في قضية النظافة والحملة المعلنة والجارية الآن للتخلص من تلال القمامة والنفايات والمخلفات التي طفحت علي السطح في القاهرة، والمحافظات، وفرضت وجودها القبيح علينا بعد انتشارها في كافة الأحياء والشوارع والطرقات، لا نستطيع ولا يجب ان نتعامل معها بمعزل عن بقية القضايا الملحة والمشاكل المتفجرة الأخري المرتبطة بها في الأسباب والدوافع. وأي تصور بإمكانية التعامل مع هذه الظاهرة بالغة الفجاجة والقذارة والسوء، علي أنها قضية قائمة بذاتها، وغير مرتبطة بغيرها، وانه يكفي إزالة ما هو موجود من أكوام الزبالة، وتلال النفايات، كي تعود مدننا وشوارعنا وطرقاتنا نظيفة، هو تصور غير دقيق وبه قصور شديد، ولن يؤدي للعلاج والحل. وما يجب أن ندركه، هو ان هذه الظاهرة بالغة السوء، جاءت كنتاج طبيعي ومؤسف لحالة الانفلات الأمني والأخلاقي التي سادت وانتشرت طوال الشهور الماضية، وعلينا أن نعترف بأن حالة الانفلات هذه هي التي سمحت لكل من غاب ضميره ان يفعل ما يريد ضاربا عرض الحائط بكافة القواعد الأخلاقية والضوابط الاجتماعية، ومادامت عين القانون غافلة عنه، ومادامت قوة القانون غائبة أو مغلولة، في ظل الإهمال والتردد والضعف لدور المحليات والإدارات التابعة لها المكلفة بالرقابة والمحاسبة. وفي هذا الاطار لابد ان نلفت نظر الكل الي ان هذه الظاهرة الفجة قد طفحت علي السطح وتفجرت، في ظل التصاعد المستمر لحالة الانفلات العام، والخروج علي القانون، وانتشار وشيوع حالات التعدي علي المرافق العامة بالدولة وتعطيلها وإلحاق أضرار فادحة بها، وما يصاحب ذلك من ترويع للمواطنين، وتهديد للأمن العام، وتعطيل مصالح المواطنين دون عقاب أو حساب. وفي هذا السياق، اصبح مثيرا للانتباه، تكرار وتصاعد هذه الحالة الانفلاتية، وانتشارها بصورة فجة ومحبطة، بما أعطي انطباعا عاما بأن القاعدة في السلوك والتصرف أصبحت الخروج علي الانضباط العام، ومخالفة جميع القوانين والقواعد الأخلاقية والاجتماعية، والنيل من هيبة الدولة، في ظل الغياب التام لكافة، وسائل الردع المادية والمعنوية، لكل الأجهزة والإدارات المعنية والمكلفة بالحفاظ علي أمن وأمان المواطنين، وتطبيق القانون بالجدية والالتزام والصرامة الواجبة واللازمة. وفي ظل هذه الحالة البائسة والمزرية من الانفلات، طفحت مثل هذه الظواهر المرضية علي السطح، وأصبح التسيب هو القاعدة، ورأينا التدني في السلوك والفعل، بل زبالة السلوك والفعل، وبدأت أكوام الزبالة تتكدس في الشوارع والطرقات، وتلال النفايات والمخلفات تحتل كل المواقع، وأصبحنا مضطرين للتعايش وسط مناخ بالغ التلوث والسوء. ولذلك نقول ان ازالة هذه الأكوام وتلك التلال في حملة أو حملات تستمر عدة أيام، لا تكفي ولن يكون علاجا ناجحا لما نحن فيه الآن حيث انها يمكن ان تعود مرة أخري، بل مرات أخري، فور توقف هذه الحملات. ولكن العلاج يتطلب ضرورة التصدي الحازم والجاد لجميع مظاهر الانفلات والفوضي، بالتطبيق الصارم للقانون والسعي العاجل لوضع حد نهائي لكل حالات التعدي والخروج علي القانون. فهل يحدث ذلك ؟! ..ونواصل غدا ان شاء الله.