يعتبر مهرجان بابل الدولي واحداً من أبرز المهرجانات الفنية المماثلة في الشرق الاوسط. وكانت بداياته في عام 1985 خلال الحرب العراقية الايرانية وشارك فيه فنانون عرب واجانب. الا انه كان ومايزال يشكو من غياب العامل الدعائي أو الاعلامي بسبب ندرة الصحفيين العرب والاجانب الذين توجه لهم الدعوات لحضور المهرجان. ورافق سوء الحظ هذا المهرجان بدءاً من الحرب العراقية الايرانية الي حرب الكويت ثم الحصار الاقتصادي فالحرب الاميركية في عام 2003 ثم أعمال العنف الواسعة في ظل الاحتلال. الا ان حظه كان أسوأ مما تصور البعض. فالدورة الأخيرة للمهرجان في اوائل الشهر الحالي شهدت "فرماناً" من مجلس محافظة بابل بالغاء كل النشاطات والفعاليات الفنية المقرر تقديمها علي مدرجات المسرح البابلي كالاستعراضات الغنائية الشعبية والعروض الموسيقية وعروض الازياء التاريخية في حضارة وادي الرافدين واقتصاره علي مسرحية محلية ومعرض للفنون التشكيلية يمكن ان يقام في أي قاعة في مدينة الحلة مركز محافظة بابل (150 كلم جنوب بغداد). بالاضافة الي قراءة قصة شعرية بابلية, وبحضور فنانين من الدانمرك والمانيا والنمسا ومصر يبدو ان مجلس المحافظة تصور انهم تجشموا عناء السفر من بلدانهم الي الحلة في هذه الظروف الصعبة لمشاهدة لوحات فنية متواضعة المستوي لرسامين محليين لا يعرفهم أحد. لكن الاسوأ من كل ذلك, بل والاطرف, ان مجلس المحافظة الموقر بدلاً من ان يرفع لافتات في شوارع الحلة ترحب بالزوار والمشاركين, رفع لافتات تصف القائمين علي مهرجان بابل بالزنادقة! بل وطالب أعضاء المجلس بتغيير اسم المهرجان الي مهرجان الحلة الدولي. واذا تم هذا فانه سيصبح مهرجاناً للحلة بالمعني الشعبي المصري لكلمة "الحلّة" أي اناء الطبخ! وقال أحد أعضاء المجلس انه يرحب بإقامة المهرجانات الثقافية التي لا تخدش فقراتها الحياء العام! ولا أحد يعرف عن أي خدش يتحدث الاخ وأي حياء عام وكل فقرات المهرجان مستورة وعائلية, اللهم الا اذا اراد ان تتحول هذه الفعالية الفنية الي مهرجان للطم وشج الرؤوس علي طريقة ملالي طهران في عاشوراء. وفوق هذا تم تقليص فترة المهرجان من خمسة ايام الي ثلاثة ايام لمنع فساد الاخلاق العامة للمجتمع! اذ كلما طالت ايام المهرجان انغمس المشاركون والضيوف والزوار بخدش الحياء العام بترديد اغاني ناظم الغزالي وكاظم الساهر والهام المدفعي وشتم الاحتلال الامريكي والعملية السياسية والطائفية والفيدرالية. لقد ولت الايام التي كان فيها مهرجان بابل يعتبر عرساً ثقافياً وفنياً وحضارياً يفخر به العراق كله وليس محافظة بابل وحدها. فقد كانت هناك عروض أزياء مبهرة ولوحات فنية شعبية راقصة للفرقة القومية العراقية ولفرق عربية وأجنبية وحفلات غنائية لمطربين عراقيين وعرب وأجانب ومحاضرات ثقافية ونقدية وفنية بالاضافة الي سوق شعبي للهدايا التذكارية التي يقبل عليها الاجانب. وكانت وزارة الاعلام ثم وزارة الثقافة السابقة تجند كل امكانياتها لنجاح مهرجان بابل ومن بينها تخصيص قطار يومي بين بغداد والحلة لنقل زوار المهرجان الذي ذكر العالم من جديد بحضارات وادي الرافدين القديمة الاشورية والسومرية والاكدية والبابلية وشريعة حمورابي والكتابة المسمارية. لقد وصل عدد زوار مهرجان بابل في إحدي سنواته الذهبية الي مليون زنديق كنت واحداً منهم.. واستغفر الله العظيم. كاتب المقال: كاتب عراقي