ترامب: سنجري اختبارات على أسلحة نووية مثل دول أخرى    فلسطين.. جيش الاحتلال يعتقل 3 فلسطينيين من مخيم عسكر القديم    ترامب: الولايات المتحدة ستجري اختبارات نووية مثل باقي الدول    بشكل فوري، ترامب يأمر بإعفاء مجموعة واسعة من واردات الأغذية من الرسوم الجمركية    العنف المدرسى    أحمد سعد يتعرض لحادث سير ويخضع لفحوصات عاجلة بالمستشفى    مصطفى كامل يكشف الحالة الصحية للمطرب أحمد سعد بعد تعرضه لحادث ونقله إلى المستشفى    انفراد ل«آخرساعة» من قلب وادي السيليكون بأمريكا.. قناع ذكي يتحكم في أحلامك!    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    ممدوح جبر: لأول مرة إدارة ترامب تتحدث رسميًا عن إقامة دولة فلسطينية    مقتل 7 أشخاص وإصابة 27 إثر انفجار مركز شرطة جامو وكشمير    جهود مكثفة لضبط سائق دهس 3 طلاب أثناء سيرهم بالمقطم    المنتخب الكرواتي يتأهل إلى كأس العالم 2026    تفاصيل مشروعات السكنية والخدمية بحدائق أكتوبر    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    طقس غير مستقر وشبورة كثيفة.. الأرصاد تكشف توقعات السبت 15 نوفمبر 2025    أموال المصريين غنيمة للعسكر .. غرق مطروح بالأمطار الموسمية يفضح إهدار 2.4 مليار جنيه في كورنيش 2 كم!    نانسي عجرم تروي قصة زواجها من فادي الهاشم: أسناني سبب ارتباطنا    استقرار سعر الريال السعودي أمام الجنيه المصري خلال تعاملات السبت 15 نوفمبر 2025    هولندا تضع قدما في المونديال بالتعادل مع بولندا    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    عمرو عرفة يحتفل بزفاف ابنته بحضور ليلى علوي ومحمد ورامي إمام وحفيد الزعيم    "رقم واحد يا أنصاص" تضع محمد رمضان في ورطة.. تفاصيل    نانسي عجرم: شائعات الطلاق لا تتوقف منذ زواجي.. ولا أقبل أن أعيش غير سعيدة    مسئول أمريكي: نزيد الضغط على أطراف الحرب بالسودان نحو محادثات لوقف القتال    شتيجن يطرق باب الرحيل.. ضغوط ألمانية تدفع حارس برشلونة نحو الرحيل في يناير    صدمة في ريال مدريد.. فلورنتينو بيريز يتجه للتنحي    إلى موقعة الحسم.. ألمانيا تهزم لوكسمبورج قبل مواجهة سلوفاكيا على بطاقة التأهل    إبراهيم صلاح ل في الجول: أفضل اللعب أمام الأهلي عن الزمالك.. ونريد الوصول بعيدا في كأس مصر    فرنسا: 5 منصات تجارية تبيع منتجات غير مشروعة    عصام صفي الدين: السلوكيات السلبية بالمتاحف نتاج عقود من غياب التربية المتحفية    سفير السودان بالاتحاد الأوروبي يشيد بالدور المصري ويشدد على وحدة السودان واستقراره    قائد الجيش الثالث: الدور التنموي يكمن في توفير البيئة الآمنة لتنفيذ المشروعات القومية    مصر تبيع أذون خزانة محلية ب99 مليار جنيه في عطاء الخميس.. أعلى من المستهدف بنحو 24%    اليوم.. انقطاع الكهرباء عن 31 قرية وتوابعها بكفر الشيخ لصيانة 19 مغذيا    حسام حسن: هناك بعض الإيجابيات من الهزيمة أمام أوزبكستان    زعيم الثغر يحسم تأهله لنهائي دوري المرتبط لكرة السلة    إخماد حريق في مخبز وسوبر ماركت بالسويس    اليوم.. أولى جلسات استئناف المتهمين في حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية    رئيس قناة السويس: