الأربعاء : ذهب الشيطان إلي بابا الفاتيكان حزيناً، مكتئباً، يطلب مقابلته متوسلاً. استجاب البابا لرجاء الشيطان وتوسلاته فوافق علي لقائه.. وسأله: - ما الذي جاء بك إلي هنا؟ قال الشيطان: - جئت اركع عند قدميك لتعيدني بيديك وتدخلني في الدين، وستراني من خيرة أبناء الكنيسة الأبرار المخلصين. اهتز البابا في مقعده لتلك النبرات الصادقة والزفرات الحارة.. وهمس لنفسه دهشاً: - أنت؟ أنت إبليس تدخل الآن في الدين؟ قال إبليس: ولم لا؟ ألم يقل المسيح إن السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب، أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلي التوبة. وقع البابا في حيرة واضطرب وارتعد للفكرة.. وصاح مخاطباً نفسه: لا.. لا.. لا استطيع هذا. إن إبليس هو محور الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.. كيف يمحي من الوجود دون أن تمحي كل تلك الصور والأساطير والمعاني والمغازي التي تعمر قلوب المؤمنين وتفجر خيالهم؟ إذا آمن إبليس، ففيم إذن بعد اليوم مجد الكنيسة وما مصير الفاتيكان ومتاحفه ومخلفاته الدينية الكبري؟ ما معني يوم الحساب إذا محي الشر من الأرض؟ وهنا حسم البابا أمره.. نظر إلي إبليس نظرة قاطعة، فاصلة وقال له: إن الكنيسة ترفض طلبك.. اذهب إذا شئت إلي دين آخر.. وتركه وذهب.. خرج إبليس من الفاتيكان خائباً ذليلاً.. لكنه لم يفقد الأمل.. إن أبواب الله كثيرة، فليلجأ إلي باب آخر.. ذهب إلي حاخام اليهود.. وتوسل إليه كما فعل مع بابا الفاتيكان لكي يدخله في دينه. قال له الحاخام: - تريد أن تكون يهودياً؟ - قال له إبليس: أريد أن أصل إلي الله. تأمل الحاخام قوله.. وحدث نفسه كما فعل بابا الفاتيكان: إذا عفا الله عن إبليس ومحي الشر من الأرض.. ففيم إذن التمييز بين شعب وشعب، بنو إسرائيل شعب الله المختار.. لن يكون بعد اليوم مبرر لاختيارهم دون بقية الشعوب. حتي السيطرة المالية التي صارت إليهم منذ أجيال ستذهب عنهم بذهاب الشر عن النفوس وزوال الجشع، وموت الطمع والحرص والأنانية.. إيمان إبليس سيدك صرح التفوق اليهودي. التفت الحاخام اليهودي إلي إبليس قائلا: - ليس من عاداتنا التبشير، ولا نفرح بدخول غرباء إلي ديننا حتي ولو كان إبليس! اذهب عنا إلي دين آخر. خرج إبليس محبطاً، لكنه لم ييأس، اتجه إلي شيخ الأزهر وحكي له ما سبق أن حكاه للبابا والحاخام. نظر اليه شيخ الأزهر متأملاً ثم قال له: - اسمع يا إبليس.. ما تقوله يبدو جميلا، فإيمان الشيطان عمل طيب.. ولكن.. فكر معي كيف ستكون العواقب لو أسلم الشيطان، كيف يتلي القرآن؟ هل يمضي الناس في قولهم: »أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟....« لو تقرر إلغاء ذلك لاستتبع الأمر إلغاء أكثر آيات القرآن، فإن لعن الشيطان والتحذير من عمله ورجسه ووسوسته يشغل من كتاب الله قدراً عظيماً. ورفض شيخ الأزهر طلب إبليس لأنه يهز أركان الكون وقواعده. وغاص إبليس في أحزانه، يائساً، لكنه تذكر الملاك جبريل.. لماذا لا يلجأ إليه، ويحكي له مأساته ويطلب منه المساعدة؟ قال لجبريل: أريد التوبة. فرد عليه: ليس لك الآن أن تغير النظام الموضوع، عد إلي الأرض، وافعل ما كنت تفعله. وجودك في الأرض ضروري لوجود الخير ذاته. وبكي إبليس.. وقال: إني شهيد.. إني شهيد! لا أدري لماذا تذكرت هذه القصة القصيرة المدهشة للأديب الفيلسوف توفيق الحكيم رغم أنني قرأتها من أكثر من عشر سنوات؟ هل لأنها من القصص الفلسفية، الرمزية التي تخترق الحواس، وتشتبك ببراعة مع عقل القارئ وروحه، هل لأنها وضعتني في حالة من التأمل والتفكير العميق لمعناها، ومغزاها؟ ربما! الريادة لها معني الخميس: يسعد القلب أن يرتفع اسم مصر خارج الحدود في أي مجال واليوم تفتتح ماري الفنانة المصرية فرعاً لتصميمات أزيائها الفرعونية بهولندا. ذهبت لأري علي الطبيعة مصنعا للملابس الجاهزة في إحدي المدن الجديدة، لأجد مدرسة رائدة في تلك الصناعة. أكثر من ألف ومائتي عامل وعاملة يعملون بجدية وإتقان. حرصت قائدة تلك المنظومة علي إدخال الكمبيوتر في كل مراحل تنفيذ المنتج من صناعة النسيج.. إلي الطباعة علي القماش.. إلي صنع الباترون.. إلي تطريز الملابس. أما الفكرة التي أسعدتني - فعلاً - فهي المدرسة الفنية التي أقامها المصنع لتدريب العمالة الفنية علي تلك الحرفة المطلوبة في السوق. وعرفت من العاملين هناك والمسئولين عن المدرسة الفنية أن صاحب تلك المدرسة لم يشترط أن يحتكر هؤلاء الشباب الذين يعلمهم ويدربهم عملياً في مصنعه إلي جانب المواد النظرية التي يتلقونها في المدرسة التي بناها علي أرض مصنعه. وأعجبني جداً الاتفاق مع وزارة التربية والتعليم لكي تكون تلك المدرسة الفنية معتمدة ولها شهادة رسمية من الوزارة. وابتسمت بسعادة وقلت: هؤلاء فعلا هم الرواد. الذين يجدون سعادتهم في البناء.. والامتداد.. واستمرار القلاع التي بنوها وآمنوا بدورها وتأثيرها علي مجتمعاتهم. وقلت لنفسي: - فعلاً.. الريادة لها معني! يحيي الجمل.. المفكر الثلاثاء: فرحت جداً وأنا أطالع جريدة يوم الثلاثاء الماضي. فوجئت باسم وصورة الدكتور يحيي الجمل تضيئان الصفحة الأخيرة، ويوميات الأخبار. أسعدني جداً أن يطلب الكاتب الصحفي محمد حسن البنا رئيس تحرير »الأخبار« من المفكر القدير الدكتور يحيي الجمل أن يكتب »يوميات الأخبار«. ولاشك أن القارئ سوف يشغف بسطور يحيي الجمل وأفكاره وعمق تجربته سواء علي المستوي السياسي أو الإنساني. لذلك أرحب بالكاتب الكبير علي صفحات »الأخبار« قلماً رائعاً، وإضافة مهمة لقارئنا العزيز. أمريكا تشيخ! السبت: وصلني التقرير الأخير عن السكان في العالم.. وهو تقرير سنوي يعده المركز الدولي للسكان بواشنطن. توقفت عند أرقام غريبة تخص الولاياتالمتحدةالأمريكية. أولها أن عدد السكان ارتفع هناك بنسبة 7.0٪ فقط بين عامي 0102 و1102. أما الأهم فهو أن هناك نقصاً في عدد الأطفال أقل من 81 سنة وزيادة في عدد المسنين أكثر من 56 سنة وهذا يقترب من النموذج الأوروبي للتركيبة السكانية الآن. حيث تزداد أعداد كبار السن بفضل الرعاية الصحية والتطور العلمي والطبي ونوعية الحياة. وتقل أعداد المواليد نتيجة عدم إقبال الشباب علي الزواج والإنجاب. أما الأسباب لذلك فكثيرة منها صعوبة الحياة وحدة المنافسة في مجال العمل في تلك المجتمعات الرأسمالية وشراستها، وربما لتراجع المشاعر والرومانسية في عصر الكمبيوتر والإنترنت حيث أصبح العالم بلا حدود، ولا سواتر للخصوصية!! إنها أرقام غريبة.. لها دلالة ومعني.. وتحتاج إلي التأمل! الأحد: يقول فيجاي اسوار ان في كتابه »عالم السكون«: إن تسعين بالمائة من البشر يتصورون أن الظروف المحيطة هي التي تعوق تحقيق أهدافهم، ويرددون دائماً تلك العبارة: »لو كانت الأشياء مختلفة!«. إلي هؤلاء يقول المؤلف: الأشياء لا تحتاج أن تكون مختلفة. أنت الذي تحتاج أن تكون مختلفا! إذا كنت تشعر أنك قطعة خشبية تطفو دون هدف. تتقاذفها الأمواج، ويجرفها التيار، ضع شراعاً علي تلك القطعة الطافية. استغل الريح واعبر البحار. رحيل الجوهري الإثنين: بكت مصر كلها محمود الجوهري.. هذا الرجل هادئ القسمات.. عميق النظرات.. المحب لمصر حتي النخاع. المخلص لمهمته حتي آخر قطرة في دمه. إنه المدير الفني الأسبق للمنتخب الوطني ومستشار رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم. جنرال الكرة المصرية. كما كان الكثيرون يطلقون عليه. لذلك لم اندهش عندما رأيت الحزن عليه في وجوه الكثيرين. ولم اندهش لفجيعة مصر والأردن أيضاً حيث كان يعيش الجوهري سنواته الأخيرة. والوداع الفخيم الذي صاحب الجثمان من الأردن إلي مصر. وكذلك قرار ملك الأردن بإطلاق اسم محمود الجوهري علي أحد الشوارع الرئيسية في عمان عاصمة الأردن. والجوهري هو أحد أبرز المدربين في تاريخ كرة القدم المصرية والعربية، حيث نجح في الوصول بالمنتخب الوطني المصري لكأس العالم عام 0991 في إيطاليا لثاني مرة، وكانت المرة الأولي التي وصل فيها المنتخب المصري إلي كأس العالم عام 4391. رحم الله جنرال الكرة المصرية.. والأب الروحي لمعظم نجوم كرة القدم المصرية.