أسامة عجاج طريقان لا ثالث لهما، في التعامل مع الإجرام، الذي شاهدته سيناء خلال الأسبوع الحالي. الأول :استمرار سياسية تصفية الحسابات، بين كل الأطراف المصرية، وتوسيع دائرة الاتهامات بين القوي السياسية. وتحميل العديد من الجهات مسئولية الحادث. والثاني: يأخذ من الأزمة، نقطة انطلاق حقيقية، لإعادة النظر في وضع سيناء. وحتي لا تتحول إلي بؤرة لحالة عدم استقرار لمصر. طريق الاتهامات المتبادلة، لن يصل بنا إلي شيء . دون أن يعني ذلك عدم تحديد الجهة، أو الجهات المسئولة. يتساوي في ذلك المجلس العسكري، الذي أغرق نفسه في قضايا داخلية. بعد دوره التاريخي في حماية الثورة. وكان من المقرر يقوم بتسليم السلطة. ويعود إلي ثكناته، ليمارس مهمته الأصيلة، في حماية الوطن والحدود. ولكنه لاعتبارات خاصة به، آثر أن يظل رقما في المعادلة السياسية. ويحتفظ بدور تشريعي، وبمهمات وضعها لنفسه في الإعلان الدستوري المكمل. مما أثمر حالة من عدم الاكتراث، والانشغال عن المهام الرئيسية له، في ظل حالة من الانفلات الأمني في سيناء. دفعت مصر ثمنه من دماء شهداء للشرطة والقوات المسلحة. ومن خسائر اقتصادية ضخمة. كما أن هناك مسئولية علي الأجهزة الأمنية، التي لم تتعامل بالجدية الكافية، مع المعلومات التي وصلت إليها. لدرجة أن محافظ شمال سيناء، قلل من تحذيرات إسرائيل، لرعاياها بمغادرة سيناء. وتعامل مع المسألة، كما لو كان الأمر تنافس علي" تورتة السياحة". ناهيك عن أطراف سياسية آخري، حاولت استثمار الحادث، في النيل من رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي. في أطار حملة التشويه، الذي يتعرض له الرجل منذ بداية توليه منصبه، وحاولوا الغمز من قناة أن العلاقة بين النظام الجديد في مصر وحماس. ساعدت الأخيرة علي التورط في العملية. رغم أن العقل والمنطق، يستبعد مثل هذا الأمر تماما. ورغم أن القاصي والداني، والمتابعين للحقائق، يدركون أن الرئيس مرسي انحاز لقضية الأمن القومي المصري. وهو صميم عمله، وواجبه في التعامل مع الوضع في غزة. وهو ما ظهر من لقاءات الرئيس مرسي مع خالد مشعل، أو إسماعيل هنية. ووعد بدراسة مطالبهم في ضوء الأوضاع الدولية والإقليمية. وتوقفوا عند قرار الرئيس بتقديم تسهيلات لدخول الفلسطينيين من غزة. وحاولوا الإيحاء بأن ذلك قد يكون سهل مهمة القتلة المتورطين في الجريمة البشعة، ضد جنودنا. ومن المؤكد ان مواقف الرئيس الأخيرة، وحركة التغييرات التي طالت كبار المسئولين، في الأجهزة الأمنية والشرطة، تمثل مؤشرا مهما لكيفية التعامل مع الجريمة، وتداعيات الحادث. ويدفعنا إلي الاهتمام بالبديل الثاني، والذي يحفظ استقرار مصر، وأمنها من سيناء، وإنهاء تراكم الأخطاء التي ارتكبها النظام السابق. الأمر هنا يتعلق بعدد من الإجراءات الواجب اتخذها. ونتوقف عند بعضها: بذل كل الجهود الممكنة لإعادة النظر في اتفاقية السلام مع إسرائيل. وهي تمثل كارثة بكل المقاييس، وافق عليها الرئيس السادات. وحجم وجود القوات المسلحة في مناطق