تحسن ملحوظ في حركة الملاحة بالقناة    بيان من مستشفى الحسينية المركزي بالشرقية للرد على مزاعم حالات الوفيات الجماعية    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ويتكوف يخطط للقاء رئيس حركة حماس خليل الحية.. البرهان: على كل السودانيين المشاركة فى المعركة ضد الدعم السريع.. وهجوم مجهول بصاروخى كاتيوشا على دمشق    رئيس الطب الوقائى: نوفر جميع التطعيمات حتى للاجئين فى منافذ الدخول لمصر    آخر تطورات الحالة الصحية لطبيب قنا المصاب بطلق ناري طائش    الباز: العزوف تحت شعار "القايمة واحدة" عوار يتحمله الجميع    تربية عين شمس تحتفي بالطلاب الوافدين    «الصحة» تنظم جلسة حول تمكين الشباب في صحة المجتمع    انطلاق برنامج دولة التلاوة عبر الفضائيات بالتعاون بين الأوقاف والمتحدة في تمام التاسعة    أذكار المساء: حصن يومي يحفظ القلب ويطمئن الروح    الائتلاف المصري لحقوق الإنسان: صعود المستقلين وتراجع المرأة في المرحلة الأولى لانتخابات النواب    تكافؤ الفرص بالشرقية تنفذ 9 ندوات توعوية لمناهضة العنف ضد المرأة    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تناقش النظام الغذائي ونمط الحياة الصحي    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    الثلاثاء.. إعلان نتائج المرحلة الأولى وبدء الدعاية الامنخابية لجولة الإعادة    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الآخبار
حلم الدگتور زويل.. وجامعة النيل
نشر في الأخبار يوم 23 - 06 - 2012

مستقبل الامم، وتطور الشعوب، وتقدم الدول، يرتبط ارتباطا وثيقا بالعلم والعلماء، فعلي قدر علمها يكون تقدمها، وعلي قدر علمائها تكون مكانتها وقوتها، ويكون تطورها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بل والسياسي ايضا
رغم الأحداث الساخنة والوقائع الملتهبة أحياناً، والمتفجرة أحياناً أخري، التي تجري علي الساحة السياسية، وبالرغم من تأثيراتها بالغة الشدة والعنف علي الساحة الاجتماعية، وما تعكسه بالسلب علي عموم الناس، وما أدت إليه من تصاعد واضح لحالة القلق والتوتر العصبي والنفسي لدي جميع المواطنين، إلا أنني يراودني إحساس يقيني بأن تلك كلها حالة مؤقتة، بل ومتفهمة في حدود كونها متوقعة الحدوث في جميع المجتمعات والشعوب التي تمر بمتغير جسيم في مسار حياتها يفرض واقعاً جديداً غير ما كان، يختلف في مجمله وتفصيلاته عما كان سائداً ومتعارفا عليه طوال سنوات سابقة.
وفي هذا الاطار أحاول جاهداً مد البصر عبر ما هو واقع، إلي ما هو قادم، هذا بالرغم من انشغالي بالآني من الأحداث مثل بقية خلق الله، ومبعث ذلك يعود إلي ما رسخ في أعماقي دائماً وأبداً بأن الواقع دائماً متغير، وأن هذا التغير وقف في نوعه وماهيته علي إرادة الإنسان، وجهده، وعلي قدر إصراره علي إحداث التغيير وقدرته علي الفعل يكون التغيير إلي الأفضل أو إلي الأسوأ، هذا بعد إرادة الله وقدره سبحانه وتعالي جلت قدرته.
ولذا فلدي إيمان كامل يصل إلي اليقين، بأن مصر الغد يمكن أن تكون أفضل كثيراً جداً مما كانت عليه، ومما هي عليه اليوم، ولكن.. بالرؤية الواضحة، والإصرار والجهد والعمل المتواصل من أجل الوصول لما نريده، وما نتمناه.
