أزمة في المياه- رضينا أم أبينا- لابد أن نتوقعها.. وهي أزمة لن تكون مثل باقي الأزمات بل هي بالفعل من أصعب الأزمات التي يواجهها العالم خاصة بالنسبة للدول التي تقع تحت خط الفقر المائي ونحن لدينا نهر النيل شريان الحياة في مصر فهل نحافظ علي كل قطرة من مياهه.. إنها مسئولية قومية تضامنية يتحملها الجميع ويجب أن تتولي إدارتها لجنة عليا للمياه كما يري العلماء والمختصون فبما أن الأزمة قد ظهرت مؤشراتها وتم رصدها وتوقعها فلابد من التخطيط للمواجهة بحلول وبدائل وسيناريوهات تساعدنا علي تجنب وقوع الأزمة أو تلافي تكرارها وهي بالفعل موجودة من خلال أبحاث علمية تطبيقية أجراها العلماء منها علي سبيل المثال استخدام تكنولوجيا تحلية المياه المالحة وإعادة تدوير المياه لاستخدامها في الزراعة واستخدام المياه العكرة »الرمادية« في ري الحدائق ومدها لسيفونات الحمامات واستخدام الأدوات المرشدة للمياه لتقليل الفاقد منها وثقافة تعكس بوعي شديد أهمية وخطورة تلك الأزمة في هذا التحقيق نناقش مع العلماء والمختصين آرائهم حول مواجهة أزمة المياه. تقول أ. د سهير أبوالعلا أستاذ تكنولوجيا معالجة المخلفات السائلة والدراسات البيئية بالمركز القومي للبحوث إن ظهور مشاكل مع بعض دول حوض النيل والكلام عن حصة مصر من مياه النيل يعد مؤشرا قويا لاحتمالات وقوع أزمة في المياه فحصة مصر وفقا لمعاهدة حوض نهر النيل كانت ومازالت 5.55 مليار متر مكعب في السنة لم تتغير النسبة منذ سنوات ولكن حدث تغير لدينا فالزيادة السكانية استتبعها زيادة في مياه الشرب والصرف الصحي والأنشطة المختلفة سواء كانت صناعية أو زراعية أو تعمير واسراف في استهلاك المياه الحلوة في المنتجعات والمناطق السياحية ولذلك كان يجب ألا تكون نظرتنا في التعامل مع دول حوض النيل قصيرة النظر خاصة ان الدول الأخري ومنها اسرائيل لديها استثمارات هناك تهدف إلي الحصول علي المياه إذن اللعبة سياسية- اقتصادية وحياتية علي حد قولها. مسئولية قومية إن الحفاظ علي كل قطرة من مياه النيل هي مسئولية قومية تتطلب وجود لجنة عليا لإدارة المياه فنهر النيل كما تقول د. سهير يمد مصر بأكثر من 09٪ من مصادر المياه للاستخدامات المختلفة أما الباقي فهو عبارة عن مياه جوفية ومياه الآبار لا تكفي فأمطارنا قليلة كما أن بعض الآبار بها حديد ومنجنيز لابد من معالجته تكنولوجيا جار حاليا بالمركز القومي للبحوث تجارب بيولوجية لإزالتها. وتضيف د. سهير أن مصر من أكثر الدول الغنية بمصادر مياه مالحة مثل قناة السويس والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط ونستطيع اعذاب تلك المياه لتكنولوجيا معروفة وهي »تحلية المياه« وتؤكد بشدة علي ضرورة استخدام تلك التكنولوجيا رغم انها مكلفة بعض الشيء عند استخدامها للطاقة الكهربائية لكن لو تم استبدالها بالطاقة الشمسية تستطيع مصر ان تخدم البلدان المجاورة. وتتعجب لتأخر مصر بشمسها الرائعة في استخدام الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة النظيفة والمتجددة خاصة ان لدينا مشكلة طاقة. الحلول العلمية والأبحاث والدراسات موجودة بالفعل لدي العلماء ولكنها للأسف في الأدراج فالدكتورة ماجدة متياس لديها تجارب ناجحة في استخدام الطاقة الشمسية لتحلية المياه المالحة بل أن موضوع رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها كانت عن تحلية المياه المالحة بمقطرات شمسية وهي وحدات التحلية واستخرجت منها بالفعل مياه عزبة صالحة للشرب ولجميع الأغراض وقامت بتطوير الوحدات كي يزداد السعة الداخلية للوحدة دون التوسع في الحيز المكاني وهي تصلح لعمل محطة تحلية كاملة مكونة من تلك الوحدات تقول د. ماجدة ان المقطرات الشمسية هي أحواض يوضع بها المياه المالحة من خلال مواسير تأتي من البحر ويتم تعريضها للشمس التي تتميز بأنها موجودة طوال العام كما أن لدينا مسطحات شاسعة غير مستغلة للأسف ويمكن إنشاء محطات تحلية فيها وتكمل، وبعد تعرض المياه للشمس تتكثف