اذا كنت أشك ان اعلان فوز د. مرسي بمنصب رئيس الجمهورية قد جنب البلاد شر اضطرابات عنيفة كانت تنتظرها، فإنني لا اشك في أن هذا الاعلان لن يجنب البلاد من صدامات سياسية تنتظرنا قريبا.. فاذا كان صعبا علي جماعة الاخوان ان تنفذ تهديدات بعض من ينتمون اليها اذا لم يعلن فوز مرسي، فإنه لن يكون صعبا عليها ان تخوض صراعات سياسية خاصة، بعد ان قبضت بيدها علي المنصب التنفيذي الأهم، وهو منصب رئيس الجمهورية. ولذلك يبدو ان الصدامات السياسية ستكون قدرنا القريب لان حسم معركة الرئاسة واعلان فوز د. مرسي لم ينه خلافات سياسية قديمة وأخري استجدت مؤخراً.. فاستقالة الرئيس المنتخب من جماعة الاخوان ورئاسة حزبها »الحرية والعدالة« لا تعني انه بذلك تخلي فجأة عن افكارها ورؤاها وايديولوجيتها السياسية، وبالتالي عن مواقفها السياسية التي كان يرددها أثناء حملته الانتخابية، وظل يفعل ذلك حتي بعد انتهاء المعركة الانتخابية وقبيل الاعلان عن فوزه بالانتخابات الرئاسية. وجماعة الاخوان مازالت ترفض حتي الآن تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الذي يقضي ببطلان قانون الانتخابات البرلمانية، وبالتالي انعدام وجود مجلس الشعب، كما ترفض القبول بالاعلان الدستوري المكمل الذي يحدد صلاحيات الرئيس ودور المؤسسة العسكرية فيما يتبقي من زمن المرحلة الانتقالية.. وكذلك تصر الجماعة علي المضي قدما في اعداد الدستور الجديد، رغم اعتراضات قوي سياسية علي هيمنة الإخوان علي التأسيسية الثانية للدستور.. وكل ذلك سيكون سببا للصدامات السياسية التي تنتظرنا خلال الايام القادمة. وهذه الصدامات لا مفر منها في ظل كل هذه المواقف الإخوانية التي لم يغير الاعلان عن فوز د. مرسي منها شيئا حتي الآن.. وإذا كان الاخوان أعلنوا علي لسان أحد قيادتهم قبولهم ان يحلف الرئيس المنتخب امام المحكمة الدستورية، فإنهم اهتموا بالتأكيد علي ان ذلك لا يعني قبولا منهم بحل مجلس الشعب.. بل انهم مازالوا يرون أن هذا المجلس مازال قائما لانهم لا يعترفون بحكم المحكمة الدستورية في هذا الصدد ويلجأون لبعض الحيل القانونية للتهرب من تنفيذه، رغم انه نافذ منذ نشره في الجريدة الرسمية ويريدون إحياء مجلس الشعب بعد ان اصبح منعدما بحكم المحكمة الدستورية، وهو امر مستحيل علي المجلس العسكري القبول به، ليس فقط لان القانون يعاقب بالحبس كل من لا ينفذ حكما قضائيا، وانما لان التراجع عن تنفيذ حكم المحكمة الدستورية يعني هدما لمؤسسة القضاء التي نعترف بها ونفخر بأنها انجزت لنا انتخابات رئاسية نزيهة، وسوف يفتح الباب امام عدم تنفيذ أي احكام قضائية، بما فيها الحكم القضائي الصادر بحق الرئيس السابق.. واذا حدث ذلك وقبل المجلس العسكري تحت ضغوط الاخوان عدم تنفيذ حكم حل البرلمان فإنه سوف يضع نفسه في مواجهة مع السلطة القضائية، لان القضاء لن يقبل ابدا عدم احترام احكامه، وسينحاز لها معظم المصريين واحسب ان المجلس العسكري لا يريد ان يضع نفسه في مثل هذا الموقف الحرج. غير ان اهم اسباب الصدامات السياسية المرتقبة ترتبط بالدستور الجديد، في ظل عدم التوافق حوله وحول تشكيل اللجنة التأسيسية المكلفة اعداده، نظرا لاصرار الاخوان علي ان تكون لهم الغلبة في هذه اللجنة، وهذا يفسر احد اسباب الاعتراض الاخواني علي الاعلان الدستوري المكمل لانه يمنح المجلس العسكري حق اعادة تشكيل تأسيسية الدستور اذا ما واجهت التأسيسية الحالية ما يعترض استمرار عملها. ويزيد من احتمالات حدوث الصدام ان المجلس العسكري حريص علي امرين في الدستور الجديد.. الأول هو مدنية الدولة، والثاني وضع خاص للمؤسسة العسكرية يحمي اسرارها وكيانها الاقتصادي.. وفي المقابل فإن الاخوان يراوغون طوال الوقت حتي لا يعترفوا بالدولة المدنية بل ان الخطاب الاول للرئيس المنتخب خلا من أي اشارة حولها.. كما ان الإخوان خاصة بعد ان وصولوا إلي الحكم لا يرغبون في أي وضع خاص للمؤسسة العسكرية.. ولذلك سوف يقاوم الإخوان اعادة تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور اذا ما تعثرت، وسوف يقاومون أكثر ان يشمل الدستور علي أية مواد تحدد الهوية المدنية للدولة المصرية. وحتي إذا كان الاخوان قبيل الاعلان عن فوز د. مرسي قد توصلوا إلي تفاهمات مع المجلس العسكري حول الامور والقضايا المختلف عليها فإن تلك التفاهمات لن تمنع حدوث الصدامات السياسية التي تنتظرنا قريبا بعد انتهاء الفترة الاحتفالية التي تطغي عليها المجاملات البروتوكولية.. فقد عهدنا في الاخوان طوال الشهور الماضية تراجعهم عن العديد من التفاهمات والاتفاقات التي سبق ان التزموا بها.. بل ان بعض هذه الاتفاقات لم تستمر سوي بضعة ساعات مثلما حدث في الاتفاقات الخاصة بتشكيل تأسيسية الدستور.. لذلك اذا كان ثمة تفاهم حقا قد حدث مع الاخوان قبل اعلان فوز د. مرسي فإن احتمال تراجعهم عنه قائم، خاصة ان ذلك.. ان كان قد حدث، سبقته مليونية مدينة نصر التي كشفت عن ان سلاح الحشد الجماهيري لا يحتكره الاخوان وحدهم.. اما اذا لم يحدث تفاهم فإن احتمالات التصادم سوف تزيد أكثر خاصة حول الدستور.