- عندنا فى مصر أكثر من 20 مليون أمّى لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، ومع ذلك فهم يمثلون القوة الضاربة التى تقلب موازين أى نتائج فى الانتخابات أو الاستفتاء.. وقد رأيناهم بوضوح فى أول استفتاء حر بعد ثورة 25 يناير، فبعد أن كانت هذه الفئة مهمشة فى عهد النظام السابق وكثيراً ما كانت تُستغل فى تزوير الانتخابات.. أتاحت الثورة لهم فرصة التصويت الحر، أى الذى لا يخضع للوصاية، على اعتبار أن التصويت حق دستورى لكل مواطن بصرف النظر إن كان مثقفاً أو أمياً. - وهذه الشريحة التى لا تعرف القراءة والكتابة كان لها تأثير قوى على نتيجة الاستفتاء الذى جرى، فقد غيرت المسار، فبعد أن كان الشارع المصرى يرفض الإعلان الدستورى.. جاءت النتيجة مفاجئة للبيت المصرى، حيث نجح التيار الإسلامى فى استقطاب هذه الشريحة التى لا تفهم ما هو الإعلان الدستورى ودفعوا بهم إلى اللجان للتصويت على العلامة الخضراء.. أفهموهم أن من يختار العلامة الخضراء يحجز له مكاناً فى الجنة، ولأنهم بسطاء، لا يفهمون الفرق بين كلمة «نعم» وكلمة «لا».. كلهم قالوا «نعم».. ودفعنا نحن الثمن وشربنا المقلب بسبب جهل هؤلاء، مع أنهم لا يفهمون أن الإعلان الدستورى الذى قالوا له «نعم» يضمن للتيار الإسلامى حقه فى الحياة النيابية وإدارة شؤون البلاد، وهذا هو ما نعانيه الآن.. فقد كان واضحاً من اختيار رئيس وأعضاء اللجنة الذين وضعوا الإعلان الدستورى أنه يحقق رغبات التيار الإسلامى، لأن صياغته جاءت بروح الجماعة، فكان محققاً لجميع رغباتهم.. ومع ذلك لم نعترض على تواجدهم على الساحة، على اعتبار أنهم انظلموا وانسحلوا فى عهد النظام الذى سقط، وللأسف بعد تعاطفنا معهم لم نكن نعرف نواياهم وماذا كانوا يخططون بعد الوصول إلى البرلمان.. - قالوا قبل الانتخابات البرلمانية لا نطمع فى أكثر من 25 فى المائة، حتى نترك لبقية الأحزاب التحرك فى بقية المقاعد.. وإذا بهم يزحفون و«يكوشون» على 40 فى المائة من مقاعد مجلس الشعب.. وما حدث فى الشعب حدث فى الشورى.. ولم تتوقف أطماعهم عند هذا الحد.. بل خططوا للوصول إلى رئاسة الحكومة.. ثم إلى كرسى الرئاسة.. معتمدين على أصوات الأميين. - الشىء الذى يؤلم أنك لا تستطيع أن تطالب بحرمان من هو أمىّ من الإدلاء بصوته، لأنه يحمل حصانة دستورية اسمها حق المواطنة.. مع أن الحرمان هو حق مشروع لتأمين العملية الانتخابية، بحيث لا يدلى بصوته إلا لمن يفهمها بالقراءة والكتابة وليس بالبصمة.. وهناك دول كثيرة كانت تستبعد الأميين عن الإدلاء بأصواتهم، حتى تضمن نتائج عادلة فى الانتخابات.. ولا أعرف ما هو السر فى تفشى الأمية عندنا مع أننا نملك المقومات والأدوات التى تأخذ بأيدى الأميين.. لكن للأسف كان النظام السابق يستخدم سياسة «الطناش» فى تعليمهم، على اعتبار أنهم الفصيل الذى يستعين به فى تزوير الانتخابات.. وما كان يحدث أيام الحزب الوطنى حدث هذه الأيام فى عهد الإخوان والسلفيين، فقد كانت هذه الشريحة هى سلاحهم فى التصويت. - ولأن التيار الإسلامى يجيد التخطيط، حيث يملك القدرة على الاختراق والتنظيم، فقد نجح فى اختراق هذه الشريحة التى تسكن العشوائيات، وقام بتقسيمهم إلى مجموعات، وأصبح كل عضو مسؤولاً عن جماعة منهم، يتولى توعيتهم وغسيل أفكارهم بالبرنامج الانتخابى المطلوب تنفيذه، وكثيراً ما كنا نرى وجوهاً لا تعرف القراءة والكتابة ترسم على الكف رموز المرشحين، حتى إذا انفردوا بأنفسهم وراء ستارة التصويت راحوا يؤشرون على الرموز المطابقة للرموز التى على أيديهم.. ومع ذلك تصبح أصواتهم صحيحة مائة فى المائة. - وما حدث فى الانتخابات البرلمانية من بيع الأصوات حدث فى التوكيلات التى أجبرت عدداً من المرشحين للرئاسة على اللجوء لتقديم المال والهدايا فى شراء هذه التوكيلات.. وقد تم ضبط عدد منهم.. وتم غض البصر عن أعداد كبيرة، حتى لا يفسدوا العملية الانتخابية لاختيار رئيس الجمهورية، مع أن كل شىء كان على عينك يا تاجر.. التوكيل وصل إلى 400 جنيه فى بعض المحافظات.. والذين يبيعون هذه التوكيلات ليس بالضرورة أن يكونوا هم الأميّين، لكن طبقة الفقراء والمطحونين.. فلم يعد يهم من الذى سيفوز بكرسى الرئاسة.. فالكل زاهد حتى ولو أصبح الرئيس واحدا من الطبقة الكادحة.. المهم أن يحس بأوجاع المطحونين. .. إن الشريحة التى نتحدث عنها - وهى شريحة الأميّين التى سوف تقلب الموازين - لا تعرف من هو الرئيس القادم.. لأنها لم تقرأ برنامج أحد.. وسوف يتم التصويت على الصورة.. وليس على البرنامج، وهذه هى المصيبة لأنهم لا يقرأون.. فقد كنا نريد من شبابنا أصحاب الثورة الحقيقيين أن ينتشروا بين هؤلاء المهمشين ويقوموا بتوعيتهم.. المهم أن يكونوا حياديين.. ليس بالضرورة أن نساند مرشحاً على حساب مرشحاً، لأن تفضيل مرشح على مرشح لا علاقة له بالأخلاق أو الدين. - صدقونى لو أن شبابنا الواعى الناضج كان قد انتشر بين هؤلاء الأميين قبل انتخابات الشعب والشورى ما كنا وصلنا إلى هذه النتائج التى حققت الأغلبية للتيار الإسلامى على حساب القوى السياسية الأخرى.. فالإخوان نجحوا فى الانتشار وغزو المناطق العشوائية والقرى والنجوع.. أما شبابنا فقد قاطع الانتخابات، وبدلاً من أن ينتشر مثلهم فضل أن يسكن ميدان التحرير. - لقد آن الأوان أن نستفيد من أخطائنا.. حتى لا يمرروا الدستور على هواهم.. لأن معظم الشعب لن يفهم ماذا سيكون فى الدستور.. والاستفتاء بكلمة «نعم» أو «لا».. استفتاء غير عادل. - صحيح أن هذا الكلام سابق لأوانه.. لكن هذا هو السيناريو القادم.. عندما يتم وضع الدستور.. ويتم طرحه فى استفتاء عام.. وسوف تكون النتيجة مقدماً.. هى «نعم».. واللى مش عاجبه يضرب راسه فى الحيط.