أحمد طه النقر لا أعتقد أن أحدا علي درجة معقولة من الوعي والرُشد السياسي كان في حاجة لوقوع جريمة كاشفة في حجم وبشاعة وخسة مجزرة رفح لكي يتأكد من حالة "الانكشاف" اللافت والمُخجل للأمن القومي في شبه جزيرة سيناء.. وهي حالة ترجع لأسباب تتعلق في الاساس بإتفاقية سيئة السمعة سُميت "كامب ديفيد" نسبة للمنتجع الرئاسي الامريكي الذي عقدت فيه..وترجع أيضا لسياسات "تبعية وانبطاح" فادحة وفاضحة للإملاءات والرغبات الامريكية والاسرائيلية، انتهجها الرئيس المخلوع لتمرير مخططاته المنحطة لهذا البلد العظيم، وخاصة ما سمي "سيناريو التوريث"..ولا أظن أن أحدا من أشد معارضي "كامب ديفيد" كان يشطح به الخيال بشأن مضاعفاتها السياسية والاستراتيجية ليصل الي التكهن بالنتائج والآثار الكارثية التي إنتهت اليها..إذ أدركنا الآن مدي خطر القبول بسيادة منقوصة علي أرضنا.. واستقر في يقين كل من يعرف ولو قليلا مما يتيسر عن مفهوم الامن القومي، وخاصة مع وقوع هجمات متواترة ومنظمة جيدا علي أهداف منتقاة في سيناء ،أن هذه الأرض الغالية بل والمقدسة لم تتحرر بعد، وذلك لسبب بسيط للغاية هو أن سيناء المكشوفة التي لا يمكن الدفاع عنها حتي ضد جماعات جهادية مسلحة أو عصابات تهريب منظمة، هي سيناءالمحتلة أو أسوأ بما لا يقاس!!..فهل هناك أسوأ وأكثر إذلالا من أن يحدد لك عدوك الاستراتيجي نوع السلاح الذي تحمله لكي تواجهه به مستقبلا إذا جد الجد ولم يكن من المواجهة بُد!!.. نعم..بلغ تدهور الاوضاع في سيناء وغياب الأمن فيها حد تشبيهها بافغانستان..وممَن؟!..من محللين ومسئولين اسرائيليين طالما تفاخر انور السادات وحسني مبارك بصداقتهم!!.. ولكن حتي في ظل الانكشاف الامني والشروط المُجحفة التي قبل بها السادات في كامب ديفيد، فإن المؤكد أنه كان من الممكن بدء تنمية حقيقية ومستدامة في شبه الجزيرة "المُحررة" منذ إعلان عودتها الي أحضان الوطن الام في عام 1982..وعندما نتحدث عن تنمية سيناء فلابد من الاعتراف بأن هذا الامر لم يؤخذ بجدية في أي وقت من الاوقات، ليس فقط لأننا لا نتذكر هذا الجزء العزيز من ارض الوطن إلا عندما تقع كارثة طبيعية أو جريمة ارهابية.. ولكن أيضا لأنه لم تتوفر في أي وقت منذ بدء ما سمي سياسة الانفتاح الإقتصادي في عهد السادات، رغبة جادة في التنمية الحقيقية ليس في سيناء فقط وإنما في كل ربوع الوطن وخاصة المناطق الفقيرة والمهمشة في الصعيد والمحافظات الحدودية البعيدة عن العين والقلب معا..ناهيك عن أن التنمية الحقيقية تعتمد علي البشر ومشاركة المواطنين في خطط ومشروعات التنمية التي تعتمدها الحكومات..أما إذا كانت الحكومات تُقصي المواطن وتُهمشه وربما تحتقره وتعتبره سبب كل المصائب كما كان يفعل حسني مبارك الذي لم يتخل أبدا عن لوم الشعب وتقريعه لأنه يتوالد بمعدلات قياسية لا يمكن معها تحقيق نهضة أو تقدم.. ولكن أحدا لم يجرؤ علي الرد عليه بأن الكارثة لم تكن في كثرة النسل وإنما في كم السرقات والنهب المنظم لثروات البلاد والتي كانت عنوان فترة حكمه وهو ما جعل منه رأس عصابة وليس رئيس دولة..أما خطيئته الاكبر فهي انشغاله بامنه الشخصي وهو ما حول الحرس الجمهوري الي جيش حقيقي واختصر سيناء في منتجع شرم الشيخ فغابت التنمية وانكشف الامن القومي!!..وجدير بالذكر أنه كانت هناك خطة قومية متكاملة لتنمية سيناء بتكلفة 25 مليار جنيه.. ولكن هذا المشروع توقف فجأة لأسباب غير معروفة.. كما تم إلغاء مشروع الجسر البري بين مصر والسعودية لاسباب غير معلومة ايضا.. وهو ما أثار تساؤلات واستغراب العديد من المراقبين وإن كان معظمهم قد أرجع الامر كله الي مصالح مبارك والعصابة المحيطة به وخاصة صديقه الاقرب حسين سالم، وكذلك الي ضغوط اسرائيل التي يهمها بالقطع بقاء شبه جزيرة سيناء مكشوفة وفي المتناول لتنفيذ المشروعات التي يمكن أن تخدم امنها القومي.. وهنا ينبغي ألا نستبعد أي خطر حتي ولو كان يبدو بعيد الاحتمال في الوقت الراهن مثل مشروع إقامة "وطن بديل" للفلسطينيين في سيناء وتهجيرهم اليه لتعميرها قبل أن تتحول الي ملاذ للإرهاب الدولي طالما أن المصريين عاجزون عن تعميرها وتنميتها..وعلينا الإعتراف بأننا عجزنا بالفعل، وحتي كتابة هذه السطور، عن "تحرير" سيناء ليس فقط من الاحتلال الفعلي المتمثل في غياب السيادة، ولكن أيضا لأننا نُصر علي استبعاد أهل سيناء وإقصائهم عن مشروعات التنمية..وليت أخطاءنا توقفت عند هذا الحد، بل إنها تفاقمت لتتحول الي خطايا كبري عندما إعتمدنا سياسة أمنية قصيرة النظر تعتبر أبناء سيناء عملاء وجواسيس حتي يثبت العكس..وبناء عليه تم حرمان ابناء سيناء من ابسط حقوق المواطنة مثل حق تملك الارض التي يعيشون عليها أو الالتحاق بكلية الشرطة والكليات العسكرية، فضلا عن عدم توليهم المناصب العليا حتي في محافظاتهم مما يعني أن هناك تمييزا ضدهم..وشكت لي الإعلامية والناشطة السياسية سهام جبريل، وهي عضو سابق بمجلس الشوري، إن إبنتها حُرمت من الالتحاق بالسلك الدبلوماسي، رغم نجاحها في كل الاختبارات، لأنها من أبناء سيناء.. وتقول إن لديها دراسات مستفيضة عن تنمية سيناء ولكن احدا لا يهتم بها.. وهي تطالب بتخصيص وزارة لتنمية سيناء لها كل الصلاحيات والإمكانات المادية اللازمة لتنفيذ المشروعات.. وتطالب بجامعة حكومية تخدم ابناء الإقليم لينالوا حقهم في التعليم العالي كغيرهم.. هذه مطالب بسيطة وطبيعية نرجو أن تتحقق سريعا إذا كنا جادين حقا في حماية أمننا القومي.