وفي هذا السياق المتصل بالنظرة إلي المستقبل، يصبح كل ما هو مرتبط بالعلم والعلماء له موضع الأولوية، وله مكان الصدارة، لسبب معلوم للجميع، ويدركه القاصي والداني، وهو أن مستقبل الأمم، وتطور الدول، وتقدم الشعوب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلم، وعلي قدر علمها يكون تقدمها، وعلي قدر علمائها تكون مكانتها وقوتها وتطورها اقتصادياً، وسياسياً واجتماعياً، وأيضاً ثقافياً.
وعلي هذا الأساس، يأتي اهتمامي بالموضوع الخاص »بمدينة زويل العلمية« خاصة أن هناك أملاً يراودنا جميعاً في أن نراها حقيقة قائمة علي أرض الواقع تجسد ما سمعناه عنها كقلعة للعلم والعلماء والأبحاث المتطورة والمتقدمة، وهو ما يمكن أن يساهم في تحقيق دفعة كبيرة لمصر، ووجود فاعل لها علي هذه الساحة.
وقد لفت انتباهي خفوت الأصوات الناقلة للأخبار عن المدينة، بحيث لا نعرف ما إذا كانت قائمة أو غير قائمة، ويستوقفني في هذا الشأن ذلك اللفظ الدائر حول جامعة النيل، والذي يشير إلي وجود مشكلة تتصل بهذه الجامعة ومشروع مدينة زويل العلمية، وما يردده البعض بالتلميح تارة، والتصريح تارة أخري، لإلقاء تبعة ذلك علي الدكتور زويل، ويحملونه مسئولية سحب الأرض الخاصة بجامعة النيل، وإعادة تخصيصها لمشروع مدينة زويل العلمية.
وقد تابعت بالصدفة حوارا مع الدكتور زويل منذ فترة علي إحدي القنوات الفضائية، حول هذا الموضوع أكد خلاله أن الجهة التي قامت بسحب الأرض من الجامعة هي الحكومة المصرية ممثلة في مجلس الوزراء، وأنه ليس له أي صلة بالقضية، وأن مجلس الوزراء قام بعد ذلك بعدة أشهر بتخصيص الأرض لمشروع »المدينة العلمية« وأنه حريص علي حل أي مشكلة قائمة حالياً بالنسبة لجامعة النيل وطلابها وباحثيها، ويمكن استيعابهم أو اندماجهم في اطار المدينة العلمية وجامعتها، ومراكز الأبحاث فيها.
الكلام كان واضحاً، ومحدداً، في الحوار، كما كان أيضاً مدعماً بالوثائق والمستندات التي تؤكد صحته، في مواجهة اشارات تحميله المسئولية عن المشكلة الخاصة بجامعة النيل،...، ولكن رغم ذلك اللغط مازال مستمراً وقائماً، وهذا ما يستوقفني وأكثر ما يستوقفني في ذلك هو الاحتمالات السلبية التي يمكن أن يسفر عنها هذا اللغط في حالة استمراره دون حسم ودون توضيح للحقيقة من جانب الجهات المسئولة، وهي في هذه الحالة، مجلس الوزراء، ووزارة التعليم العالي،...، وأخشي ما أخشاه في هذه المسألة أن يتسبب هذا اللغط في تعويق المحاولات الجارية لقيام المدينة العلمية وحرمان مصر من وجودها.
واتصالا بالمشكلة واللغط الدائر حولها، والذي أرجو أن يحسم وينتهي، أسعدني كثيراً ما سمعته من الدكتور زويل عن الخطوات الجادة التي يخطوها لإقامة حلمه وحلمنا جميعاً، مدينة زويل العلمية، التي بدأت في الوجود بحي الشيخ زايد بمدينة السادس من أكتوبر.
