حمدى الكنىسى قد يتبادر الي الذهن انني أقصد »بالحرب المظلومة« حربنا الاكتوبرية الرمضانية المجيدة، لكنني أعني حربا أخري تعرضت وتتعرض للظلم الشديد حتي كادت تضيع في ادراج النسيان بالرغم من انها كانت خير تمهيد وإعداد لحرب أكتوبر، انها- يا حضرات- حرب الاستنزاف التي بلغ ظلم بعضهم لها ان احدهم - الذي كان يتخذ صفة المؤرخ- قال إنها لم يكن لها مبرر بل انها لم تحقق لنا سوي الفشل والخسائر«. وها هو وزير الحربية السابق شمس بدران يدعي - في حوار نشر مؤخرا- ان حرب الاستنزاف كانت استنزافا لجيشنا!! من جهة اخري كانت محاولات التعتيم علي هذه الحرب لدرجة ان المقالات التي كانت تنشر عن حرب اكتوبر يتم حذف أي اشارة فيها الي حرب الاستنزاف. وقد تعرضت أنا شخصيا لذلك الموقف عندما الفت اول كتبي عن العبور العظيم اذ فوجئت بأن الناشر »وهو رئيس احدي المؤسسات الصحفية الحكومية« يطلب مني حذف الكثير مما ذكرته عن حرب الاستنزاف ورفضت ذلك بطبيعة الحال وقمت بنشر كتابي »اليوم السابع« من خلال دار نشر اخري. تلك بعض المواقف والممارسات التي سعت بشراسة الي التعتيم علي هذه الحرب أو تشويها، ذلك لانها ارتبطت بعبدالناصر الذي بذل جهودا خارقة لاعادة بناء القوات المسلحة وإعدادها لحرب العزة والكرامة رافعا شعار ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة«.. والمؤسف ان الذين قادوا تلك الحملة تصوروا ان ابرازها قد يكون علي حساب حرب اكتوبر التي ارتبطت- عن حق- بالرئيس انور السادات!. هكذا تعرضت حرب الاستنزاف للظلم الصارخ بالرغم من انها شهدت بطولات وأعمالا تجسد دورها الكبير في التمهيد والاعداد لحرب اكتوبر ويكفي ان اشير الي بعض الوقائع والامثلة. 1- لولا حرب الاستنزاف لما نجح سلاح المهندسين في انشاء قواعد الصواريخ ومنصات المدرعات والمدفعية الثقيلة وتم استثمار ذلك في تكبيد اسرائيل خسائر فادحة حيث فقدت اثناءها اكثر من اربعة آلاف جندي وضابط بينهم 04 طيارا تم اسقاط طائراتهم الفانتوم الحديثة جدا! ثم كان لهذه القواعد والمنصات دورها الكبير في حرب أكتوبر. 2- اضطرت اسرائيل طوال ايام الاستنزاف التي بلغت الف يوم الي الاحتفاظ بالتعبئة الجزئية مما ارهق اقتصادها واثر في معنويات شعبها. 3- المعروف انه في اعقاب نكسة 76 اخذت وسائل الاعلام الاسرائيلية والغربية تدق طبولها لتعزف علي انتصار اسرائيل في حرب الايام الستة.. كما اطلقوا عليها، وشنت حملات ضارية علي الجيش المصري والسوري فصورت المقاتل المصري والعربي بأنه جبان ولا يعرف الا الانسحاب خوفا من الجندي الاسرائيلي »السوبر مان« الذي يفخر به جيش الدفاع »الذي لا يقهر«!. وكان المستهدف من تلك الحملات الاعلامية احباط مقاتلينا وبث الرعب في قلوبهم، لكن الرد علي ذلك جاء فورا وقبل مضي اسبوعين علي النكسة حيث تصدي بشجاعة مذهلة ثلاثون جنديا من الصاعقة لكتيبة اسرائيلية من المشاة الميكانيكية والمدعمة بعشرة دبابات. في محاولة للتقدم نحو بورفؤاد، فكانت معركة رأس العش التي لقنت افراد القوة الاسرائيلية درسا قاسيا، وعجز جيش الدفاع عن تحقيق هدفه في بورفؤاد، ولم تقتصر المواجهة علي تلك المعركة الرائعة. حيث تم ضرب ايلات، وتوالي اسقاط الطائرات، ثم كانت المواجهة الاشمل باقتحام موقع لسان بورتوفيق وهو احد المواقع الحصينة من خط بارليف حيث نجحت قوة محدودة من ابطال الصاعقة في اقتحامه وقتل وأسر العشرات من ضباطه وجنوده. هكذا سقط الحاجز النفسي الذي كان يمثل احد الموانع في مواجهة قواتنا المسلحة، فقد اكتشف جنودنا حقيقة الجندي الاسرائيلي الذي اتضح انه لا سوبر مان ولا حاجة« بل انسان يخشي الموت ولا يعرف معني التضحية والفداء، التي جسدتها بطولات رجالنا، وبالمناسبة اجريت اثناء عملي كمراسل حربي عدة لقاءات مع مقاتلينا الذين ذكروا انهم كانوا قد اشتركوا اثناء حرب الاستنزاف في عمل كمائن داخل سيناء وقتلوا واسروا عددا من جنود وضباط العدو. وقد اعترف موشيه دايان وزير دفاعهم بأن الجندي المصري كان المفاجأة الكبيرة لهم، وهذا ما اعترف به ايضا الجنرال شارون، ولعل هذه الاعترافات تؤكد قيمة حرب الاستنزاف التي كان من ابرز نتائجها، تجاوز المقاتل المصري لحالة الاحباط التي خلقتها النكسة واستغلتها الدعايات الصهيونية والغربية هذه الحرب التي كانت افضل تمهيد وإعداد لحرب اكتوبر المجيدة، والتي آن الآوان لرفع الظلم عنها.