حياة الشعوب وتاريخ الامم ليسا جزرا منفصل بعضها عن بعض بل سلسلة متصلة بعض حلقاتها صلب وقوي وبعضها الآخر واهن رخو. وقد تصلح أسماء بعض الحكام عنوانا لمرحلة من المراحل في تاريخ الامة من أجل التمييز عن مراحل أخري. وتكون القيمة الحقيقية لتلك الاسماء هي حجم التغيير الذي أحدثته في حياة هذا الشعب من ناحية الشكل وعمق هذا التأثير من ناحية المضمون من ناحية أخري. ويحاول المحللون والمتابعون رصد بدايات المراحل المرتبطة بأشخاص عسي أن تساعد في استقراء ما هو متوقع من ناحية ومن أجل رؤية ما تحقق من وعود تم قطعها من ناحية أخري. القياس الذي يقوم به المحللون والمتابعون يكون بالمقارنة بما وعد به السابقون علي الرئيس الجديد علي أنفسهم وبما حققوه ومالم يحققوه. أما تقويم المؤرخين فيأتي في مرحلة لاحقة بعد أن تنتهي المرحلة بما لها وما عليها. انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيسا للجمهورية يمثل واحدة من تلك المراحل باعتباره أول رئيس مدني بعد 60 عاما من حكم أبناء المؤسسة العسكرية وباعتباره عضوا في جماعة تصل الي الحكم للمرة الاولي بعد 84 عاما من انشائها وباعتبار التزامه انتخابيا بتنفيذ برنامج الجماعة والحزب المنبثق عنها حال فوزه. وقد وعد الرئيس مرسي بمعالجة خمسة أمور رأي أنها تمثل أولوية خلال المئة يوم الاولي من حكمه وهي الآمن والمرور ورغيف العيش والقمامة والمشتقات البترولية بمختلف مسمياتها. وليس هناك خلاف علي أهمية هذه الآمور التي يعاني منها الناس والتي إن تحققت أو تحقق تحسن ملموس فيها فسوف يكون ذلك مدعاة الي ثقة في الرئيس وفيما يقطعه علي نفسه من وعود. لكن لانه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل ولان توفير الخبز ليس منبت الصلة بحرية الانسان وكرامته بعد أن كان الخيار أمام الانسان في مصر هو إما الخبز وإما الحرية وكانت النتيجة أنه لا وجد الخبز ولا نال الحرية فإن واحدا من التحديات الكبيرة التي تواجه الرئيس مرسي هي تحقيق معادلة الخبز والحرية معا وليس التخيير بين أيهما أفضل أو أيهما أولي فهما صنوان لا يفترقان. بداية البداية أن يكون الرئيس نفسه متحررا من أي قيود الا قيد الالتزام باليمين التي أقسمها ثلاث مرات في ميدان التحرير وأمام المحكمة الدستورية العليا وفي جامعة القاهرة والتي تضمنت المحافظة علي أمرين هما النظام الجمهوري واستقلال الوطن وسلامة أراضيه كما تضمنت رعاية مصالح الشعب رعاية كاملة وتضمنت احترام الدستور والقانون. لكي يكون الرئيس رئيسا لكل المصريين يتعين فيما يتعلق به هو شخصيا ازالة اللبس القائم بينه وبين حزب الحرية والعدالة وبين جماعة الاخوان المسلمين. لقد تعهد المرشح محمد مرسي بالاستقالة من الحزب والجماعة حال فوزه. بعد الفوز نسب الي الحزب والجماعة - في كلام مرسل - أنه استقال منهما. لكن الرئيس مرسي نسب اليه في لقاء مع الصحفيين والاعلاميين أنه استقال من رئاسة الحزب لكنه محتفظ بعضويته فيه ولم يتم ذكر شيء عن عضويته بالجماعة. هذا لبس يتعين أن يزول وعلي لسان الرئيس نفسه.اذا أراد الاحتفاظ بعضوية الحزب والجماعة فهذا حقه وإن أراد الوفاء بما قطع علي نفسه أثناء الحملة الانتخابية فالامر بيده. لكن من حقنا أن نعرف كي نكون علي بينة من الآمر. لان ما نحن فيه بداية مرحلة جديدة فهي فرصة لآن نجعل منها منطلقا لتحديد الحدود بشكل جلي أولا بين سلطات الدولة الثلاث وثانيا بين مؤسسة الرئاسة وبين حزب من الاحزاب وجماعة من الجماعات.المقدمات السليمة تؤدي الي نتائج سليمة وكذلك البدايات.