د. محمود عطية كان اللقاء يحمل عنوانا مثيرا هو "كيف تتعرف علي حركة المجتمع من قراءة الإعلانات".. اللقاء عقد بنقابة الصحفيين بداية الثمانينيات.. المتحدث كان الصحفي الكبير أحمد بهاء الدين.. وبهاء الدين عرفته قبل بداية عملي بالصحافة من خلال قراءة عموده المميز.. كاتبا ملما بأدواته المهنية والأخلاقية مرتب الأفكار ينتقي كلماته بلا زيادة أو نقصان.. وبالمناسبة انصح الزملاء الراغبين في كتابة الأعمدة الصحفية بالرجوع لتراث بهاء الدين قراءة ودراسة وانتهاجا لعمق التناول وتعلم القدرة علي اختيار اللغة المناسبة لكل فكرة..! في هذا اللقاء الذي ضم حشدا كبيرا تعلمت من الصحفي القدير احمد بهاء الدين ما استقر في عقلي حتي يومنا هذا.. تعلمت رصد حركة المجتمع من خلال قراءة الإعلانات التجارية عبر وسائل الإعلام المتعددة..حركة المجتمع الاقتصادية والاجتماعية من خلال تلك الإعلانات "عقارات ومناقصات وملابس واستغاثات للحكومة وغيره" وحتي عبر أسماء الأفلام السينمائية..! ومازلت اذكر ماقاله في اللقاء عن انه غير متخصص في مجال الاعلانات الصحفية أو أي وسائل أخري.. لكنه يعشق قراءة الاعلانات واستهوته منذ وقت مبكر من حياته وباتت إحدي أهم هواياته كصحفي محترف.. واستطاع من خلالها رصد حركة المال في المجتمع والتنبؤ حتي بالقرارات الاقتصادية والتحولات الاجتماعية..! وسيرا علي ما تعلمته خلال هذا اللقاء البعيد استطيع معرفة بوصلة المجتمع إلي أين تتجه ومن المتحكم في اقتصاد البلاد وأي بلاد الدنيا نتجه إليها وما السياسة الاقتصادية المتبعة بعيدا عن مزايدات رجال السياسة والاقتصاد من اهتمامهم برعاية فئة محدودي الدخل واسطوانة مراعاة العدل الاجتماعي..! ولنطبق ما تعلمته في اللقاء علي بعض اعلانات شهر رمضان خاصة اعلانات الاستجداء لكفالة الايتام والفقراء التي تثبت فشل سياساتنا الاقتصادية عبر سنواتنا السابقة..وبتتبع هذا النوع من الإعلانات يتبين لنا أيضا حركة المجتمع المدني ومسايرتها لحركة الفقر في بلادنا ومستوياتها..فقد بدأت منذ سنوات إعلانات تحت عنوان "اكفل يتيم".. وتظهر في الإعلان امرأة تضم الي صدرها طفلا صغيرا تبنته ثم يكبر الطفل وتصير المرأة عجوزا ويربت علي ظهرها الابن دلالة علي انه نفعها في كبرها.. ويبدو ان الفقر والحاجة تطورا وبالتالي الإعلانات.. فبعد سنوات أخري نجد إعلانا تحت عنوان "اكفل اسرة فقيرة".. وتظهر أسرة في الإعلان رثة الملابس العوز باد عليها والاحتياج ويستعطف صوت مقدم الإعلان القلوب الرحيمة للكفالة..! وهذا العام يبدو أن الفقر تطور فتطورت الإعلانات في "نفس السكة" وظهر إعلان تحت عنوان "اكفل قرية فقيرة".. وأظن كلنا يصدمنا الإعلان يوميا بعد الإفطار علي معظم القنوات.. غول الفقر يبدو انه اكبر من حملات مواجهته والنظام السابق كان يتحدث عن الفقر دون التعامل الجاد مع اسبابه.. وتركه للمجتمع المدني الذي كان يحاربه كلما سنحت له الفرصة. لكن الاخطر وما أخشاه ان يتطور الاعلان اكثر وبدلا من "اكفل قرية فقيرة" يصبح "اكفل مصر اليتيمة".. والعياذ بالله.