وأنا أعلم، من خلال حوار لي مع عالمنا الكبير، عبر الهاتف، منذ مدة ليست بالقليلة، أنه يكثف نشاطه، واتصالاته، وما يتمتع به من احترام، وتقدير، وثقة، بين علماء مصر والعالم، وجميع المؤسسات العلمية، باتساع خريطة الدنيا الواسعة، لخدمة هدفه، وإنجاز المهمة العظيمة التي يحلم بها ويريد تحقيقها علي أرض وطنه مصر، وهي مدينة زويل العلمية.
وقد نجح الدكتور زويل بالفعل في وضع الأساس العلمي السليم للمدينة، بحيث تكون مجمعاً علمياً ضخماً، يضم في جنباته معامل أبحاث متطورة علي أحدث ما في العالم، وتضم أرقي العقول وأكثرها علماً وتقدماً في مجالها، وقد نجح أيضاً في جذب العديد من العلماء المصريين المشهود لهم عالمياً بالكفاءة والتميز في العديد من المجالات، كي يكونوا قلب ونواة المدينة العلمية، وجميعهم لا يقلون عنه حباً لوطنهم واستعدادهم للعطاء ورد الجميل.
وتضم المدينة وحدات للتصنيع، وتحويل النتائج البحثية إلي واقع منتج، وهذا شيء هام جداً يجعل من مصر مركزاً للإنتاج الصناعي المتطور علمياً علي مستوي العالم،...، كما تشتمل المدينة علي جامعة حديثة متطورة تقوم علي رعاية العقول وتزويدها بأحدث ما في العالم من تطور علمي وفقاً لأحدث النظم المعمول بها في جامعات العالم،...، كما تربط في ذات الوقت بين التعليم المتقدم، وحاجة الوطن لتوفير كوادر متخصصة في مجالها، ومستوعبة لتكنولوجيا العصر.
ولعلنا ندرك جميعاً أن هذا الصرح العلمي الضخم يحتاج إلي جهد مواز منا جميعاً، يكون متوافقاً ومتكاملاً مع الجهد الهائل الذي يبذله الدكتور زويل، علي المستوي العلمي والأكاديمي، وهذا الجهد المطلوب منا هو المساندة المادية أو المالية، حيث انه يحتاج إلي دعم مالي ضخم ليس للتكاليف المطلوبة لاقامة واستكمال هذا الصرح العلمي والتكنولوجي والصناعي والجامعي الضخم، ولكن ايضاً حتي يكون ضمانة لعدم تعثره أو تعرضه لأي قصور في المستقبل.
وكنت قد علمت من الدكتور زويل خلال الحوار الهاتفي معه أنه يسعي ويأمل في توفير مبلغ عشرة مليارات جنيه كي تكون وقفاً مالياً لصالح المدينة العلمية،...، وقد أكد في تصريحات له بعد ذلك أنه تم جمع مليار جنيه بالفعل، وهذا يعني أن الحلم المصري في اقامة الصرح العلمي الضخم واستمراره، يحتاج إلي مليارات أخري،...، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل نستطيع توفير هذا المبلغ؟!.
الإجابة من وجهة نظري، نعم نستطيع، إذا ما قام كل منا والقادرون بالذات بالمساهمة بما يستطيع ويقدر، من أجل مصر،...، ومصر تحتاج إلي جهد أبنائها المخلصين لتحقيق حلم المستقبل.
طيف من الماضي
فجأة وجدها أمامه، عند دخوله الصيدلية، وحتي قبل أن يسأل عن الدواء الذي قصد »الاجزاخانة« من أجله، تسمرت قدماه من فرط المفاجأة،...، سنوات طويلة مرت، عشرون عاماً أو أكثر ببضع سنين، لكنها لم تتغير إلا في النذر اليسير، أحداث كثيرة جرت، ولكنها لم تترك أثراً كبيراً واضحاً وملموساً علي الوجه، والملامح العامة.
