لأحمد شوقي تخف القوافي.. كأن الزلازل تدفعها عن حواف السطور. كأن البراكين ترفعها.. والنيازك تجمعها.. كي تسلمها لسمو الامير. تخف القوافي.. وتهجر موقعها المتميز فوق نواصي الرويِّ.. مضحية بالدويِّ المثير. لأحمد شوقي تخف القوافي وتترك مملكة الشعر مفتوحة للصحاري.. وقد فقدت كل سور من العشب.. فالعشب يعرف ان له الخضرة السندسية حين يحط علي الرمل توقيعه المستدير. وان له في الزمان حضور الاصيل.. اذا ما تأبط في الشمس أوج الهجير. وان لأحمد شوقي صفات من الماء مثل انتماء النماء لصوت الخرير. لأحمد شوقي تخف القوافي.. وتنسلُّ مثل خيوط الحرير. تخف القوافي مخلفة بعدها كاسيات القصائد عارية من نهاياتها.. ترتمي من حياها علي ذاتها.. تحتمي بالقلائد فوق النحور. لأحمد شوقي تجف القوافي اذا هو طالبها بالجفاف.. وتنشف ما لم يخضها البحور. وتخرج حين يشاء المرافي من اللج كي يدخل الفلك فيها مؤمنة من ضلال العباب.. وبطش الصخور. لأحمد شوقي تلف القوافي علي سوقها كالزهور. وقد راودتها الفراشات عن نفسها.. حينذاك فاتت غصون شجيراتها ثم راحت بإثر الفراش تطير. لأحمد شوقي تلف القوافي قراطيسها باحتراف الضفاف التي ترسل النهر عبرالفيافي إلي بيته الساحليِّ.. وتمنعه فوضويَّ المسير. لأحمد شوقي تهف القوافي هفيف السوافي من الريح.. تحمل عطر البنفسج والفل والشيح.. تحمل ارواح كل العطور. لواديه ذاك المخبّأ بين تلال الشذي وجبال العبير. تهف القوافي هفيف اللطاف من النسمات.. مشبَّعة العود بالعود.. خلخالها صندل.. فصُّ خاتمها: زهرة الزعفران.. وأسورة الزند: رند.. اذا هاجها الشوق.. أركبها الجمر خيل الدخان.. ووجهها في بريد البخور. لأحمد شوقي ترف القوافي رفيف العصافير تطلبها في السماء النسور. تهاجر من شرفات المنافي إلي وطن ساكن في الضمير. تهاجر من كل اندلسٍ ضائعٍ نحو نيلٍ تدفق بين القري والمدائن.. نيلٍ وفيّ العطايا وفير. علي راحتيه تحط العصافير.. يُلقمها القمح.. ثم يشاربها قدحيْ جعةٍ من خمير الشعير. ويروي لها الطُّرف القاهرية.. إذ ذاك تسقط ناعسةً في سرور. فيشبك كفيه من تحتها.. ويصنع من راحتيه سرير. لأحمد شوقي ترفُّ القوافي رفيف الجفون التي ذُكِّرت بالأحبة.. يسدلها هاجس باحتمال التجافي.. ويرسلها من تمني الوصال سفير. كذلك يبقي الهوي أرق الطرف.. يجذبه خاطر للنعيم.. ويدفعه خاطر للسعير. لأحمد شوقي تشف القوافي .. وتصبح مثل شعاع الضياء المرشح عبر مصافي غرابيلها من جزيئات نور.. نشاهد فيه الشموس الوليدة تركض إثْر صغار البدور. تشف إلي ان تصير خفايا الجوانح ظاهرة للجوارح يلمسها السمع وهو بصير. تشف تشف إلي ان تفضَّ الذي في الصدور.. فنلمح رفرفة الروح بين الشهيق وبين الزفير. تشف إلي ان تصير قوادم ريش الطيور وراء الخوافي.. وكل مصير كتابا عن الوجد جدّ قصير.. يواصل احمد شوقي قراءته في يقين خرافي.. فيصغي له ذاهلا عن مترجمه شكسبير. لأحمد شوقي تخف القوافي تباعا.. وتمعن في النأي باعا فباعا.. فيرجع عنها قطار الصدي نافضا في مسامعنا غرغرات الصفير. لأحمد شوقي تخف القوافي من الخاتمات المقفاة.. من بلل الورقات المنَّداةِ. نحو دواة الخيالات.. كي تستقل بخار المدادِ.. إلي قلم كالسحاب جواد.. تأهب في كفه الرعويِّ ليومٍ جديدٍ مطير. يعيد إلي الصفحات اصطخاب الحياة اذا ما تعهدها بالصرير. لأحمد شوقي تصف القوافي جنود الحروف سطورا وراء سطور. وتشرع في ضبط ايقاعهم عند تحريكهم ثم تسكينهم اذ يدوِّي النفير. تصف بيارقها وتدور إلي الخلف نحو معسكرها في الشعور. ونحو القلاع الحصينة في مخبأ اللاشعور. لأحمد شوقي تزف القوافي عرائسها ناحلات الخصور. أوانس مثل الدُّمي غانيات تجاهد اطرافهن الفتور. تزف القوافي عرائسها النابغات كواعب ليس لهنَّ علي الارض في سحرهنَّ نظير. لأحمد شوقي تخف القوافي من الصفحات جميعا.. وتعتزل الشعراء جميعا.. فأحمد شوقي دعاها إليه.. فلَّبته مسرعةً بالحضور.. فمازال أحمد شوقي الأمير.