سعىد إسماعىل يبدو أن الزمام قد انفلت بالفعل، وأن الفوضي و»الهرجلة« أصبحتا تشكلان طابعا مميزا يفرض نفسه علينا وعلي بلدنا المنكوب ببعض ابنائه، الذين لم يعد لهم كبير يخشونه، أو علي الاقل يراعونه.. كل واحد أصبح في وسعه ان يفعل ما يحلو له، في المكان الذي يختاره، وفي الوقت الذي يريده.. السفالة والوقاحة، والبجاحة زادت عن كل الحدود وتخطت كل التصورات. عندما قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير، كان شعارها »عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية« هكذا كانت تقول الهتافات.. لكن المسألة تغيرت بقدرة قادر، عندما انسحب الثوار الحقيقيون وتركوا الساحة لغيرهم، بعد ان تصوروا أنهم أدوا ما عليهم.. قطعا لم يكن يخطر علي بال أولئك الثوار ان عدم وجود قيادة واحدة تجمعهم وتحدد لهم خطواتهم التي تقودهم الي الاهداف العظيمة التي خرجوا من أجل تحقيقها.. سيؤدي حتما الي الفشل والضياع. تركوا الساحة للبلطجية، والغوغائيين، والهمجيين، الذين تخيلوا ان الثورة تعني الفوضي والانفلات.. فراحوا يقطعون الطرق، ويعتصمون فوق قضبان السكة الحديد لتعطيل القطارات، واقتحموا المستشفيات، وضربوا الاطباء وسرقوا الادوية والمنشآت، واقتحموا المحاكم، وكسروا ما فيها واعتدوا علي القضاة، وحرقوا اقسام الشرطة وقتلوا الجنود والضباط، وسطوا علي البنوك، ونهبوا المتاجر، واغتصبوا النساء، وخطفوا الفتيات والاطفال، وحصلوا علي كل ما يشتهون بالدراع والمطاوي، والسكاكين، والطبنجات ايضا.. ونسي الجموع حكاية العيش، والحرية، والعدالة، الاجتماعية!! أنني اتجول في شوارع وسط القاهرة، حيث الباعة الجائلون انتشروا فيها كالجراد.. الرصيف ونهر الشارع انشغلوا بعربات الكشري، وحمص الشام، والتين الشوكي، وكل ما يخطر ولا يخطر علي البال من بضائع جديدة، ومستعملة.. والمرور مرتبك، ومواقف الميكروباصات ثلاثة صفوف!! يخطر علي بالي وسط كل هذه المعمعة، وعد الرئيس مرسي باعادة الامن للشوارع.. وتنظيم المرور، وإزالة القمامة، وتوفير العيش، وانابيب البوتاجاز.. فأشعر بالمرارة في حلقي، ويستولي عليًّ الغم ثم اتذكر أن حوالي الشهر انقضي من المئة يوم، فيستبد بي الهم.