سيناء. المختلفة خاصة في المنطقة" ج"، المحاذية للحدود مع إسرائيل. فلم يعد مقبولا أن تتحكم تل أبيب في عدد القوات. ونوعية السلاح المستخدم. واعتقد أن هناك مطلب شعبي مصري، بإلغاء الاتفاقية. ويمكن أن يكون هناك إجماع وطني حقيقي، باتجاه تعديل بنودها كحد ادني، في تلك المرحلة علي الأقل. حسم مسألة الأنفاق مع غزة، بما يحفظ الأمن القومي المصري. كنت ومازلت عند رأيي أن النظام المصري في زمن المخلوع. شارك في جريمة ضد الإنسانية، عندما فرض الحصار علي قطاع غزة منذ 2007. وساهم مع إسرائيل في منع كل فرص الحياة عن ملايين من الفلسطينيين في القطاع. فقط نتيجة أنهم صدقوا أنهم من حقهم التعاطي مع الديقراطية. واختيار من يعتقد الشعب الفلسطيني انه يحقق مصالحه. فانحازت الأغلبية إلي حركة حماس في انتخابات حرة ونزيهة، راقبها المجتمع الدولي، وشهد لها بالشفافية، وفي المقدمة منها مركز كارتر. وعندما ظهرت علي الساحة فكرة إقامة الإنفاق، اعتبرتها عملا عبقريا، لمواجهة الحصار اللانساني. والسعي إلي توفير الحد الأدني من متطلبات الناس في القطاع. وعندما بدأت المخاوف والتحذيرات من الظاهرة، واستخدامها في عمليات التهريب غير المشروع، وتحولها إلي تجارة، يجني منها البعض مكاسب طائلة، دون فائدة واضحة للمواطن العادي وكان رأيي ومازال بأننا في مصر أمام خيارين، الأول هو الإبقاء علي الحالة كما هي. وعلينا أن نتحمل تبعات عمليات التهريب التي تتم، وانعكاساتها الأمنية والاقتصادية. والثاني القبول بفتح معبر رفح أمام الفلسطينيين. خاصة وانه نافذتهم علي العالم الخارجي. وأن تتعامل بنفس الآلية المتبعة في كل منافذ الجمهورية. وتمارس كل أمور السيادة. تقبل بدخول البعض، وترفض دخول أي شخص عليه ملاحظات أمنية. ونجحت مصر بعد الثورة، في صياغة علاقة قوية مع القطاع، خاصة بعد تولي التيار الديني مقاليد الحكم. في ظل وجود علاقة تاريخية، وارتباط تنظيمي بين حماس غزة، وحزب الحرية والعدالة في مصر. مما ساعد علي تخفيف الاحتقان والتوتر بين الطرفين. وجاء الحادث الإجرامي الأخير، ليعيد القضية من جديد إلي الوجود. والمطلوب الآن هو آلية تنهي أي وجود للأنفاق، وحسنا ما تقوم به القوات المسلحة مؤخرا في هذا المجال من تدمير للإنفاق. ومواجهة للعناصر الإرهابية في سيناء. مع الالتزام الإنساني تجاه أهالي قطاع غزة. بالسماح بتسهيل انتقال الأفراد، والبضائع، وحرية التجارة السعي إلي إنهاء "الفراغ الاستراتيجي ".الذي مازالت تعاني منه سيناء. رغم كل تلك السنوات علي تحريرها، واستعادتها. ولم يعد ممكنا أن تنحصر رؤيتنا لسيناء، علي الشريط الساحلي في الجنوب في شرم الشيخ. وقصر أمور التنمية علي السياحة فقط. وهو ما ألتزم به النظام السابق. الذي لم يكن يري في سيناء سوي شرم الشيخ. تاركا الشمال والوسط دون أي خطط للتنمية الشاملة. ودراستها موجودة. ولكن غياب الإرادة السياسية، كان وراء ذلك الإهمال. وبعد، لعل الجريمة البشعة تكون البداية الصحيحة. للتعامل مع ملف سيناء. وهذا ما نتمناه!!