أحمد طه النقر يكفي أن نقول الميدان فقط لكي تنصرف الاذهان فورا الي ميدان التحرير ..كل ميادين العالم تُعرف باسمائها إلا هذا الميدان الذي صار اسما علماً يدل علي ذاته ، وذلك لأنه مهد وقلب الثورة التي وُصفت بأنها "الأعظم في تاريخ البشرية".. ولأنه أيضا الساحة التي كانت ولا تزال شاهدة علي شعب مصر العظيم وهو يُخرج مخزون الحضارة العتيد ويُعيد إبهار العالم بتفرده وعبقريته.. وحد الميدان المصريين بكل تنويعاتهم وألوانهم ، وأخرج منهم أجمل ما فيهم..احتشد الكل في واحد يرددون معا شعارات الثورة التي لم يكتبها أو يفكر فيها أحد ولكنها انطلقت بتلقائية وعفوية من الحناجر والقلوب في سيمفونية رائعة ظهر يوم 25 يناير 2011 وطوال ال18 يوما التي تلت ذلك حتي سقوط الطاغية ، وما جري بعد ذلك من وقائع اختطاف علني للثورة.. وفي جمعة 19 اكتوبر 2012 عادت روح الميدان التي افتقدناها طويلا ..دوت الهتافات والشعارات مصرية خالصة لوجه الثورة والوطن..عيش ..حرية ..عدالة اجتماعية..إسقاط التأسيسية..وكان العنوان الرئيسي "مصر مش عزبة ..مصر لكل المصريين"..طبعا كانت هناك هتافات ضد الاخوان لأن حزبهم هو الحاكم..ومن هنا كان تساؤل الجميع عن مبررات تظاهرهم يوم الجمعة 12 اكتوبر وما نتج عن ذلك من عدوان علي متظاهرين مسالمين يمارسون حقهم الدستوري الاصيل في التعبير عن الرأي ..كان المتظاهرون يمارسون حق المعارضة في الشارع ، أما الإخوان فلا معني لتظاهرهم لأنهم الحزب الحاكم ويمكنهم توصيل مطالبهم للرئيس وحكومته عبر القنوات الحزبية!!.. ولكن أجمل ما لاحظه الجميع في مشهد التحرير أمس الأول ، فضلا عن عودة روح الثورة والتنوع ، هو سلمية المظاهرات وخلوها من العنف الذي مارسته قبل اسبوع ، وبطريقة وحشية فجة ، فصائل تدعي إنتماءها للإسلام ..غاب البلطجية والميلشيات وخلا وجه الميدان للثوار ليعيدوا فيه عزف انشودة الثورة من جديد.. غير أن السؤال الذي ألح علي ذهني وطاردني بلا رحمة طوال اليوم في الميدان هو كيفية حماية المظاهرات السلمية مستقبلا ، وخاصة أن العنف يمكن يولد عنفا مضادا وندخل في متاهات بلا نهاية قد تورد البلاد موارد الحرب الأهلية لا قدر الله.. وتناقشتُ طويلا مع اكثر من صديق شاركوني مخاوفي وهواجسي..وكان الرأي الذي أبديته ومازلتُ متمسكا به هو أن الرد علي العنف لا يكون بالعنف ، وإنما بالتمسك بشعار"سلمية...سلمية" الذي رفعه الثوار منذ 25 يناير 2011 أمام وحشية وعدوانية قوات الامن المركزي وأمن الدولة.. وكانت تتداعي الي ذاكرتي وانا أُعبر عن رأيي ضد العنف مأثورات زعماء وفلاسفة اللاعنف مثل زعيم استقلال الهند المهاتما غاندي الذي قال إن " مبدأ العين بالعين يجعل العالم كله أعمي"..وكذلك الإمام محمد الحسيني الشيرازي الذي قال إن"العنف يولد العنف والعنيف يجد من هو أعنف منه" مشيرا الي أن اللاعنف كان أحد مقومات الدعوة الإسلامية..ويبدو أنه من حسن حظ الإمام الشيرازي ، صاحب فلسفة اللاعنف في الفكر الإسلامي، أنه لم يعش في زمن يمارس فيه العنف ، بل البلطجة والوحشية مَن يرفعون راية الإسلام الحنيف وهو منهم براء!!..