ياسر رزق يبدو الشارع المصري گمن يجلس مقيداً في غرفةٍ موصدة ، علي مقعدٍ فوق قنبلةٍ زمنية موقوتة بلحظة إعلان النتيجة اليوم .. تعلن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية قرارها في شأن جولة الإعادة، ومع القرار يتحدد مصير البلاد. ليس المهم اسم الفائز، وهل سيكون الدكتور محمد مرسي أو الفريق أحمد شفيق. المهم أن يكون الرئيس المنتخب هو الفائز الشرعي، بأصوات الناخبين دون سواهم، وبإرادة الجماهير دون غيرها، وبالاختيار الطوعي الحر. المهم ألا يكون الفوز ناتجاً عن رضوخ لضغوط مورست، أو مشوباً بشكوك تقوض شرعية أول رئيس لمصر بعد ثورة يناير. علي أن الأهم ألا تخسر مصر من فوز هذا أو ذاك! منذ بدء عمليات فرز الأصوات، بدا الشارع المصري أشبه بمن يمارس علي غير رغبته رياضة »الركمجة« أو ركوب الأمواج العالية، يصعد في لحظة إلي قمة الموجة ويهبط في أخري إلي سفحها تبعا لنتائج تعلنها حملة مرشح، ونتائج أخري تؤكدها حملة مرشح آخر. ومع تأجيل الموعد الذي كان مقرراً لإعلان النتائج النهائية، وذيوع أنباء عن وجود طعون جدية تقدح في سلامة التصويت وربما تحوِّل دفة النتيجة لصالح مرشح عن آخر، انتابت الشارع المصري حالة توجس من خطر محدق، بدلا من حالة ترقب مفهومة لإعلان نتيجة يفترض أن يقبلها الفائز والخاسر وأن يتقبلها الجميع. وبدا المواطن المصري قبل الإعلان الوشيك لقرار اللجنة العليا، كمن يقبع في غرفة موصدة يجلس مقيداً علي مقعد فوق قنبلة زمنية موقوتة بلحظة إعلان النتيجة! المسئول عن هذه الحالة المحزنة، ودون مواربة، هو د. مرسي وحملته، والفريق شفيق وحملته، واللجنة العليا للانتخابات الرئاسية التي أحجمت عن التدخل مبكراً لوقف اغتصاب سلطتها من جانب الحملتين في إعلان النتائج، وحين تنبهت وتدخلت كان الوقت قد فات، وكانت الشكوك قد انطلقت تعربد في الصدور! أمام اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية أحد قرارين: الأول: إعلان فوز أحد المرشحين، مع إذاعة حيثيات الفوز مصحوبة بنتائج تفصيلية مقنعة للجماهير ، ومسببات الأخذ بطعون ورفض أخري، بشفافية وإجلاء للحقائق. ورغم ذلك لست أظن أن نصف الشارع المصري سوف يقبل فوز مرشح، ولا النصف الثاني سوف يبارك فوز المرشح الآخر، فالتصورات عن النتائج أقوي من الحقائق، والشكوك أرسخ من الوقائع، وأحاديث المؤامرات والصفقات يصعب أن تفندها أي حيثيات مهما توخت الحيدة والموضوعية! الثاني: أن تقرر اللجنة إعادة الانتخاب في بعض اللجان التي يثبت حدوث تلاعب فيها يؤثر علي صحة نتائجها، أو أن تقرر إذا وقر في وجدان أعضائها أن النتائج التي بين أيديهم لا تعبر تعبيراً صادقاً عن إرادة الناخبين واختيارهم الحر، إلغاء الانتخابات برمتها وإعادة فتح باب الترشيح في وقت لاحق. إذا اتخذت اللجنة العليا قرارها بإعلان فوز مرسي أو شفيق، سيأتي الرئيس القادم إلي سدة الحكم محاطاً بشكوك عميقة في