مصطفى عبدالله عبده مباشر من الكتاب الصحفيين الذين تتسق مواقفهم الوطنية مع كتاباتهم، ولعل هذا ما أكسبه المصداقية التي عرف بها في بلاط صاحبة الجلالة. عرفته قبل نحو ربع قرن، عندما كان مرشحاً في انتخابات مجلس نقابة الصحفيين، وذات يوم فوجئت به يقترب مني هامساً في أذني: »هل لديك من الوقت ما تمنحه لي؟«، فما كان مني سوي أن أجبته بسرعة: »آسف، فعملي يستغرق مني كل الوقت«. كنت أتصور أنه يود أن أدعمه في حملته الانتخابية، وكنت صريحاً في ردي، فأنا لا أجد في نفسي مثل هذه المهارة. وربما التقط هو بفطنته ما ظننته، فبادرني قائلاً: »لقد رشحتك لمهمة صحفية في المجال الثقافي«، فما كان مني إلا أن وافقت شاكراً، لتبدأ منذ تلك اللحظة علاقة حميمة، تثبت أصالة معدن هذا الرجل، الذي لم يقبل أن يكتب عن بطولات المقاتل المصري في معارك الاستنزاف من داخل غرفة مكتبه المكيفة، بل أصر علي أن يلتحق بالقوات في أثناء العمليات العسكرية، معرضاً حياته للخطر في سبيل خروج كلمته إلي قارئه معبرة بصدق عن هول المعارك. من هنا كان سر فرحتي عندما فتحت، اليوم، مظروفاً ضم أحدث ما نشرته دار المعارف للأستاذ عبده مباشر »إيران.. تاريخ من أحلام العظمة«، الذي أعتبره سفراً مهماً يتناول تاريخ الدولة الإيرانية، وعلاقاتها بجيرانها وسياساتها الخارجية ومخططاتها، فضلاً عن كونه مرجعاً شاملاً عن إيران بدءاً من الحلم الفارسي وحتي إيران النووية.. ومن خلال هذا الكتاب يمكن للقارئ أن يجد إجابات عن الأسئلة الشاغلة للأذهان في وقتنا الراهن، بدءاً من الإمامة والولاية وحقيقة المذهب الشيعي وهل يشكل خطراً سياسياً فعلياً علي أهل السنة، أم أنه خطر مصطنع يدخل في مخططات القوي الغربية بهدف حصار إيران وإعاقة تقدمها النووي وصولاً إلي اختراقها للدورين الأمريكي والروسي؟ ويستهل عبده مباشر كتابه بمقدمة تمهد لموضوع كتابه وفيها يقول: كانت إيران وستظل إحدي القوي المؤثرة في محيطها الإقليمي، ولاعبًا له دور علي المسرح الدولي، ودائمًا ما دار الصراع والتنافس علي المستويين الدولي والإقليمي، حول حجم تأثيرها ومساحته، وطبيعة هذا الدور، وبصورة أخري كان الصراع يدور حول النفوذ والتوازن الإقليمي، وامتداداته خارج نطاق الإقليم، وكان الموقع والتاريخ حاضرين دائماً، وإذا كانت العوامل الجغرافية قد لعبت دوراً في تاريخ إيران السياسي، فإن التاريخ لم يكن غائباً. ويري عبده مباشر أن الذاكرة التاريخية لإيران لا يمكن أن تنسي الإمبراطورية الفارسية التي كانت قوة عظمي في عصرها، ولم يكن ينافسها إلا الامبراطورية الرومانية. ويشير إلي أن هذه الإمبراطورية عندما بدأت تتمدد، تطلعت إلي مصر، ونتيجة لذلك عاشت المحروسة تحت الاحتلال الفارسي لبعض الوقت، حتي آن لعجلة التاريخ الفارسي أن تتوقف علي أيدي الفاتحين المسلمين في بداية عصر الخلفاء الراشدين، لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ فارس، فمن جانب، أصبحت نقطة انطلاق للتوسع الإسلامي شرقاً، ومن جانب آخر بدأت قوي فارسية في العمل للنيل من الفاتحين.. وبعد قرون عملت قوي أوروبية علي ميلاد دولة إيران الصفوية، التي تحولت فيما بعد إلي إمبراطورية بفضل جهود إسماعيل الصفوي التي اتسمت بالقسوة والبطش، وأدت إلي إرغام الإيرانيين علي تغيير مذهبهم ليصبحوا من أتباع المذهب الشيعي الإثني عشري.. وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران، اختار قادتها الاصطدام بالقوي العالمية والاقليمية، ليخوضوا في بحار الدم علي امتداد سنوات حربهم مع العراق، وقبل أن تجف الدماء يكررون تجربة الشاه، ولا يتوقفون عن تحدي القوي العالمية، لتلوح في الأفق نذر حرب جديدة.