جمال الغىطانى رواية طويلة تجسد واقعا نعيشه. لكن من زوايا مغايرة. مجموعة من البنات في مقتبل العمر ينتمين الي فئات اجتماعية مختلفة، لكن الغالب تلك الطبقات الثرية التي تسكن قصور المجتمعات الجديدة. خاصة حديثة الثراء بالتحديد بعد العمل في البلاد النفطية، تتجسد شخصية سارة الطالبة المراهقة من خلال وجهة نظر المشرفة الاجتماعية وهي الراوية للاحداث عبر فصول الرواية التي تحمل عناوين صيغت كلها بالفعل المضارع (تتمرد تبوح تروي تتعلم..). لا نقف فقط علي تفاصيل الحياة الدقيقة التي تعرفها المؤلفة الدكتورة رشا سمير جيدا، سواء في مصر حيث الأب والأم مشغولان بحياتهما الاجتماعية، بالندوات والاجتماعات والمشاركات، وخلال ذلك تبدأ رحلة الضياع للبنات وللأولاد أيضا. من الحكايات التي استوقفتني، ما جري لسلمي ابنة الاسرة الثرية والتي تتعرف علي زميلة لها مستواها أقل اجتماعيا »ليلي« والتي تقود صديقتها الي عالم المنتقبات المتشددات حيث تبدأ عملية التجنيد الناعمة، هنا تبدأ حياة أخري لسلمي بعيدة تماما عن اسرتها. بعد أول درس بين المنتقبات تعود الي بيتها في حالة من النشوة الروحية. انتهي الدرس الاول، وعادت سلمي الي منزلها، متمنية ان تجد أمها في حالة تسمح لها بالنقاش، ولكنها دخلت الي حديقة الفيلا لتجد مجموعة من اصدقاء امها جالسات يحتسين الشاي وفي خضم مناقشة طويلة بدت من أصواتهن التي كانت تغطي علي كل الاصوات المحيطة. تسأل سلمي امها عما اذا كانت تريد ان تعرف ما فعلته في المسجد؟ لكن الام لا تهتم، شيئ فشيئ تصبح لسلمي حياتها المنفصلة تماما، وتتطور علاقتها مع فهمي السائق، الاسرة تثق بفهمي، وفهمي يتسلل الي روحها من خلال دروس المنتقبات ثم الي جسدها عبر المشاعر المضطرمة. الرواية زاخرة بالشخصيات الحية المعبرة بصدق فني عن واقعنا الآن. وتجسد براعة في الحكي، وقدرة علي الدخول في مناطق لا تعرفها إلا الأنثي، انها رواية جميلة، تبدو هادئة جدا، لكنها تمر بأحداث وشخصيات تعاني عذابات شتي وتربط بين الظروف العامة والمصائر الصغيرة التي تتحول الي مآسي عميقة ايا كان موقع اصحابها من المجتمع، الدكتورة رشا سمير تضيف جديدا الي الرواية بعملها الجديد وحكاياتها السهلة الممتنعة عن البنات في عصرنا الحالي.