أحس أنه أمام نفس الفتاة، كما هي وكأنها طيف بعث من الماضي، أو نسخة مطابقة للأصل، أعيد طبعها من جديد، مع بعض الاضافات الطفيفة التي لا يلحظها إلا من صادفته النسخة الأولي، واضطلع عليها، وأتاحت له الظروف تصفحها،...، أو حاول ذلك حتي ولو في خياله، وبالمخالفة للواقع.
كانت، وكأنها هي نفسها منذ عشرين عاماً، قبل أن يحزم أمره ويستقيل من عمله، ويغادر مصر، ويغترب في الخارج طلباً للعلم والعمل، ولإصلاح أحواله المعيشية والمادية، وهي الفترة التي حصل فيها علي الماجستير والدكتوراه بتفوق مذكور، مما أتاح له فرصة العمل في احدي الشركات الكبري المتخصصة فيما نبغ فيه، واستغرقه العمل، واستولي عليه تماماً،...، ولكن الحنين إلي مصر غالية، وتغلب عليه، فعاد مدفوعاً بالتشوق إلي بداية جديدة في وطنه، يراوده الأمل أن يعوض ما فاته طوال الاغتراب والبناء المادي،...، والآن وجد نفسه فجأة أمام انبعاثة جديدة للماضي.
كانت بالفعل وكأنها هي نفسها، مثلما رآها أول مرة رغم كل هذه السنوات التي مرت عليه وعليها، لها نفس القد الممشوق، والملامح الجاذبة للانتباه، بجمالها غير الهادئ، والشقاوة الواضحة في عينيها اللامعتين وهو ما كان يجعلها محط أنظار الجميع ومحور أفكار وخيالات العديد من زملاء العمل، علي اختلاف وتنوع شخصياتهم، وتفاوت قدرتهم علي السيطرة والتحكم في انفعالاتهم، المندفعة أحياناً والمتمهلة أحياناً أخري، طبقاً لتفاوت سني العمر، ما بين الشباب والشيوخ.
انبعث كل ذلك أمامه، وتدافعت الذكريات مرة واحدة في لحظة المفاجأة باللقاء غير المتوقع، وتذكر أنه هو لم يكن استثناء من قاعدة الانجذاب العام اليها، التي وجدها سائدة منذ التحاقه بالعمل شاباً في مقتبل العمر حديث التخرج، مازال متأرجحاً ما بين الرغبة في الاستقرار في العمل والنجاح فيه، أو استكمال مسيرة التعليم والحصول علي الدكتوراه ثم العمل بعد ذلك.
ولعل ما كان يميزه عن غيره، هو ما يحمله من طموحات غير محدودة، وآمال واسعة في المستقبل، وإصرار كبير علي بذل غاية الجهد لتحقيق ما يطمح اليه، مدفوعاً بطاقة هائلة علي العمل، وثقة كبيرة بالنفس، ونهم كبير للمعرفة والتثقيف،...، وكانت هذه الطموحات وذلك الإصرار، هما درع الحماية له في مواجهة رغبته العارمة في الاندفاع نحوها، والدوران في فلكها، والاكتواء بنارها.
وهكذا كان كلما غالبته أهواء النفس، وتقاذفته أمواج الانفعال، ودفعت به نحوها، منعته طموحاته وحالت دونه والغرق في دوامتها وانكب علي نفسه مستغرقاً في عمله، وساعياً لتحقيق أهدافه،...، وهكذا ظل أياماً وأسابيع وشهورا في حرب مع نفسه، يحوم حولها في أوقات، ويبتعد عنها في أوقات أخري، مندفعاً إليها، ونائباً عنها في ذات الوقت، متحصناً بطموحاته وآماله المستقبلية في كل الأوقات.
ومع مرور الأيام، اعتاد علي ذلك الصراع، وروض نفسه علي الاستمرار فيه، ولم يستسلم لرغبته الجارفة في الرضوخ لأهوائه، رغم نظرات الترحيب المشجعة له علي ذلك، والتي تخيل أنها كانت تخصه بها دون بقية الزملاء في بعض الأحيان،...، أو هكذا تمني،...، أو هكذا أحب أن يتمني.
