ماذا يمكن لحديث العقل أن يفعل مع من يحرضون علي تدمير مصر.. مدعين أنهم إنما يفعلون ذلك باسم الشريعة الإسلامية.. وتطبيقاً لكتاب الله وسنة رسوله؟ أحدهم وصف حضارة مصر القديمة، أم حضارات الدنيا، ودرة تاج المجد الانساني.. وموضع إجلال وإكبار العالم كله، بأنها حضارة »عفنة«!. ثم جاء آخر قندهاري عنيف التعصب، جرأ علي أن يدعو لهدم آثار مصر الفرعونية كلها، بما فيها الأهرام وأبوالهول.. وتمادي في جرأته فطلب من رئيس جمهورية مصر، ان يتخذ من رسول الله أسوة، ويقتفي أثره، ويحطم هذه الأصنام، كما حث محمد الصحابة علي تحطيم الأصنام حول الكعبة عند فتح مكة، وبلغ به الغرور، والثقة بإمكانية ان يستجيب الرئيس لدعوته، بأنه يعلم أن الدكتور محمد مرسي رجل مؤمن بشرع الله ويعمل علي تنفيذه. هكذا، لم يكتف »الشيخ« مرجان بفتواه الشاذة، وإنما يحرض رئيس مصر.. علي تدمير مصر!. لقد علق كثيرون مستنكرين ما قاله »الشيخ« مرجان. لكني لن أعلق من عندي، وإنما سأستدعي من تراثنا الاسلامي العظيم من هو أقدر وأصدق، ومن لا يقارن إسلام مرجان وأمثاله بعشر معشار إسلامه، شيخنا الجليل، الحسيب النسيب، سليل بيت الرسول الكريم والأنصار من الخزرج الذين آذروا النبي صلي الله عليه وسلم ونصروا دعوته الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، الذي حفظ القرآن كله صغيراً ودرس في الأزهر الشريف حتي أكمل دراسته متفوقاً، ودرس فيه متميزاً، بعد ان تبحر في علوم الفقه.. هذا الشيخ عميق التدين، عندما أرسله محمد علي بتوصية من شيخه حسن العطار شيخ الأزهر الشريف إلي باريس.. درس دروسه، وأدي واجباته الهائلة.. لكنه لاحظ وتأمل وقرأ ما لفت نظره كمصري عميق الاعتزاز بمصريته. لاحظ أن كبار علماء ومثقفي فرنسا مبهورون بمصر وحضارة مصر، بعد أن اكتشف شاملبيون حجر رشيد، ونجح في فك طلاسم اللغة الهيروغليفية، وكيف جاءوا بمسلتين فرعونيتين ووضعوهما في أكبر ميادين باريس.. اعمل رفاعة عقله، وتساءل تساؤل الباحث المفكر: كيف توصل عقل أجداده إلي هذه العلوم الهندسية.. وفنون البناء والعمران؟.. وهكذا هداه دينه السوي وفكره العقلاني لأن يرسل، وهو لا يزال لم يعد، رسالة إلي محمد علي يحكي له ذلك، ويقترح جمع هذه الآثار وحفظها وحسن عرضها.. ولما عاد كلفه محمد علي بالتنفيذ، فجمع الآثار الممكن جمعها، وأقام لها معرضاً أمام مدرسة الألسن التي أنشأها، لتكون نواة المتحف المصري، وليكون رفاعة الطهطاوي أول أمين علي الآثار المصرية.. وشتان ما بين الشيخ الطهطاوي حامي حضارة مصر.. وهؤلاء الذين يدّعون ويدعون لتدمير حضارة مصر؟! الموضوع فيه جانب عملي خطير.. فهذا الشيخ مرجان يحرض رئيس الجمهورية علي ان ينفذ تحطيم هذه الآثار »الأصنام«.. ويدعي أن الدكتور محمد مرسي معه علي الخط.. فما موقف الرئيس؟.. لم نسمع اي رد فعل، لا من الرئيس ولا من المتحدث باسم الرئاسة، علي الأقل للاستنكار، وطلب عدم الزج باسم الرئيس في هذه الفتاوي المتهوسة. فإذا كان ذلك لم يحدث، فإنني أستنجد برئيس الديوان السفير محمد رفاعة الطهطاوي، وهو الوريث الأمين لتراث جده العظيم.. أن يفعل ما يمكن للدفاع عن حضارة مصر.. بل مصر ذاتها. أرواح الملائكة تهز قلب مصر اعترف انني طوال أمس واليوم لم استطع منع نفسي من البكاء خمسون بريئاً، تتفتح عقولهم للعلم.. يتحولون في لحظة إلي أشلاء، يا قلبي علي أهاليهم.. ويالوحشية الاهمال واللامبالاة بالأرواح!.. لم يهتز قلب الوطن كله مثلما اهتز اليوم ولم يبلغ غضب الشعب مثلما بلغ في هذه الحادثة الموجعة. فهل يطهر الحزن العظيم أدران حياتنا.. وهل يمحق الغضب الضمائر الميتة؟!.