الدكتور مصطفى الفقى اثناء الحوار مع » الأخبار « نجاح الدكتور مرسي في إنهاء الازدواجية في السلطة وإعادة القوات المسلحة إلي دورها الطبيعي.. گان من أهم الأحداث جزء گبير من رحلات الرئيس الخارجية يتم توظيفها لمصلحة الاقتصاد المصري »الإخوان المسلمون« أصبحوا فصيلاً سياسياً وعلينا أن نجرب مشروعهم الإسلامي المفكر السياسي الكبير الدكتور مصطفي الفقي دائماً ما تراه مشغولاً بأفكاره وأفكارنا أيضاً.. وبالتالي لا ينفصل عما نحن فيه أبداً، فيسعي جاهداً للبحث عن المخارج الآمنة، ولعل ذلك يتجلي بكل وضوح فيما يكتبه أو يتحدث عنه أو فيه. هكذا هو دائماً الأستاذ الدكتور مصطفي الفقي المفكر السياسي الكبير وصاحب السنوات الطوال من الخبرة السياسية والأكاديمية، من هنا كان دافعي نحو الالتقاء به كي يحدثنا عما يراه أمامه من أحداث، رغم مشغولياته ومسئولياته الجسام. ولا شك أن ما سوف يقوله من خلال إجاباته علي أسئلتي سوف يوضح ذلك أكثر والتفاصيل القادمة بعد لحظات سوف تبين ذلك أيضاً، فإليكم هذه التفاصيل: دعنا نبدأ هذا الحوار بسؤالك عما يحدث حولنا.. ونقول إن مصر مرت ولاتزال تمر بأحداث كثيرة ومتنوعة ومهمة.. فما تقييمك لهذه الأحداث، وهل هي إيجابية أم سلبية؟ المشهد المصري الراهن يدعو للتأمل لأنه في فترة قصيرة جرت تغييرات كبيرة، يعني تقدر تقول انه وعلي مدار ربما أقل من عامين لو أن أحداً قال لك إن مبارك سوف يختفي هو وأولاده وأن نظامه سوف يزول وأن الإخوان المسلمين سوف يأخذون السلطة وأن الدكتور محمد مرسي سوف يصبح رئيساً للبلاد، لقلت علي الفور إن ذلك يعتبر درباً من العبث، ولكن الحقيقة في هذه المرة كانت أكبر من الخيال.. وبالتالي نستطيع أن نقول إن المشهد في مجمله هو لصالح المستقبل وليس عكس ذلك علي الإطلاق. إنهاء الازدواجية وماذا عن أبرز الأهداف التي استوقفتك داخل هذا المشهد؟ يعني مؤخراً.. تقدر تقول انها قدرة الرئيس مرسي علي إنهاء الازدواجية في السلطة وإعادة القوات المسلحة إلي دورها الطبيعي.. وما حدث كان يمكن أن ندفع له ثمناً غالياً وأن يثير بعد عدة شهور إن لم يكن عدة سنوات، وقد حسم الدكتور مرسي هذا الأمر من حيث لم يكن الجميع يعرف ما سوف يتخذه من قرارات. وأيهما في هذه الأحداث اتسم بالإيجابية؟ وهل نسبة الإيجابية فيها كانت أكثر من السلبية؟ أم ماذا؟ الأحداث التي جرت كلها وفي مجملها لا نستطيع أن نصفها بالإيجابية أو السلبية ولكنها أحداث مثيرة ومهمة، وبالتالي نحن لا نستطيع أن نعفي أنفسنا أبداً من حالة الاهتمام التي وصلت حتي إلي الأطفال خاصة فيما يتعلق بمجريات الأمور، ومن محاسن الصدف أن ما جري في بعض العواصم الأوروبية من جانب المصريين والمصريات هناك قد نقل إلي الوطن في مصر تلك المشاعر من جانب هذه الشعوب وأحاسيسهم، وبالتالي لا أستطيع أن أقول إن المسألة معقدة أو صعبة في مصر، وهذا بطبيعة الحال غير صحيح. لقد ذكرنا من قبل أن أهم الأحداث التي استوقفتك في الفترة الماضية هي قدرة الرئيس مرسي علي فك الازدواجية في السلطة.. نريد معرفة المزيد.. فماذا تقول عن ذلك؟ لقد حدثتك من قبل عن قدرة الرئيس مرسي علي فك الاشتباك في ازدواجية السلطة بين العسكريين ورئيس الجمهورية، وأعتقد أنه نفذها وكأنما أحداً يرتدي قفازاً ناعماً كالحرير وبالتالي نراه قد أنهاها بسلاسة، ربما تفوق حتي علي ما قام به الرئيس السادات من قبل في 51 مايو عام 1791. الرحلات الخارجية وما رأيك في سفريات الرئيس الخارجية، وجدواها وأهميتها؟ إنني أراها مطلوبة، ولكنها في فترة قصيرة كانت سفريات كثيرة إلي حد ما.. ولعلي أطالبه وأنا أعرف أنه سافر إلي تركيا وكان في أمريكا ومن قبل في إيطاليا والصين وإيران والسعودية، وكل ذلك لا بأس منه ولكنه يجب أن يعرف أن الداخل المصري متخم بالمشكلات، وربما يكون جزءاً كبيراً جداً من رحلاته يجري توظيفه لمصلحة الاقتصاد المصري لأن مصر تاريخياً بلد يبيع سياسة ويشتري اقتصاد، ونظراً لدور مصر القيادي ففي أغلب اللقاءات السياسية يتم تلبية مطالب مصر، رغم انها مطالب غير مرئية ولا يتم التركيز عليها في المباحثات.. وأنا هنا أعتبره يدور في فلك فكرة الدور الذي يجب أن نلعبه في المستقبل علي عكس ما يراه الآخرون والذين يقصرون فكرة دور مصر مثلاً علي حرب اليمن، إنني أعتبر أن دورنا لابد أن نكون في حالة اشتباك دائم مع كل القوي السياسية في المنطقة، وعلي سبيل المثال لديك إيران، ومن يقول إن إيران وحدها تنفرد بأن تكون هي المتحدث باسم المنطقة كلها. لماذا؟! إنها تقول إنها تتحدث عن الملف النووي، ونحن في مصر أصحاب مبادرة هذا الملف أيضاً، إنني أقول ذلك لأنني أعتبر أن مصر ليست دولة هامشية، ومحدودة، مصر لابد أن يكون لها قول مؤثر في كل شيء، ويجب أن يكون لها وجود في كل مكان. وماذا عن رؤيتك لمستقبل مصر؟ كان قلقي علي هذا المستقبل كبيراً منذ عدة أشهر ولكنه قل نسبياً الآن، صحيح لم يتقدم وإنما نستطيع أن نقول انه بدت لنا بعض مظاهر التفاؤل. لقد قرأت لك كثيراً من وجهة نظرك في الديمقراطية والدولة المدنية، فما نصيبنا الآن مماكتبت في هذا السياق؟ نحن أصحاب العلوم السياسية، لا يوجد لدينا تعبير دقيق اسمه الدولة المدنية، وإنما يستعاض به عن فكرة علمانية الدولة، أي مبدأ فصل الدين عن السياسة، من هنا تجد مثل هذا اللفظ يتردد كثيراً والخاص بالدولة المدنية، والأصل في الموضوع هو الدولة الديمقراطية العصرية الحديثة، وليس بالضرورة الدولة المدنية التي في بعض الأحيان تقابل أيضاً العسكري وأيضاً الديني، وهذا أعتبره كلاما غير دقيق في نهاية الأمر، وبالتالي فنحن نري أن الخروج علي المألوف في هذا الشأن يمكن أن يخلق لنا أصدقاء جددا ولمصر في هذه الظروف. المشوار طويل وأين نحن الآن من الديمقراطية التي ننشدها؟ إن أمامنا مشوار طويل.. لأن قضية الديمقراطية ليست قضية يوم وليلة، وإن كثيراً من الدول الأوروبية لم تقف بقوة في الديمقراطية إلا ربما بعد عشرين عاماً. وهل بدأنا الطريق نحو هذه الديمقراطية؟ أرجو هذا.. ولعل ذلك يبدو في التجمعات الحزبية التي تتم وتمت بالفعل. وهل يعني قولك »أرجو«.. أننا لم ندخل إلي الطريق الديمقراطي حتي الآن؟ إن الديمقراطية قضية لها خصوصية ولا يمكن التعميم فيها، وقد خدمت في الهند ورأيت 007 مليون ناخب يخرجون علي مدي 3 أشهر كي يعطوا أصواتهم في أكبر ديمقراطية في العالم، إلي حد أن رئيسة الوزراء قد رسبت في دائرتها ثم تعود بأغلبية كاسحة بعدها ربما بعامين أو ثلاثة، وهذا يعني أنها لم تظلم الناس لا هي في منصبها ولا هي في خارج منصبها، وبالتالي فقد كان الاختيار الحر هو الحاكم في هذه المسألة. لقد اقتربت بنا من الانتخابات البرلمانية ولذلك نسألك عن ملاحظتك علي الانتخابات البرلمانية السابقة؟ ليست لي ملاحظات كبيرة وهنا أقول إن موضوع الانتخابات البرلمانية يجب ألا يؤخذ بحذر لسبب بسيط جداً وهو أنه لا يمكن أن يكتمل دون أن يستوعب الذين يؤمنون بما يقال وكذلك أنا لست مع الذين يقولون إن لدينا ديمقراطية راسخة وهادئة وإنما لدينا أسرة مصرية متماسكة ولدينا أشخاص داخل هذه الأسر ومن خريجي الجامعات وموظفين صغار، عندئذ يحدث نوع من الانصهار لم يكن موجوداً من قبل. وما رأيك في الانتخابات البرلمانية القادمة؟ وهل تتوقع حدوث تغيير في الخريطة السياسية عن ذي قبل؟ بالنسبة لتغيير الخريطة السياسية فلن يحدث بهذه السهولة، فربما يحقق الإخوان في الانتخابات القادمة أغلبية أقل بنسبة بسيطة عما حصلوا عليه في الانتخابات السابقة. وهل لديك نصائح يمكن أن توجهها للتيار الإسلامي حتي يحافظ علي مكاسبه مثلما حدث في الانتخابات البرلمانية السابقة؟ هناك الكثير الذي يمكن أن يقال بخصوص هذا السؤال لأن الجديد يولد دائماً من رحم القديم ونظرية تواصل الأجيال من النظريات التي أؤمن بها تمام الإيمان، لأن كل جيل يجني من الجيل الذي سبقه.. وبالتالي فليس علي أن أملي شروطي علي الآخرين.. أضف إلي ذلك أنني أقول للتيار الإسلامي حتي يحافظ علي هذه المكاسب والتي فاز بها ألا يتصور أنه الفصيل الوطني الوحيد علي المسرح وأن يسمح للكفاءات والقدرات التي تقف علي أرضية وطنية بالمشاركة في بناء الدولة الحديثة مهما كانت الاختلافات في الرأي مادام الهدف واحد، وهو بناء دولة عصرية حديثة، إلي جانب أن عمليات الإقصاء والاستبعاد وما يطلق عليه البعض تعبير أنا لا أحبه ولا أرضي عنه وهو أخونة الدولة، وإنما يجب أن تكون هناك مؤسسات بعينها وهي مؤسسات وطنية بطبيعتها، وبالتالي لا يجب أن تمسها جماعة ما أو تحاول تغيير شخصيتها، مثل القوات المسلحة والشرطة والقضاء.. والسلك الدبلوماسي أيضاً، وبالتالي فلا يجب عليها أن تعبث بهذه المؤسسات، وإنما من حقها أن تعين محافظا هنا أو هناك فهذه ليست مشكلة، وإنما لا يجب عليها أن تترك لي آثاراً تغير من شخصية الدولة المصرية، خصوصاً أنني قد اكتشفت أن الإخوان المسلمين ليس لديهم كوادر كافية في كل الميادين، صحيح هي جماعة لها عمر طويل في النضال السياسي ربما إلي 48 عاماً ولكن لابد أن نعرف أن تربية الكوادر السياسية ورجال الدولة إنما هي قضية أخري، كذلك التواجد في الحياة السياسية شيء وممارسة الحكم شيء آخر، لذلك تراهم وبعد 48 عاماً من ممارسة نمط معين قد عاشوا فيه يبدأون نمطاً جديداً وهو ممارسة الحكم وأن يكون لهم القرار وعليهم كذلك أن ينتبهوا إلي أنهم محاصرون الآن وعليهم أن يدركوا ذلك بين مطالب أمريكية لن يقبلوها وبين شارع أعطاهم الثقة، فإذا أرادوا أن يستجيبوا للمطالب الأمريكية فسوف يفقدون الشارع وإذا ما أرادوا الاستجابة لنداء الشارع فسوف يفقدون المساندة الأمريكية، وهذه هي المعضلة الكبيرة والأزمة الحقيقية لمعادلة حكم الإخوان الآن. إنهم فصيل وطني وفي تصورك كمفكر لمن سوف ينحاز الإخوان.. إلي أمريكا أم الشارع المصري؟ وماذا تتوقع من التيار الإسلامي تجاه هذه المعادلة الصعبة؟ في الغالب ان التيار الإسلامي سوف يميل لمطالب الشارع المصري لسبب بسيط وهو أنه إذا خرج عن النسق الذي ارتبطت به مبادئه لا يصبح هو الإخوان المسلمين الذين حازوا علي هذه الشعبية، وربما سوف يصبح هذا التيار شيئاً آخر وبالتالي لن يرضي عن نفسه لذلك أنا أري أنه قد بدأت أزمة صامتة حالياً بين حكم الجماعة ونظامهم السياسي في مصر وبين السياسة الخارجية الأمريكية وقد لا تظهر كثيراً في عام الانتخابات ولكن لو حدث وجاء رومني رئيساً لأمريكا فسوف تظهر بشكل واضح وكبير، وإنما في حالة استمرار أوباما يمكن ترقيع هذه المسألة وخصوصاً أن أوباما الآن في محل نقد شديد لأنه ضحي بكنز كان يعتبر استراتيجياً بالنسبة لأمريكا وإسرائيل ليأتي بدلاً منه نظام وطني في النهاية ومهما قلت فيه.. فإنهم يقولون له إنك قد استبدلت نظاما كان حليفاً لنا بنظام ديني، ثم سألوه: وهل يمكن أن تقتحم سفارتنا في القاهرة وينزل علمنا ويرفع علم آخر في ظل عصر الرئيس السابق؟! إن هذا هو السؤال المطروح الآن في أمريكا من جانب الجمهوريين في مواجهة الديمقراطية. مصالحة وطنية وكيف لنا يمكن أن نخرج من هذه المعادلة سالمين كشعب وليس كأفراد؟ إنني أدعو إلي مصالحة وطنية شاملة إلا ما يحكم به القضاء، يعني لا تأتي لتقول لي »أ« فلول و»ب« ثورة و»ج« إخوان، وهذا ناصري وآخر تجمع.. لأ.. لأ.. ما لم يكن هناك حكم قضائي يجرم شخصا فحقوقه السياسية مكفولة ويجب أن نتعامل معه ولدينا تجربة المصالحة السياسية التي نجح فيها مانديلا في جنوب افريقيا.. والتجربة هنا مع الفارق هي صعبة، وإنما يمكن الاقتباس من روح هذه التجرية، وهي فكرة تقوم علي أن الشعوب تعيش علي مبدأين هما: كيف تنسي؟ وكيف تعفو؟.. إذن لا يمكن الأمور أن تستمر علي ما نحن عليه الآن، وهناك أيضاً قضايا لا يجب التسامح فيها منها، علي سبيل المثال، قضية قتل الثوار، فلا مصالحة بشأنها وإنما قضايا التربح بالذات يمكن أن يكون فيها مصالحة، والهدف هو صالح الشعب، ودعني أضرب لك مثالاً علي ذلك: إننا لو ذهبنا إلي إخواننا في سجن طرة وتم تسعيرهم.. الرئيس السابق بعشرة مليارات، وابنه 5 وهكذا.. إذا كنا سوف نحصل ربما علي عشرين مليار جنيه أو أكثر وكنا سوف نوجهها لحل مشكلة العشوائيات والتعليم.. وهذا في تصوري أفضل من سجنه عامين أو ثلاثة وفي النهاية سوف يخرج. هل تقصد بتحقيق هذه المصالحة الوطنية أن تكون بمثابة حائط صد قوي ضد أي ممارسات أو ضغوط خارجية ضد مصر؟ نعم.. نعم.. نعم.. نعم، خصوصاً أننا الآن مستهدفون أكثر من أي وقت مضي، وعليك ألا تصدق بأن العالم قد فرح بثورتنا، صحيح لقد انبهر بها في مرحلة ما ولكن كل واحد له مصالحه وله أجندته، يعني من الواضح أنه يُعد لنا الآن مستنقعاً كبيراً في سيناء، هذا المستنقع يمكن أن يستنفد إمكانيات الجيش المصري لسنوات قادمة. أصحاب المصالح ومن هي الجهات التي تشارك في إعداد هذا المستنقع؟ الحركات الجهادية والجماعات الدينية المتطرفة وتنظيم القاعدة وبعض أصحاب المصالح من الفلسطينيين والاسرائيليين والمصريين، لأن سيناء هي مطمع وهم يستكثرونها علي مصر.. خصوصاً أن مصر لم تقم حتي الآن بتعميرها بسبب لا يعلمه أحد، وبالتالي يجب أن تكون في حالة يقظة تامة لأن ما يحدث في هذه المرحلة ليس بالبساطة التي نتصورها، ولأن ظاهرها هادئ وجوهرها عاصف. دعنا ننتقل بك لحديث آخر عن الدستور ونسألك: هل أنت مع الذين يرددون بأن هناك دستوراً أعدته التيارات الإسلامية مسبقاً؟ لا يوجد بالفعل دستور معد مسبقاً ولكن هناك أغلبية عددية ذات اتجاه معين تريد أن تغير من ملامح هذا الدستور علي نحو قد يعصف بالهوية المصرية، إنني أقول في هذا السياق: عليك أن تحكم ما شئت لأن تداول السلطة حق، والإخوان المسلمين لهم مثل أي فصيل سياسي آخر الحق في أن يقودوا البلاد مثلما قادته من قبل جماعات ناصرية واشتراكية وجماعات قومية، ومن حقنا نحن أيضاً أن نجرب المشروع الإسلامي شريطة ألا يؤدي ذلك إلي تغيير الشخصية المصرية والعبث بالهوية الوطنية، وهنا أقول حذار.. حذار. وما الضمان نحو تحقيق ذلك؟ الضمان هو أننا نراهن علي وطنية الإخوان المسلمين لأنهم ومهما كانوا هم فصيل إسلامي ولكنهم فصيل يقف علي أرضية وطنية. وكيف يمكن لنا أن نوصل للناس في الشارع أن هذا الفصيل الإسلامي.. يتسم بالوطنية؟ لن يتأتي ذلك إلا بتغيير الثقافة، وأقصد هنا ثقافة الاعتراف بالآخر، لأن ثقافة الاستبعاد من كل جانب والإقصاء، هي ثقافة تسببت في إضاعة الكثير من الفرص داخل هذا الوطن، إن الثقافة الحقيقية التي يمكن أن تربط بمستقبل مصر إن شاء الله هي ثقافة قبول الآخر، مثل ثقافة قبول المسلم للمسيحي، وقبول الغني للفقير وقبول المرأة للرجل وهكذا إذا ما تم ذلك وبشكل ميسور يسمح لكل القوي بأن تمثل وأن تتواجد فلا خوف علينا. وهل الوصول إلي هذه الثقافة مرتبط بالأسرة والتعليم؟ طبعاً ومفيش كلام. أين وسائل الإعلام ودورها في هذه المهمة؟ إن دور وسائل الإعلام في هذه المهمة أعتبره دوراً أساسياً لأن بسطاء الناس في بلد الأمية ونسبتها فيه أكثر من 05٪.. تري أن الصورة المرئية هي التي تتحكم فيه وفي سلوكياته. أنا والدستور حين نعود لحديث الدستور ونسألك: ما المدة التي تتوقع أن يتم فيها إنجاز الدستور الجديد؟ إنني أريد أن يصدر قبل الانتخابات البرلمانية القادمة.. إنني أريد في هذا السياق أن يكون لدينا مشروع متكامل لهذا الدستور ويتم الاستفتاء عليه ربما في شهر نوفمبر مثلاً. وهل تشك في إمكانية تحقيق ذلك؟ يمكن أن يتم إذا ما تم فهم أهمية ذلك.. لأنني أراهم يقفون أمام المادة الواحدة أحياناً ربما شهر، وبالتالي واضح أن هناك مشاكل، وثانياً انه لا توجد شفافية كافية لأعمال اللجنة، رغم ان بعض جلساتها تعرض علي إحدي قنوات التليفزيون، وهذا لا يكفي، لأن المطلوب هو توسيع المشاركة نفسها. غياب المفكرين وهل تري أن غياب المفكرين والمبدعين قد ترك أثراً في مناقشات وإعداد الدستور داخل الجمعية التأسيسية؟ بالتأكيد، وإلا فكيف تتجه لإقامة دستور للأمة وأنت تستبعد عقل الأمة. وهل هذا الاستبعاد تم بفعل فاعل أم تم مصادفة؟ هؤلاء تم استبعادهم طبعاً بفعل فاعل، وليست مصادفة، ذلك لأن هؤلاء المفكرين سوف يكونون شخصيات عصية، وبالتالي لا تستطيع أن تسوقها أو تفرض عليها رأيا بعينه. ما رأيك في شكل مصر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بعد عشر سنوات؟ لقد نشرت مقالاً عن هذا الموضوع وقد لقي اهتماماً كبيراً وكان عنوانه: »مصر عام 0202« وتصورت فيه هذا المستقبل وماذا ستكون عليه مصر. وما أهم الملامح التي أشرت إليها بخصوص هذا المستقبل؟ إن الملامح الأساسية التي يجب أن يسلكها المصريون من أجل المستقبل هي أن يتوقفوا عن المهاترات واللجاجة والسمو علي الأخطاء، لأن لدينا مجتمع متنوع الثقافات فلدينا المؤمن والمسلم والمسيحي والمسلم، وبالتالي علينا احترام هذا التنوع، وما أريد أن أقوله لك في هذا السياق إن مصر المستقبل سوف تكون أفضل من ماضيها لأنه تم ضرب الفساد، والاستبداد إلي حد كبير سوف يتقلص، والقبضة الأمنية سوف تخضع للقانون، وبالتالي فلن يتم دهس المواطن المصري علي أنه شيء لا قيمة له، وفق ما كان يتم قبل الثورة خاصة في أقسام الشرطة، وأنت تعرف أن الإنسان المصري قد عاني كثيراً وقد جاء الوقت لكي يُنصف، هذا الإنصاف لن يتم إلا من خلال قاطرة تشد المجتمع كله إلي الأمام، وهذه القاطرة هي الأحزاب التي تؤمن بالدولة الديمقراطية والوسطية الصحيحة وتخدم الإسلام كمظلة دنيوية لكل أصحاب الديانات الأخري. غياب فاعلية الأحزاب معني ذلك أنك لا تجد هناك نوعاً من الفاعلية لدور الأحزاب في الشارع، فما صحة ذلك؟ أنا لا أعول كثيراً علي هذه الأحزاب ولو سألتك حتي عن أسمائها ربما لا تتذكر إلا اسم حزبين أو ثلاثة فقط. وكيف يمكن لنا أن نضمن تحقيق هذه الفاعلية المطلوبة من جانب الأحزاب؟ أن يتم تحويلها إلي مدارس لتربية الكوادر، يعني علي سبيل المثال.. وكما قلت لك من قبل إنني خدمت في الهند وهي دولة برلمانية، وكنت شغوفاً إلي حد كبير بتطبيق النظام البرلماني هناك عندنا في مصر ولكن عندما جئت وعرفت الحقيقة تيقنت بأنه لا فائدة. ضغوط الصندوق دعنا نختتم هذا الحوار بسؤالك عما يحدث الآن من جانب صندوق النقد الدولي وما يقال بشأن ممارسته ضغوطاً علينا قبل موافقته علي القرض.. فهل هذا مقصود؟ إنه ليس مقصوداً بطبيعة الحال لأن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يقومان بمفاوضات شاقة مع كل دول العالم وبالتالي ليست معنا وحدنا علي اعتبار أن سعر فائدة الإقراض منخفضة وهو قرض دولي وليس فيه شبهة سياسة، وبالتالي علينا أن نصبر مادمنا قد ارتضينا اللجوء إلي ذلك.. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما الأسباب التي جعلتنا نعطل هذا الأمر لأكثر من عام؟! وأنت تعرف أن هذا القرض تم رفضه من جانبنا من قبل ثم قبلناه الآن وكثير من سياسيي جماعة الإخوان المسلمين كانوا ضد هذه الخطوة أو هذا القرض ثم أصبحوا معه الآن، وما كان يسمي لديهم »ربا«، أسموه الآن بمصاريف إدارية. وهل في تصورك أن حصولنا علي هذا القرض يمكن أن يحل بعض المشاكل أم ماذا؟ إن هذا القرض مطلوب لدينا بالفعل من أجل تعديل ميزان المدفوعات وتغطية جزء من عجز الميزانية، كما سوف يسمح لنا باجتذاب استثمارات جديدة، والمحافظة أيضاً علي البنية التحتية التي تهالكت من جراء توقف العمل لمدة عامين ومن آثار الثورة.. وأما بخصوص ما سألت عنه بشأن وجود ضغوط من عدمه، فإن الصندوق يفرض عليك كلاماً أصم، وعندما تأتي إلي تطبيقه تجده يحمل الطبقات الدنيا ما يستمتع به أصحاب الطبقات الأعلي، وهذا لايبدو غريباً بالنسبة لهم لأن النظام الرأسمالي الشرس يسمح بذلك.