة البرلس ببلطيم أجرينا دراسات عليها واكتشفنا أنها 81 كيلو من الرمال السوداء في عرض كيلو واحد، أخذنا من هذه المساحة أكثر من 4 آلاف عينة قمنا بتحليلها في معامل الهيئة لاكتشاف المحتوي المعدني لهذه الرمال، ووجدنا أن بها ستة أنواع من المعادن تدخل في معظم الصناعات منها صناعة البويات التي نستوردها من الخارج ونحن نملك المواد الخام لها، وبعد اجراء الدراسات تقدمنا بها إلي مجلس الوزراء ولكن مجلس الوزراء أراد أن يتأكد من صحة هذه الدراسات فانتدب شركة استرالية من افضل الشركات في العالم في هذا المجال وبالفعل أجرت الدراسات مرة أخري واكدت أن أبحاثنا دقيقة بنسبة 9.99٪، واعطتنا برنامجا يسمي »الكود« أي اذا اتبعنا خطوات معينة في الدراسات الجيولوجية الاقتصادية واعطيناها إلي شخص يدعي »كوبيتا ديفرسن« معتمد في البنك الدولي، وقتها يكون البنك مستعدا إلي تمويل هذه الابحاث، وهذه أول مرة في مصر تقوم فيها المشروعات بهذه الطريقة التي نسميها دراسة جدوي و»مكود« والأكواد خمسة أنواع علي مستوي العالم، ونحن نتبع الكود الاسترالي، وقد اثبتت الدراسة أن هذا المشروع واعد وأن به حوالي 033 مليون طن وأن المشروع سيستمر لمدة عشرين عاما وأن الدولار الواحد سيكسب 02٪ برأسمال 521 مليونا، وهذا المشروع الأول هو مشروع فصل المعادن عن بعضها، وهذه المعادن التي تم فصلها من الممكن أن أقيم عليها صناعة أخري، وعندما عرضنا هذا المشروع تقدمت اليه واحدة من أفضل شركتين في العالم وهي شركة كريستال.. أي أننا لدينا صناعات واعدة ولكنها تحتاج إلي دعم وتمويل واستقرار سياسي. في إطار السعي نحو اللامركزية.. ماذا سيقدم مشروع الرمال السوداء إلي محافظة كفر الشيخ بما أنها تضم هذه الكنوز؟ هذا المشروع سيحول محافظة كفر الشيخ من محافظة زراعية تهتم ببعض انواع الصيد الي محافظة صناعية كبري، ولدينا حتي الآن ثماني شركات تقدمت بعروضها للحصول علي هذه المشروعات وسوف نقوم بدراسة هذه العروض بناء علي مدي مساهمة كل منها في المكون المحلي، وكانت هناك اتصالات ايضا مع الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس لإمكانية اشتراك الهيئة في المشروع لأن جزءا من المشروع سيقام في بركة مياه عن طريق عوامة وشفاط، وهيئة قناة السويس متقدمة في هذا النوع من المشروعات، وهذا في حد ذاته مكسب للصناعة المصرية لأنها للمرة الأولي ستدخل بهذه القوة في الصناعة التعدينية التي تقام في شمال افريقيا والشرق الأوسط، حيث ان افريقيا ليس بها سوي مصنع في جنوب افريقيا وآخر في كينيا. الصواريخ النووية في ظل الأحداث الأخيرة بين الكيان الصهيوني وحماس في غزة والتأييد المصري والعربي لإخواننا في فلسطين.. هل من الممكن أن تشكل الصواريخ النووية الاسرائيلية خطرا يجب أن نخشاه.. من وجهة نظر علمية؟ أعتقد أنه من الصعب أن تستخدم اسرائيل هذه القنابل النووية لأنها ستكون بذلك المتضرر الأكبر، ولنتذكر حادثة تشرنوبل التي حدثت في روسيا كانت أول دولة متضررة هي السويد حيث ان الرياح حملت الأتربة إلي أجوائها، فما بالك والمسافات قصيرة بين الدول العربية واسرائيل، والإشعاع لا يؤثر علي دولة دون أخري وانما يؤثر علي المنطقة بأكملها، لذلك لا اعتقد أن اسرائيل قد تستخدم مواد نووية في نزاعها مع الدول العربية ولكن علينا أن نكون مستعدين علي أي حال. خطة مستقبلية ما الخطة المستقبلية التي تعدها هيئة المواد النووية لتدخل بها إلي عصر ما بعد الثورة ؟ الهيئة تقوم باعداد دراسة لتقديمها الي وزير الكهرباء بأن هناك شركات أجنبية تريد أن تساعد هيئة المواد النووية في استخلاص اليورانيوم، خاصة أننا وجدنا في بعض الحقول ذهبا مع اليورانيوم، ونحن الآن في مرحلة إعداد دراسات لهذه الشركات بحيث لو ثبت لديها أن هذه المشروعات ذات جدوي اقتصادية فسوف تشترك معنا كنظام البترول واعطتنا ميزة أن تكون العمالة مصرية ونسبة 15٪ لمصر و94٪ للشركة وهذا اتفاق مبدئي كالعرض الذي تقدموا به، ولكن ان حصلنا علي موافقات من الوزير ورئيس الوزراء فسوف يتم التفاوض بحيث تحصل مصر علي أفضل الشروط.. ولدينا في مصر خمسة أماكن واعدة لإنتاج اليورانيوم، وللأسف فإن أغلب المستثمرين المصريين لا يتجهون إلي الاستثمار في مجال التعدين لأن المخاطرة فيه أكبر والمصروفات أعلي، فأنت في النهاية تتعامل مع مجهول، ولا تدري هل مكان الحفر به خامات أم لا وهل هذه الخامات اقتصادية أم لا، لذلك فمعظم المستثمرين المصريين لا يفضلون هذا النوع من الاستثمار، أما الشركات العالمية فلديها إمكانيات وخبرات في هذا المجال، وأثناء الاتفاق سيكون لمصر بالطبع الأولوية في شراء نسبتهم من الوقود. بعض الخبراء أكدوا سرقة الغاز المصري من المياه الإقليمية.. هل من الممكن أن يحدث هذا مع مناطق اليورانيوم المصرية؟ اليورانيوم المصري بعيد عن أيدي الدول المجاورة فأغلب المناطق موجودة في البحر الأحمر والموقع الوحيد الموجود في سيناء بعيد جدا في منطقة أبوزنيمة، اضافة إلي أن علماءنا موجودون في هذه المناطق كل أيام العام ومن الصعب أن يقوم أحد بالحفر في هذه المناطق دون إذن أو اتفاقات مسبقة مع الدولة.