مصطفى الغزاوى إعلان فوز محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية كان الحلقة الأخيرة في مسلسل أداء الإخوان المعادي للثورة والمناقض لمنطق الثورة في تتابع المهام حال إسقاط رأس النظام والذي بدأ مع لجنة البشري، وانتهي باحتفالية الإخوان أنهم فازوا بمنصب الرئيس. وليس من الإنصاف وصف انتخاب مرسي انه خطوة علي طريق الثورة، ويمكن أن يكون سقوط احمد شفيق هو رفض للنظام السابق، ولكن لا استطيع تسكين مرسي ضمن حركة الثورة، وإلا وجب وضع استفتاء مارس وقانون انتخابات مجلس الشعب وأداء الإخوان طوال الفترة الماضية وخلال جميع المواجهات التي سقط فيها الشباب قتلا وسحلا وصمتهم علي ذلك كله وأداؤهم في شأن الدستور والجمعية التأسيسية لوضعه، وأخيرا موقفهم من قرار المحكمة الدستورية بشأن عدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب، وجب ان نضع كل ذلك لصالح الثورة!. مراجعة اعداد الاصوات بين المرحلتين الاولي والثانية، يجلب امامنا حقيقة ان قرابة السبعة ملايين صوت اضيفت الي كلا المرشحين، وهذه الملايين السبع علي كلا الجانبين كانت ترفض اعادة التظام من ناحية وترفض الاخوان من ناحية اخري، وهي اصوات ليست لاي من المرشحين بقدر كونها اصواتا لا تملك سوي الرفض لما يعبر عنه أي منهما. يجوز للإخوان إن تقيم الأفراح لفوز مرسي، ولكن هل هذا معناه أن أداء الإخوان خلال السبعة عشر شهرا الماضية نال الرضا، وانتقل من خندق مضاد للثورة وغلَّب مصلحة الجماعة علي أهداف الثورة ومهامها الواجبة، ووضع الجميع في متاهة الانفلات القانوني والدستوري، لتستعذب الجماعة في نهاية الفترة الماضية ان تطرح نفسها تعبيرا عن الثورة !؟. وهو امر لا وجود له في يوميات الفترة الماضية. والأكثر افتقارا للمنطق موقف الجماعة ومريديها، ومن اصطفوا إلي جانبها، من حكم المحكمة الدستورية بشأن حل مجلس الشعب، ومرد الرفض، أكثر تشوها وتناقضا في التعامل مع العقول، فقال قائل منهم "كيف تحكم المحكمة الدستورية في شأن مجلس الشعب، وهناك قانون بشأن المحكمة الدستورية داخل اللجنة التشريعية بالمجلس؟"، وهو أمر يثير الريبة عن ماهية القصد من وراء مشروع القانون ذلك، وهل عرض قانون إخواني بشأن المحكمة الدستورية يعني إيقاف عملها؟. ويخرج متحدث آخر يتباكي علي تكلفة عملية الانتخابات وتكلفة المرشحين في اعمال الدعاية، وكأن الأموال المنصرفة تجيز إهدار حكم عدم دستورية قانون الانتخابات!. ويصل الرأي لدي بعض آخر بالتعامل مع القانون بنظام التجزئة، ويقولون بان الحكم ينصرف علي ثلث الاعضاء وليس كلهم!. ما هو المنطق الذي يضع هذه الاراء والمواقف في اطار الثورة؟، وتجب لها الحشود الجماهيرية بالتحرير، بل ويجتمع عليها بعض ممن يحسبون علي الثورة وعيا، منادين وجوب التعلم من الخروج من التحرير يوم 11 فبراير، وهو ما يعني عدم الخروج من التحرير الا بالغاء الحكم!!، قولة حق ولكنها ليست للثورة او دعما لإرادة التغيير الشعبية، ولكنها انسياق وراء رغبة الجماعة في امتلاك اليد العليا لما تقرر وما ترفض. آفة ما نعانيه في مصر الآن هو النسيان، وفقدان الذاكرة القريبة، وتغيير المواقف علي الاهواء، فلأن شعار "لا لحكم العسكر" يجد رنينه عند الكثيرين، يسقطون من الحساب تحليل القوي التي وقفت في مواجهة الثورة، ولا تنتمي لها اداء ومنهجا وسياسات وموقفا من امريكا واسرائيل او حتي وعيا بالهوية المصرية، فهل صكوك الغفران لأعداء الثورة انتقائية ايضا؟. هل يملك احد اجابة تحدد من حصل علي كرسي الرئاسة؟ مرسي ام جماعة الاخوان؟ هل يقبل احد بان مرسي خرج من عباءة الجماعة؟ هل يستطيع احد ان يجري توصيفا للخطاب السياسي لمرسي؟ اعتقد ان ذخيرة الرجل السياسية واللغوية ايضا، تعجز عن التعبير عن الثورة المصرية وحاجاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية؟ هل يملك احد القدرة علي الفصل بين الجماعة وحزب الحرية والعدالة؟ وهل هذا امر متسق مع قانون الاحزاب؟ هل يملك المستشار الجليل رئيس لجنة الاحزاب تفسيرا لهذا؟ هل يملك احد مبررا قانونيا لاستمرار وجود الجماعة خارج القانون؟ هل يستطيع احد ان يكشف اغوار خطة الجماعة تجاه الصحافة المصرية؟ والاعلام المملوك حتي اللحظة للدولة؟ هل يملك احد تصورا لخطة الجماعة تجاه الازهر؟ هل يستطيع احد ان يفسر العلاقة بين امريكا واسرائيل، عبر ممثليهم بالقاهرة، دبلوماسيين او تجاريين، او في واشنطن، وبين الجماعة؟ هل يملك احد تفسيرا للحدود الحاكمة لعلاقات الجماعة الخارجية، وبالتالي علاقات مرسي؟ هل يملك احد معني اللقاء الاستراتيجي بين الجماعة وحركة حماس، وبالتالي علاقة مرسي بذلك؟ وهل هناك من يملك تفسيرا لموقف الجماعة من الجمعية التأسيسية للدستور وضربها عرض الحائط بكل محاولات التوفيق والتلفيق لتمرير تشكيل متوازن للجمعية؟ أليست هذه واحدة من القنابل الموقوتة التي وضعها البشري؟، ثم هل تملك الجماعة مشروعا كاملا للدستور وتريد تمريره؟ ثم هل هناك من يملك تفسيرا لاحاديث الخلافة والقدس والعنف والدم ومرشح الله، التي دارت خلال فترة انتخابات الرئاسة، كما دارت احاديث التكفير في استفتاء مارس 2011 .. منذ البشري وحتي مرسي، تتبع الجماعة سياسة نعم ولكن؟ في حوارها من عمر سليمان وخروجها من الميدان وسياسة الفرقة بين الشباب حتي تلك اللقاءات الأخيرة مع عناصر صار لأسمائها لمعان وبريق بسبب الثورة، وجل عطائها أنها أسماء. وفي التعامل مع الرأي العام تتبع سياسة "المعزة العياطة لا يأكلها الذئب"، وهذا النوع من الماعز العياط يثير انتباه الراعي، فيهب إليه خشية أن يأكله الذئب، والأمر لا يعدو جذب الانتباه وتوفير الرعاية لحين تحقيق الغاية. القول بأن اللقاء واجب الآن مع الجماعة هو إهدار لدروس المرحلة الماضية والوعي بالمواقف السلبية والمعادية خلالها، من حق الجماعة ان تقرر أمرها وفق ما تري، ولكن ليس من حقها احتساب ادائها علي الثورة، وليس هناك من يملك صكوك الغفران ولا من يملك الحديث باسم الثورة، فالثورة عمل، وليست مجرد رحلة أقوال لا تتعدي أفواه قائليها، بينما أفعالهم مناوئة للثورة. ان المواقف التي انطلقت خلال الأيام الماضية في مواجهة الجماعة تبدو كغثاء السيل، فهي في منتهاها لا تعدو آحاد الأفراد، ولا تعبر عن عمق مجتمعي. حتي إن البعض منهم يبحث عن السيد الذي يناديه كي ينقذه، وصارت تلك الجماعات عبئا علي الثورة وليست قوة مضافة اليها. ان فوز مرسي لا يعني محطة وصول للثورة تنطلق بعدها إلي مهام جديدة، ولكنه مجرد خطوة علي طريق خريطة الأداء التي قررها البشري ولجنته وجماعة الإخوان، وربما لا يطول زمن رئاسته لعام واحد ان لم يتضمن الدستور القادم حكما انتقاليا يستكمل بمقتضاه مدة الرئاسة كاملة. ان الحديث عن انقلاب ناعم قام به المجلس الاعلي أتمه باحكام الدستورية والاعلان التكميلي وقرار الضبطية القضائية وتشكيل مجلس الدفاع، ممكن، ولكم ان ترفضوا ما تشاءون او تقبلوا، ولكن الم يكن استفتاء مارس انقلابا علي الثورة؟ الم يكن قانون انتخابات مجلس الشعب انقلابا آخر؟، الم تكن كل محاولات تغيير الهوية المصرية انقلابا ثالثا؟ أليس تشكيل الجمعية الدستورية انقلابا مستمرا حتي الآن؟.. هذه الانقلابات في مجموعها تصدر من خندق ضد للثورة، ولكن الانقلاب العسكري الناعم الاخير يكاد يكون محاولة لإعادة تصحيح المسار جاءت متأخرة سبعة عشر شهرا. لا يرغب عاقل ان يهدر الوقت كما اهدرتموه، ولا ان يثير الفوضي القانونية والدستورية كما تفعلون، ويجب علي أي عاقل يعي اهداف الثورة ان يعيد تقييم الاداء لكافة الاطراف. وسوف يظل عالقا بثوب الهتافات نقطة سوداء لم يتحدث في شأنها احد بشجاعة، ماذا تعنون بهتاف "يسقط حكم العسكر"؟. ويجري الحديث ان حكم العسكر كان منذ عام 1952، ولكم هذا، ولكن ماذا تملكون انتم لوطنكم حتي اللحظة غير هتاف بلا رؤية ولا مضمون وبدون قيادة ودفعتم بشباب الثورة الي الاستشهاد والاصابة والامراض النفسية، وهربوا من ادعاءاتكم الي السكون، يقاومون الاحباط، لانهم لم يجدوا مثلا اعلي بينكم، ووجدوا بديل ذلك تكالبا علي منافع خاصة لا حد لها، ووجدوكم تضعون ايديكم في ايدي من قتلوا رفاقهم، ووجدوكم تجعلون من الشهداء مجرد مصدر للتعويضات ونسيتم قضيتهم التي استشهدوا من اجلها. وللحديث بقية في مقال قادم.