ووسط هذا الاعتياد، تصور أيضاً إمكانية استمرار الوضع علي ما هو عليه، ولم يخطر علي باله في يوم من الأيام ولو مجرد خاطر، أن الأمور يمكن أن تتغير،...، إلي أن حدث ما حدث، واختفت فجأة.
ذهب إلي العمل يوماً فإذا بها غير موجودة، ظن في البداية أن ذلك أمر طارئ، وربما ألم بها مرض عارض، أو ظرف عائلي، أو شيء من هذا القبيل، وأنها ستعود بعد يوم أو يومين، ولكنها لم تظهر في اليوم التالي، ولا ما بعده من أيام،...، قيل أنها سافرت، والبعض أكد أنها تركت العمل الي غير رجعة، وأنها استقالت، وآخرين قالوا انها تزوجت وسافرت للخارج،...، المهم أنها غابت عن المكان، وعنه،...، وكان غيابها ذلك أحد الأسباب، بجوار أسباب أخري دفعته لحسم أمره والسفر لاستكمال دراسته والعمل في الخارج، حاملاً معه سؤالا حائرا بلا إجابة محققة أو يقينية، حول ما يمثله لها، وما إذا كانت لا تزال تحمل له مشاعر ود خاص أم لا؟!.
ووسط استغراقه التام في شلال الذكريات والمشاعر السادر في رأسه، استفاق علي الصيدلي وهو يسأله عن حاجته، في نفس اللحظة التي مدت فيها يدها لتتناول علبة الدواء، التي كانت قد طلبتها من قبل، وتهيأت للانصراف وهي تجول بعينيها في الحيز الضيق للصيدلية، ماسحة في عبور سريع جميع الوجوه والأشخاص،...، ثم انصرفت لتغيب عن المكان وعنه،...، دون أن تتوقف عيناها عليه ولو للحظة، ودون أن يبدو علي وجهها أنها تنبهت لوجوده، أو تعرفت عليه، أو أن هناك ثمة معرفة مسبقة، أو مشاعر قديمة.
البحوث الزراعية
الإحساس بالظلم مؤلم وصعب علي كل إنسان، والمطالبة بالحق واجب وضرورة لابد أن يسعي اليه ويعمل من أجله كل مظلوم، وكل صاحب حق، خاصة إذا كان صاحب هذا الحق شابا اجتهد وبذل غاية ما يستطيع من أجل التفوق واحراز مراتب الشرف طوال سنوات دراسته بالجامعة وحتي تخرجه، كي يستطيع أن يحقق حلمه في أن يكون باحثاً في مجال تخصصه،...، وهذا حقه، بل أبسط حقوقه المشروعة طالما أنه أدي واجبه واستوفي جميع الشروط المطلوبة.
ولكن للأسف لم يحدث ذلك، حيث تعرض الشاب لاستلاب حقه رغم تفوقه، واستيفائه كل الشروط المطلوبة لوظيفة مساعد باحث، »بمعهد تكنولوجيا الأغذية« بمحطة أبحاث سخا بكفر الشيخ التابعة لمراكز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة، وفوجئ الشاب بعد قبوله وإدراج اسمه في كشف الأسماء المرشحة للوظيفة يرفع اسمه من الكشف واستبعاده من المقبولين، ووضع اسم زميلة أخري بدلاً عنه، رغم أنها لا تنطبق عليها الشروط.
هذه هي قصة الظلم الذي تعرض له الشاب حازم كارم محمد عبدالجواد صقر، الحاصل علي بكالوريوس علوم زراعية تخصص صناعات غذائية دفعة 7002 بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف، والذي تقدم لشغل الوظيفة طبقاً للشروط المعلنة والتي تتوافر فيه كلها،...، ولكنه لم يحصل عليها، وحيل بينه وبين تحقيق حلمه دون وجه حق.