المياه علي أسطح مائلة من الزجاج ويتم تجميع المياه عن طريق قناة أمامية وأخري خلفية ثم تصب المياه في أوعية أو جراكن. مياه عذبة محلاة تقول د. ماجدة متياس إن المقطرات الشمسية تنتج مياه عذبة صالحة للشرب وجميع الاستخدامات الأخري وعندما تم تحليلها تبين انها خالية من أي شوائب كما تم تطوير الأحواض الداخلية للوحدات واستبدال الصاج المجلفن بأحواض ستانلستيل حتي لا تتآكل بفعل الملح المترسب كما تم استبدال الحوض الداخلي بحوض »معرج« لزيادة سعته المائية وتقول بالفعل نجحنا في الحصول علي أكثر من 6 لترات للمتر المربع، وتؤكد د. ماجدة علي أن فرصة اقامة محطات تحلية في مصر كبيرة جدا لكنها تحتاج لتعاون البحث العلمي مع وزارة الصناعة. وهناك طرق حديثة نسبيا شاهدتها د. سهير أبوالعلا عند زيارتها لألمانيا للاستخدام الأمثل للمياه حيث يتم هناك فصل المياه الرمادية الناتجة من استخدام الحمامات »الاستحمام« أو غسيل الأطباق والتي يكون فيها تركيزات العضوية والملوثات ليست كثيرة وتلك المياه يتم معالجتها من خلال وحدة معالجة بسيطة توضع في منور العمارة ويتم إعادة استخدام تلك المياه من خلال مواسير متصلة بسيفونات الحمام، كما يتم استخدامها في ري الحدائق والاشجار حتي المياه »السوداء« وهي الأكثر تلوثا وبها تركيزات عضوية أكثر أيضا يتم معالجتها وتستخدم كسماد عضوي وتقترح د. سهير أن يقوم القطاع الخاص بالتعاون مع الدولة بتنفيذ هذه المشاريع فالدولة ممكن ان تمدهم بالنواحي الفنية اللازمة وتؤكد د. سهير علي أن الزراعة بمياه خام غير معالج مرفوض تماما حتي المعالجة الابتدائية تكون للاشجار الخشبية فقط أما المعالجة البيولوجية »الثانوية« فلابد من تعقيمها بالكلور لقتل الميكروبات ومن الممكن استخدامها في زراعة النجيلة في الحدائق.. تقول د. سهير إذا كان استخدام المياه العكرة في رش الحدائق قد تم بالفعل في الساحل الشمالي إلا ان عملية فصل المياه الرمادية لم يتم تنفيذها حتي الآن في مصر وتقترح أن تقام ورشة عمل أو مؤتمر مصغر يحضره مسئولون عن المياه والصرف الصحي ووزارة الاسكان والشركة القابضة والجهات البحثية ويتم تجربتها علي نطاق مصغر قبل تعميمها لبيان مدي نجاح عملية التطبيق. ثلاثة شركاء إذا كان ترشيد استهلاك المياه يلعب دورا كبيرا في تقليل نسبة الفاقد من المياه الذي وصله إلي نسبة كبيرة قد تصل إلي 03٪ إلا أن د. عماد الدين عدلي رئيس المكتب العربي للشباب والبيئة يري أن سيناريو الترشيد لمواجهة أزمة المياه هي رؤية تنموية يشترك فيها ثلاثة شركاء هم الحكومة والشركة القابضة والمواطنين ويري ان عداد المياه يلعب فيها الدور الأكبر فهو النقطة المركزية الاساسية للحفاظ علي المياه والذي علي أساسه يتم عمل شرائح يتم منها محاسبة المواطن ويعرف من خلالها نتيجة حفاظه علي المياه من الفاتورة التي يدفعها أما ما يحدث حاليا من تقدير جزافي والاعتماد علي عداد واحد يتساوي فيها المرشد للمياه مع غير المرشد ويؤكد علي أن من مصلحة الحكومة والشركة القابضة المسئولة عن المياه التأكد بنفسها من الحنفيات سليمة حتي يتوقف نزيف المياه المهدرة الأمر الذي يتطلب فريقا من السباكين المدربين للرقابة والإشراف علي ذلك كذلك مطلوب ثقافة مجتمعية لترشيد المياه فكل أسرة لابد أن تدرك أن المحافظة علي مواردنا بتقليل الاستهلاك والامتناع عن السلوكيات الخاطئة مثل رش الشوارع بالماء أو غسيل العربات بخراطيم المياه كل هذا سوف يرفع من قيمة الفاتورة المدفوعة كل شهر ويستشعر في نفس الوقت أن زيادة السكان تقلل من حصتها في المياه كما أن مبادئ الدين تحض علي عدم الإسراف في المياه حتي لو كان الإنسان علي نهر جار. كما يري د. عماد الدين عدلي أن أزمة المياه ليست في مياه الشرب فقط فهي لا تزيد عن 5٪ من الاستهلاك أما الباقي حوالي 58٪ للزراعة والباقي للصناعة والسياحة لذلك الترشيد يكون باستخدام طرق للري مثل التنقيط بدلا من الغمر فلو تم توفير 01٪ في مجال الزراعة فهذا يمثل رقما كبيرا جدا.