ليس خافيا علي أحد سواء في أجهزة السياحة أو الطيران ان للحج مواعيد محددة معروفة سلفاً وقبل شهور إن لم يكن قبل سنوات حيث ان أيام السنة لا تتغير إلا بمقدار ندركه جميعا.. اذن ومن هذا المنطلق فإنه من المفروض ان يكون هناك تقدير وتحديد لتكلفة الحج بكل الدرجات قبل شهور وفي مواعيد مناسبة إذا ما وضعنا في الحسبان ما قد يطرأ علي هذه التكلفة من تغييرات تتعلق بالاقامة والنقل. وليس جديدا القول ان الحجاج خاصة محدودي الدخل، هم الذين يحسبونها بالقرش علي مدي سنوات وسنوات حتي يتيح لهم المولي عز وجل فرصة توفير هذه التكلفة التي شهدت طفرات في السنوات الأخيرة لا تتناسب ابدا وأي زيادة في دخولهم. من ناحية أخري فلا جدال ان القائمين علي تنظيم رحلات الحج بما في ذلك التنقل والاقامة يجدون انفسهم في مواقف لا يحسدون عليها نظرا لاحتكاكهم في تعاملاتهم بالحجاج واستشعارهم مدي الصعوبات المالية التي تواجه كثيرين منهم في تدبير المتطلبات المالية.
من هنا وتقديرا لكل هذه الظروف فإنه من الضروري ان يكون هناك اجتهاد وجهود من أجل أن تكون قيمة المصاريف معروفة ومعلنة قبل مواعيد الحج بوقت كاف وقبل القبول بالطلبات سواء من خلال الدولة لحج القرعة أو بالنسبة لحجاج السياحة والجمعيات والافراد. لتحقيق هذه الغاية ولضمان الراحة النفسية لحجاج بيت الله باعتبار ان ذلك يعد ثوابا يدخل ضمن التسهيلات المطلوبة فإنه لابد من أن يكون هناك اعلان للتكلفة الاجمالية علي أن يراعي الجميع الله في تقديرها دون مغالاة أو تجاوز مساهمة في اداء هذه الفريضة وارضاء للضمير. وفي هذا المجال فإن احدا لا يطلب من القائمين علي الحج ألا يكسبوا أو أن يخسروا ولكن كل ما هو مطلوب هو البعد تماما عن استغلال الظروف وتحميل الحجاج فوق طاقتهم من الاعباء المالية.
أعتقد ان كل ما جاء في هذه المقدمة مفهوم ولا يحتاج الي مزيد من الشرح علي ضوء الأزمة الناشبة حاليا نتيحة الاضافة الكبيرة في اسعار تذاكر السفر والتي تقررت بعد ان تحددت تكلفة كل درجات الحج وقام الحجاج بدفعها. نتيجة لذلك كان من الطبيعي ان تشهد عملية الحج حالة من الارتباك والصدامات بين المنظمين والحجاج الذين فوجئوا بمطالبتهم بدفع ما بين الف جنيه و0051 جنيه أو أكثر فروقا لتغطية هذه الزيادة في ثمن تذكرة الطائرة. حدث ذلك في وقت توقفت فيه رحلات الحج بالبواخر وتقلصت في نفس الوقت اعداد حجاج البر الذين يسافرون بالاتوبيسات. واذا اضفنا الي ذلك ما يدفعه الحجاج في تكلفه للحصول علي التأشيرة سواء بحق أو بغير حق فإنه يمكن القول ان اداء هذه الفريضة أصبح نهبا لاستغلال بعض سماسرة السياحة وكذلك الطيران وادارات الفنادق وأماكن الاقامة بالاضافة إلي المطوفين علاوة علي ارتفاع الأسعار المعيشية بصورة غير طبيعية.
أمام هذه المشكلة لم يكن أمام وزارات الداخلية والسياحة والتضامن سوي الاذن برفع قيمة الرسوم المطلوبة بأثر رجعي وهو ما ادي إلي جدل وخلافات مع الحجاج الذين فوجئوا بقيمة الزيادة المطلوبة. ولم يكن أمام المنظمين إلا أن يدفع الحجاج وهو أمر محتم يرتبط بسفرهم أو عدم سفرهم خاصة وأن هذه الجهات ليست علي استعداد لتغطية هذه الفروق. ان تحملهم ذلك معناه الانتقاص من الربح والايراد وهو أمر لن يقبلوه خاصة ان الكثير منهم يعملون من الموسم للموسم ويرتبون نشاطهم وحياتهم طوال العام علي هذا الدخل وارباحه القليلة أو الكثيرة. لقد كان من الممكن تجنب كل هذه المشاكل لو أن شركات الطيران واعني مصر للطيران والسعودية قد بكرّت في حساب التكلفة بالتمام والكمال واخطرت بها المنظمين لرحلات الحج قبل بدء اجراءات قبول الطلبات والاعلان عن الاسعار. لا أعتقد وجود أي مشكلة للالتزام بمثل هذه الخطوة خاصة من جانب أجهزة الطيران التي لديها امكانات حساب كل شيء بدقة بما لا يؤدي لما يحدث حاليا.
كنت أرجو من شركتي الطيران الرسميتين المصرية والسعودية وكذلك شركات الطيران الخاصة التي يسمح لها بنقل الحجاج ان يلتزموا بعدم المساهمة في اختلاق مثل هذه الازمات وان يكونوا علي قدر المسئولية بنفس المنوال الذي سار عليه المجلس الأعلي للاثار في تحديد أسعار دخول المناطق الاثرية للسياحة. انهم وبالاتفاق مع وزارة السياحة توافقوا علي ان يتم الاعلان عن هذه الاسعار قبل الموسم السياحي بعدة شهور بما يسمح للشركات السياحية باضافة هذه الزيادة علي تكلفة الرحلة وبين البائع والشاري يفتح الله كما يقولون. لا جدال ان العدالة تقتضي ان اقول ان شركات الطيران اخطأت في عدم مراعاة الحفاظ علي علاقتها بالشركات المنظمة لرحلات الحج. ان هذه المفاجأة غير السارة التي تجسدت في زيادة أسعار التذاكر موجهة بشكل أساسي إلي حجاج بيت الله. بالطبع . طبعا كلنا نقدر ان النقل الجوي يضع في اعتباره أن طائراته تتوجه الي الأراضي المقدسة بالحمولة كاملة ثم العودة فارغة بدون ركاب ونفس الشيء يحدث عند رحلات العودة حيث تذهب فارغة لتعود بالحجاج.. ان ما نطالب به هو مراعاة التكلفة الاقتصادية دون مغالاة أو تجاوز. كل ما أرجوه أن يضع الجميع في اعتبارهم حساب الله لهم فيما يتعلق بتسهيل سفر الراغبين في هذه الرحلة الروحية دون أية معوقات.