سمير عبدالقادر سألت مسئولاً حكومياً كبيراً: هل تذكر المقال الذي كتبته عن المشاكل التي شكوت لي منها منذ عشر سنوات.. وقلت لي أيامها إنها تعوق الاستثمار وحركة التنمية؟؟ قال: أذكر.. قلت: هل مازالت هذه المشاكل قائمة.. أم أن بعضها وجد الحل؟ قال: معظمها مازال كما هو لم يتغير.. قلت: إذن لو أعدت نشر هذا المقال في الوقت الحاضر.. وبعد مضي عشر سنوات.. قاطعني قائلاً: سيكون مقالاً جديداً تماماً! وكأنه لم ينشر من قبل!! قلت في دهشة: إذن المشاكل القديمة التي حدثتني عنها كنت تعاني منها طوال هذه السنوات؟ قال: تماماً!! قلت وما هو موقفك منها الآن؟ قال: مازلت أكتب عنها التقارير.. قلت: وأين تذهب هذه التقارير؟ قال: إلي السلطة التي بيدها الحل.. قلت: وما هو مصيرها؟ قال: لا أعرف!! قلت: ألا تسأل عنها وتتابعها؟؟ قال: أداوم السؤال حتي يصيبني اليأس والإحباط.. فأسكت!! قلت: ثم ماذا؟ قال: أكتب بعد فترة تقارير غيرها.. قلت: ولماذا لا ترسل صورة من التقارير القديمة؟؟ قال: حتي تبدو المشاكل وكأنها جديدة! قلت: وما الحكمة في ذلك.. أليست التقارير عن نفس المشاكل.. فكيف تبدو جديدة.. وهي قديمة؟ قال: من المحتمل أن تكون التقارير القديمة قد تم حفظها دون أن يقرأها أحد.. ولذلك أقوم بكتابتها من جديد.. ولكن بأسلوب مختلف لعلها تجد من يهتم بها.. قلت: هذه أشياء كانت غائبة عن خيالي! قال: هذا هو حال الحكومة.. قلت: لماذا لا تتبع وسيلة أقصر لعرض المشاكل.. قال: اتبعت كل الوسائل.. عرضتها بنفسي وشرحتها.. وتابعتها بالاتصال التليفوني.. ولكن بلا جدوي.. ولا أحد يهتم!! قلت: وما الحل في رأيك؟؟ قال: نشر المشاكل في الصحف.. قلت: وما الفائدة وبعض القيادات لا تقرأ.. أو بمعني آخر لا تهتم بما يكتب.. قال: لعل الطوبة تيجي في المعطوبة والسنارة تغمز! قلت: سأنشر نفس المقال القديم.. وسأذكر هذا صراحة في مقدمته.. قال: أرجوك لا تكتب اسمي!! قلت: وما حاجتي إلي الأسماء.. والمشاكل معروفة وقائمة.. ولكني نسيت أن أسألك عن سبب هذا التراخي؟ قال: الروتين.. وسوء التنظيم.. وعدم احترام الأولويات.. والتنفيذ العشوائي للمشروعات دون ترتيب.. وهذا يخلق الصراعات بين القيادات!! قلت: والنتيجة؟؟ قال: القيادة الأقوي هي التي تحظي بكتف الدجاجة.. وتحصل علي ما تريد من اعتمادات وإصلاحات.. وتحل مشاكلها في أسرع وقت.. أما القيادة البعيدة عن الصراعات والشلل فإن مشاكلها تبقي كما هي.. محلك سر.. قلت: اعطني أمثلة علي ذلك.. قال: المشاكل التي كتبت عنها منذ عشر سنوات ولم تحل.. هي خير مثال.. قلت: وما العمل.. قال: فرج الله قريب.. قلت: والأضرار التي تصيب بلدنا واقتصادنا.. قال: الله هو الحافظ.. قلت: وأخرتها؟ قال: خير إن شاء الله!! الصراع بين جيلين! قال صديقي وهو يتعجب: إن هذا الجيل الجديد منحل ومضطرب ومتناقض، قلت: الأجيال المتعاقبة ليست أجيالاً منفصلة، ولكن ينشأ أحدها من الآخر، كما يتخلف عن الليل النهار، أو يتخلف عن النهار الليل، فليس في الحياة ولا في الأزمان وحدات مستقلة أحدها عن الأخري، إنها جميعاً متداخلة أحدها في الأخري، قال: ولكن هناك فرقاً كبيراً بين الجيلين، هناك فراغ هائل يجعل منهما جيلين متباعدين يكادان لهذا التباعد أن يبدوا وكأنهما جيلان لا صلة لأحدهما بالآخر! قلت: إن الجيل القديم هو الذي أنجب الجيل الجديد.. وإن ما تتحدث عنه من فراغ، هو نظر خادع، الجيل الجديد منبثق من الجيل القديم، كل ما في الأمر أن التطور كان أسرع، والتغيير كان أعمق، قال: ولكننا لا نعرف كيف نتفاهم معه رغم ما يصلنا به، قلت: العيب عيبنا!.. قال: إنه جيل لا يسمع ولا يعي.. إنه لا يفهمنا، قلت: ونحن أيضاً لا نفهمه.. وهنا الخطر، وهنا يتعين التفكير وإمعان النظر، لابد من إقامة الجسور إذا تباعدت الأطراف، جسور يسير عليها كل طرف إلي منتصف الطريق حتي الالتقاء والتفاهم.. أنت تريد فرض آرائك ومفاهيمك وتصورك للحياة عليه، قال: ولكنه يصنع الشيء نفسه، يريد فرض آرائه ومفاهيمه وتصوره للحياة علينا! قلت: كلا الطرفين مخطئ، فلابد أن يخطو أحدهما خطوة نحو الآخر.. قال: إنهم يرفضون أن يفعلوا ذلك، قلت: واجبنا نحن أن نبدأ لأننا أكثر تجربة وأكثر فهماً وأكثر قدرة علي إيجاد الملاءمة بين ما نعتقد وما يعتقد أبناؤنا، لأننا شهدنا الجيل القديم وعشنا الجيل الجديد، ثم إننا أكثر إدراكاً وقدرة علي تحمل المسئوليات، وترويض الرافضين للفهم والتصور، هم يختالون بشبابهم، بينما آباؤهم في قيود قديمة، نعم.. لابد أن تعرف ويعرف جميع أبناء الجيل القديم أن استمرار الحياة والأجيال من غير تغير وتحول وتطور أمر مستحيل لأنه يتعارض مع سنة الحياة.