النفخ في قرية مقطوعة.. أو الحرث في البحر.. أو الآذان في مالطا.. ثلاثة تشبيهات لها معني واحد أنه لا فائدة مما نقول.. وهذا للأسف.. ما وصلنا إليه في الحديث عن مساوئ الدستور الجديد والتحذير من الألغام الكامنة بين ثنايا مواده بعدما أحكم التيار الإسلامي قبضته علي الجمعية التأسيسية بما يتمتع به من أغلبية عددية تضمن له حسم كل الخلافات حول مواد الدستور لصالحه عن طريق التصويت بنسبة ال75٪. وبنفس الطريقة سيحسم التيار الاسلامي نتيجة الاستفتاء علي الدستور ب»نعم« بما لديه من امكانات وقدرات تنظيمية هائلة تمكنه من حشد الناخبين ونقلهم إلي لجان الاقتراع ليقولوا »نعم« للدستور الجديد ! هذا الواقع.. حشد الناخبين ونقلهم إلي اللجان للتصويت لما يريده النظام الحاكم ليس جديدا علينا.. مارسه الحزب الوطني ومن قبله الاتحاد الاشتراكي باقتدار في كل الانتخابات والاستفتاءات التي شهدتها مصر منذ ثورة 32 يوليو 2591.. هذه الصورة المؤلمة تدعونا للتفكير في ضرورة البحث عن مخرج لانقاذ الاستفتاءات علي الدساتير من هذا العبث.. وهذا لن يتأتي إلا إذا كان للاستفتاء علي الدستور جداول انتخابية خاصة تضم الناخبين الذين لهم حق المشاركة في الاستفتاء ممن يتمتعون بدرجة مناسبة من التعليم وقدر من الوعي الثقافي والسياسي الذي يمكن الناخب من فهم مواد الدستور قبل التصويت عليه.. فإذا كان من حق كل مواطن مقيد في جداول الانتخابات الحالية أن يختار النائب الذي يمثله في البرلمان فهذا جائز باعتبار أنه يختار شخصا غالبا ما يعرفه ويعرف قدراته وخدماته السابقة لأهالي الدائرة المرشح عنها.. ليس مهما هنا أن يكون الناخب أميا أم متعلما لأن العلاقة مع المرشح هي أساس الاختيار.. لكن بالنسبة للدستور ليس من المنطقي ولا المقبول أبداً أن يصوت الأمي أو محدود الثقافة والتعليم علي دستور لا يفهم مواده ولا يستوعب تبعاتها.. لكننا إذا اشترطنا حصول الناخب الذي يحق له المشاركة في الاستفتاء علي الدستور علي مستوي معين من التعليم كالثانوية العامة أو ما يعادلها أو فكرنا في استحداث أية شروط أخري تضمن قدرته علي استيعاب مواد الدستور سيكون هذا أفضل بلا شك لأنه حينئذ يستطيع أن يقول »نعم« أو »لا« طبقا لما يراه محققا للمصلحة العامة وليس استجابة لضغوط أو تعليمات الحزب الحاكم. ما فائدة أن نصطحب أميا أو سيدة عجوزا أو مسنا من يده ونذهب به إلي صندوق الاقتراع ليقول »نعم« لدستور لا يفهم منه شيئا.. ثم نقول أن الأغلبية وافقت علي الدستور وقال الشعب كلمته.. هذا ضحك علي الدقون ! هنا أيضا يمكن أن يكون هناك حد أقصي لسن من يسمح له بالاشتراك في الاستفتاء علي الدستور حتي نضمن قدرته علي استيعاب ما يدور حول الدستور من حوار مجتمعي يكشف ايجابياته وسلبياته. لا يفوتني أن أنوه أنه ربما استلهمت هذه الفكرة من انتخابات البابا الجديد.. ليس كل الأقباط يشاركون في انتخاب البابا.. كل من يريد المشاركة يتقدم بطلب.. ويتم تجميع وفرز الطلبات لاختيار مجموعة تمثل كل محافظة.. هناك بالطبع شروط للاختيار من المؤكد أن من بينها درجة التعليم والثقافة والالتزام الديني وغيرها.. هذه المجموعة المنتقاة والذين وصل عددهم في الانتخابات البابوية الأخيرة إلي 5042 هم فقط من شاركوا في الانتخابات وليس كل الاقباط.. وتمت كل الاجراءات بمنتهي الشفافية والانضباط. لابد أيضا أن يكون هناك حد أدني لنسبة الموافقة علي الدستور لا تقل عن 57٪.. فلا يعقل أن تتم الموافقة علي الدستور بالأغلبية المطلقة (05٪من الأصوات + واحد).. دستور كهذا لا يمكن أن يعبر عن كل فئات الشعب. ليس مقبولا أيضا أن يتم التصويت علي مواد الدستور دفعة واحدة.. الأفضل أن يتم التصويت علي كل باب علي حدة.. لأنه غالبا ما يرفض أي ناخب بعض المواد وليس كلها.. اقتراحي يسمح له أن يقول »نعم« للأبواب التي لا يعترض عليها ويقول »لا« للأبواب التي تتضمن المواد التي يرفضها بدلا من أن يضطر لقبول أو رفض الدستور كله. هذه الأفكار لا يمكن بالطبع تطبيقها في الاستفتاء علي الدستور الجديد.. وهناك أفكار أخري بالطبع.. المهم أن نتشجع ونطرحها ونناقشها علي نطاق واسع في حوار مجتمعي جاد فإذا ثبت صوابها يمكن تطبيقها مستقبلا ليكون الدستور الجديد آخر دستور يصدر بهذه الطريقة . الدستور ليس قرآنا ولهذا فإنه يمكن تعديله في أي وقت.. وفي أقرب وقت إن شاء الله.