يوم الجمعة الماضي شاركت في ندوة جماهيرية في مدينة إيتاي البارود (محافظة البحيرة)، ضمن حملة "إعرف دستورك"، التي دعوت لها في هذا المكان، للتواصل والحوار مع الشعب نفسه، وليس مع النخب، حول مواد الدستور الجديد، ورغم طول المسافة (ساعتان من القاهرة ذهابا ومثلهما إيابا) إلا أنني عدت سعيدا ومطمئنا ومتفائلا. عدت سعيدا لأنني لمست عمليا وبشكل مباشر مدي وعي وعمق رؤية الإنسان المصري البسيط، الذي تحاول النخبة العلمانية وضيوف الفضائيات ازدراءه، والتقليل من قيمته وتجاهل وجوده واختياره الحر، واكتشفت أيضا أن الجميع مهتم بالحوار الجاد والإيجابي والبناء، ولم يقتصر الأمر علي الرجال فقط بل كانت المرأة حاضرة ومشاركة في الندوة بقوة وكثافة ربما أكثر من الرجال، بما ينفي أيضا تهمة أن المرأة المصرية مهمشة ولا دور لها، كما تزعم المنظمات النسائية. وعدت مطمئنا أيضا لأن الحوار مع هذا الحضور الكبير في الندوة، والأسئلة التي طرحوها بوعي وإدراك عقب إلقاء كلمات الضيوف، أكدت في تقديري أن حالة التضليل التي تقوم بها فضائيات الفتنة ليل نهار، لم تنجح كثيرا في التأثير سلبا علي رؤية أبناء الوطن، تجاه ما يجري من أحداث سياسية عامة، وعلي رأسها إعداد مشروع الدستور الجديد، وبقي المواطن واعيا ومتفهما للمطلوب منه في هذه المرحلة الحرجة رغم كل المحاولات التي تبذلها فضائيات رجال الأعمال لتضليله. وعدت متفائلا كذلك لأن هذه الندوات والمؤتمرات واللقاءات، التي يرعاها أحزاب وتيارات سياسية مختلفة في جميع محافظات مصر، وفي الكثير من المدن والقري والكفور والنجوع، كشفت أن شعب مصر الأصيل تغير للأفضل بعد ثورة 25 يناير، وبفضل هذه الحرية التي انتزعها من أنياب الظلم والفساد والاستبداد، واكتشفت أن الجميع يدرك أن هذه الحرية، حتي وإن أساء البعض استخدامها، هي الطريق الصحيح للحوار والنقاش، والوصول إلي اتفاق يشمل الجميع دون إقصاء. الشعب المصري الآن هو صاحب الكلمة العليا فيما يخص قضايا ومشكلات وهموم الوطن، ومادامت هناك حرية وديمقراطية يحميها ويدافع عنها ويتحمل في سبيلها هذا الشعب، فهو إذن صاحب السلطة العليا والكلمة الحاسمة، وليس من حق أحد من النخبة أو التيارات السياسية أن يتكلم باسمه، طالما لا يملك تفويضا منه، والخلاف بين النخب والأحزاب السياسية يجب أن يعود الحسم فيه إلي الشعب عبر الانتخابات والاستفتاءات الحرة، التي تضع كل فصيل سياسي في مكانه الطبيعي. قلت في الندوة إن الشعب المصري الحر اختار لأول مرة في تاريخه اللجنة التي تعد مشروع الدستور، من خلال اختيار أعضاء مجلسي الشعب والشوري، وهم بدورهم اختاروا أعضاء اللجنة التأسيسية، التي تمثل مختلف الأطياف السياسية في الوطن، ولأول مرة في تاريخه يكون من حقه أن يناقش مواد هذا الدستور علانية وبلا خوف، وأن يقبل منها ويرفض، لأن المسودة الأولي ليست قرآنا، بل هي اجتهاد بشري يصيب ويخطئ، ولكنها أفضل اجتهاد بشري يمكن أن نتوافق عليه. مصر التي رأيت جزءا منها حاضرا في ندوة "إيتاي البارود" ومثيلاتها، ورأيت جزءا آخر أكبر يمارس العمل بجد واجتهاد، في الحقول والمصانع والمتاجر والمؤسسات والجامعات ومراكز الأبحاث، وفي مواقع ومؤسسات الخدمات المختلفة، هي مصر الحقيقية التي تعمل وتعرق وتكد وتتعب كي تنهض بهذا الوطن الغالي، بعيدا عن البريق الكاذب للإعلام، وبعيدا عن أموال رجال الأعمال الذين يملكون فضائيات التضليل والتشويه والافتراء. إنها مصر الأمل والعمل .. مصر العطاء والتضحية .. تلك هي الحقيقة التي لا يعرفها ضيوف هذه الفضائيات.