شرعية مجيئه، وسيجلس علي مقعد رئاسة مزعزع القوائم، ومن ثم فإن عليه مسئولية كبري تسبق مهمة استعادة الأمن وإنقاذ الاقتصاد، هي كسب ثقة أصحاب الشكوك والظنون، عن طريق إعلان واضح بفتح ذراعيه لكل القوي السياسية وتشكيل مؤسسة حكم تجمع كل الفرقاء دون إقصاء، وعن طريق إقرار لا لبس فيه باحترام أحكام القضاء في دولة القانون. ولعل ما قد يهدئ خواطر كل طرف، أن الرئيس القادم سوف تنتهي مدته فور موافقة الشعب علي الدستور الجديد الذي ينص علي نظام سياسي مختلف عن النظام المعمول به حاليا وهو النظام الرئاسي ويتضمن صلاحيات وسلطات للرئيس أضيق من تلك التي خاض علي أساسها الانتخابات، وربما يري واضعو الدستور أن يتضمن الدستور الجديد في باب الأحكام الانتقالية مادة تتيح للرئيس استكمال مدته الرئاسية البالغة أربع سنوات إلي نهايتها، غير أن ذلك يرتبط قطعاً بالتوافق العام ومدي تقبل الشارع للرئيس الجديد في شهوره الأولي وحكمه المؤقت. أما إذا اتخذت اللجنة قرارها بإلغاء نتيجة الانتخابات برمتها، إذا ثبت لها بالبراهين القاطعة أن العملية الانتخابية شابتها مخالفات جسيمة تقدح في صحة النتائج وتنأي بها عن التعبير عن إرادة الناخبين، فسوف تكون الفرصة سانحة للعودة بالعملية السياسية إلي مسارها السليم الذي كان ينبغي أن نسلكه منذ البداية، وهو وضع الدستور، ثم الانتخابات البرلمانية، فالانتخابات الرئاسية. قد يبدو هذا القرار صعباً، وربما يتصوره البعض بعيداً عن التحقق، لكن كثيرين يعتقدون أنه الأنسب والأسلم. في هذه الحالة.. لا أظن أن استمرار المرحلة الانتقالية بالشكل الحالي لسلطة الحكم سيكون مناسباً، أو محل اتفاق، بل ربما يثير أقاويل عن تمسك المجلس العسكري بالسلطة، ويطلق ادعاءات عن أنه وراء تدبير كل ما انتهت إليه المرحلة الانتقالية الأولي، ليظل باقيا في الحكم. الأوفق في رأيي إذا توصلت اللجنة إلي قرار بإلغاء الانتخابات وإعادة فتح باب الترشيح، أن يتشكل مجلس رئاسي انتقالي مختلط يدير مرحلة الانتقال الثانية »دستور انتخابات برلمانية انتخابات رئاسية« في مدة محددة قدرها ستة أشهر، علي أن يضم اثنين من العسكريين هما رئيس المجلس الأعلي ونائبه، وخمسة من الشخصيات الوطنية المشهود بإخلاصها والمعروف عنها إسهامها في التبشير بالثورة وتفجيرها، علي أن تمثل مختلف ألوان الطيف السياسي. أعود مرة أخري وأقول إنه أيا كان القرار المرتقب للجنة العليا للانتخابات الرئاسية، لابد من تقبله وعلينا احترامه، وإلا فلن تنجح لنا أي انتخابات في المستقبل، وربما يكفر البعض بالديمقراطية ويراوده الحنين إلي عهد الاستبداد! لا أحد من عموم المصريين يرغب في انقسام المجتمع ولا في استمرار التراشق بين القوي السياسية، ولا أحد بالقطع يتمني الصدام بين الجيش وأي جماعة سياسية. كفانا اضطرابات وكفانا دماء. كل ما نتمناه رئيس شرعي للبلاد الآن، أو بعد حين.. هل هذا كثير علي المصريين؟!