أحمد طه النقر لم أنتخب الدكتور محمد مُرسي ..ولكن قرار لجنة الإنتخابات الرئاسية الذي أعلن فوزه كان بالنسبة لي القول الفصل..أصبح مُرسي رئيسا لي ولكل المصريين بصرف النظر عن حصوله علي نحو ربع أصوات المواطنين الذين لهم حق الإنتخاب.. فتلك هي قواعد الديمقراطية التي يتعين أن نحترمها وندرب انفسنا علي التسليم بنتائجها حتي ولو لم تكن علي هوانا.. الآن .. نحن أمام أول رئيس مدني منتخب..وهو أول رئيس للبلاد بعد ثورة 25 يناير المجيدة .. وكثير من المصريين ، وأنا منهم ، لم يسعدهم فوز مُرسي ولكنهم فرحوا لسقوط أحمد شفيق مُرشح فلول النظام السابق والذي كان نجاحه سيعني موت الثورة سريريا أو نهائيا..غير أنني لا أعتبر وصول مرشح الإخوان المسلمين "الإحتياطي" الي كرسي الرئاسة نجاحا للثورة ، بل أراه مجرد خطوة أولي لوضع الثورة علي الطريق الصحيح لو تحققت بعض الشروط.. وقبل التعرض لتلك الشروط يتعين الإشارة الي أن جماعة الإخوان المسلمين وجناحها السياسي ، حزب الحرية والعدالة، لم يكتفيا بالتخلي عن الثورة والثوار والإنسحاب من الميدان مبكرا طمعا في قطف الثمار السياسية ، بل إنهما هاجما ثوار التحرير ووجها اليهم الاتهامات ذاتها التي كان يوجهها اليهم نظام حسني مبارك، ناهيك عن تشويه الميدان وإعلانهم أن شرعية البرلمان ، الذي حصدوا اكثرية مقاعده، تجُبُ شرعية الميدان.. وذلك قبل أن يعودوا الي "التحرير" ويلوذوا به منكسي الرءوس بعد حل البرلمان!!.. وليس من المبالغة القول إن الإخوان شاركوا المجلس العسكري في كل الاخطاء والخطايا التي شهدتها المرحلة الانتقالية بدءا من التعديلات الدستورية المعيبة ، ومنها المادة 28 من الإعلان الدستوري التي حصنت قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية ضد الطعن، ومرورا بتديين الاستفتاء علي تلك التعديلات ، وانتهاء بقانون انتخابات البرلمان الذي ابطلته المحكمة الدستورية العليا ..أما عن آداء مجلس الشعب الذي زعموا أنه برلمان الثورة فحدث ولا حرج!!.. كل هذه المقدمات الفاسدة كان لا بد وأن تؤدي الي نتائج اكثر فسادا لنصل الي المأزق الحالي بعد أن ضاع منا اكثر من عام ونصف العام من عمر الثورة والوطن لنجد انفسنا في المربع الاول مطالبين بأن نبدأ بوضع الدستور أولا!!.. وأعود الي الشروط التي لو تحققت فإن بإمكاننا إعتبار دخول الدكتور مُرسي الي قصر الرئاسة خطوة اولي لوضع الثورة علي الطريق الصحيح مع التسليم بصعوبة المهمة وبأن شعبيته متدنية بسبب انتمائه لتنظيم ديني لم يُثبت أبدا أنه مخلص للثورة وأهدافها..ويتمثل أول هذه الشروط في العمل الحثيث علي تحقيق أهداف الثورة وهي الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم..وثانيها أن يبدأ الدكتور مُرسي ، وعلي الفور، مصالحة وطنية شاملة مع كل القوي السياسية بمن فيهم الذين انتخبوا شفيق ، علما بأن أغلب مَن إنتخبوا هذا الاخير فعلوا ذلك ليس حبا فيه ، وإنما رفضا للإخوان وكراهية لهم..وعلي الدكتور مُرسي أن يدرك جيدا أن ميدان التحرير الذي ذهب اليه ، إستجابة لضغوط قيادات إخوانية يبدو أن لها تأثيرا قويا عليه ، ليس هو الميدان الذي عرفناه حضنا لكل المصريين دون إقصاء أو تمييز..فقد حشد الإخوان والسلفيون قواعدهم الجماهيرية التي أتت من العاصمة والاقاليم بصورة منظمة لتحقيق أهداف الجماعة والحزب ، وتعاطفت معهم بعض القوي الثورية بحسن نية ..غير أن الجميع يدركون بل ويتوقعون أن يسحب الإخوان عناصرهم في أي لحظة حسب الصفقات والمواءمات وترك المتضامنين معهم لمصيرهم..فضلا عن ذلك فإن التحرير صار فئويا وطائفيا ولا يعبر عن الوجه الحقيقي المدني لثورة 25 يناير..أما إذا أشرنا الي عشرات الآلاف من أنصار شفيق ومؤيدي القوات المسلحة الذين احتشدوا أمام المنصة في مدينة نصر ، فيجب أن نعترف بأن هؤلاء ، رغم خلافنا معهم، يمثلون نحو نصف الناخبين الذين ذهبوا الي صناديق الإقتراع ، وهم من رعايا الدكتور مُرسي وعليه مخاطبتهم حتي لو كانوا من أشد معارضيه.. ويتصل بملف المصالحة قضية الوحدة الوطنية التي يجب أن تكون أهم أولويات الرئيس المنتخب ، إلي جانب ملف مياه النيل..وعلي الدكتور مُرسي أن يسارع الي طمأنة الاخوة المسيحيين الذين أُصيب الكثير منهم بالفزع والهلع نتيجة التصريحات غير المسئولة من قيادات وقواعد الإخوان والسلفيين بشأن تطبيق الشريعة ، وهي المخاوف التي عززها إصرار هذا المعسكر علي اختطاف الدستور من خلال تشكيل جمعية تأسيسية جديدة يمثل انصاره حوالي 67 ٪ من مجمل أعضائها!!.. نعم ..هناك رعب وترويع دفع العديد من شباب المسيحيين بعد الثورة الي التفكير في الهجرة خارج مصر..ولا ابالغ عندما اقول إن هذا الرعب قد تسرب الي أنا شخصيا منذ علمتُ قبل يومين من ناشطة حقوقية مسيحية أن كل أفراد عائلتها وعائلة زوجها تقريبا هاجروا الي كندا واستراليا وامريكا بعد الثورة..وحكت لي أنها باتت تخشي علي ابنتها من الخروج الي الشارع ومن جو الارهاب والترهيب باسم الدين الذي يسود مختلف مناحي حياتنا..وهنا نطالب الدكتور مُرسي بإعلان واضح يؤكد فيه أن أي تمييز أو عدوان علي حقوق المسيحيين سيكون بمثابة عدوان علي الرئيس شخصيا..مع التأكيد علي حرية العقيدة والعبادة وحق المسيحيين في بناء وترميم كنائسهم. وثالث الشروط أن يعيد الرئيس المنتخب تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بما يحقق التوافق المجتمعي ويضمن تمثيل جميع مكونات المجتمع بعيدا عن المحاصصة الحزبية ، وصولا الي دستور يحمي مدنية الدولة ويمنع وقوع البلاد في قبضة الديكتاتورية العسكرية أو الاستبداد باسم الدين..