ولا أعتقد أن رئيس مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة، يرضي بوقوع ظلم بين علي أحد الشباب،...، ولا أعتقد أنه يرضي بحرمان الشاب من حقه في القبول بوظيفة مساعد باحث رغم انطباق جميع الشروط والمواصفات عليه.
وأمامي الآن، الاستغاثة التي تقدم بها حازم لرئيس المركز لرفع الظلم عنه، والتي يقول فيها: انه تم تعيينه تعيينا مؤقتا بالمعهد »أخصائي زراعي ثالث« في عام 9002، وكادر عام لسنة 2102 أوائل الخريجين، وأنه تقدم طبقاً للإعلان رقم واحد لسنة 1102 لشغل وظيفة مساعد باحث، وتم بالفعل إدراج اسمه ضمن الثمانية المرشحين للقبول بالوظيفة، وأعلن عن ذلك رسمياً، ولكنه فوجئ برفع اسمه من المرشحين، ووضع اسم زميلة أخري، رغم عدم توافر الشروط عليها، حيث إنها حاصلة علي بكالوريوس اقتصاد منزلي، في حين أن المطلوب لشغل الوظيفة في الإعلان، بكالوريوس علوم زراعية، وليس بكالوريوس اقتصاد منزلي،...، ولم يجد الشاب حازم أمامه من سبيل سوي الاستغاثة.
وكما قلت، لا أعتقد أن رئيس مركز البحوث الزراعية يمكن أن يقبل بالظلم الذي تعرض له حازم، وكلي ثقة في أنه سيعيد الأمور إلي نصابها الصحيح، ويرفع الظلم، بعد تحري الحقيقة.
ملحوظة أخيرة،...، جميع المستندات التي تؤكد حق الشاب حازم موجودة، لمن يطلبها، وكذلك نص الاستغاثة التي بعث بها إلي رئيس مركز البحوث الزراعية، طالباً انصافه، وحقه.
حواديت الأمثال العامية
إذا أردت التعرف علي طبيعة أي شعب من الشعوب، والاقتراب الحقيقي من إدراك مكونات شخصيته، وتلمس صفاته وخصائصه، فمن الضروري ان تقرأ بدقة أمثاله الشعبية أو العامية، ففيها ستجد ما تريد وما تسعي اليه، حيث انها عادة ما تكون المرآة الصادقة لما يعتمل في نفوس الناس من مشاعر، وردود أفعال، تجاه الوقائع والأحداث الشخصية والعامة، وما اكتسبوه من خبرات وتجارب خلال تشابكهم المستمر مع الحياة والأيام،...، كما انها تمثل في الحقيقة تفاعل الشعوب مع البيئة التي تعيش فيها، والواقع الذي تتعامل معه، وتلخص في بلاغة الفلسفة العميقة التي تخلص اليها الجماهير في ذلك كله.
وفي هذا الإطار، فإن الأمثال العامية المصرية هي التعبير الصادق والأمين عن طبيعة المصريين بحضارتهم الضاربة في عمق التاريخ، وبقدرتهم الفائقة علي السخرية من الواقع رغم مرارته،...، وبالرغم من كل الظروف الحالكة التي قد يتعرضون لها، فإنهم قادرون برهافة حسهم، وما يتميزون به من خفة الدم الطبيعية، علي السخرية من هذا الواقع.
بهذه المعاني بالغة الدلالة والمعني يلخص الصديق الكاتب محمد عبدالمقصود الهدف والغاية من كتابه الجديد »حواديت الأمثال العامية«.
وهو في كتابه لا يعرض للأمثال فقط، بسردها أو بيان معناها، أو شرحها فقد سبقه الي هذا الدرب اساتذة كبار، ولكنه حاول جهد طاقته ان يأتي بالجديد، وهو ذكر وتبيان القصص أو الحكايات، أو الحواديت التي اتت منها هذه الأمثال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.