لابد من التوقف طويلا وبشكل متعمق امام حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية مجلس الشعب وبالتالي قرار المشير حسين طنطاوي بحله ونتفهم اسبابه ودلالاته وما يترتب علي ذلك.. وبداية فانه مادام منطوق الحكم قد اشار الي ان مجلس الشعب كأن لم يكن بقوة القانون، فإن المجلس لا يحتاج جهة تنفيذية تقوم بحله وبالتالي فان الحل تم بقوة القانون!. وكان الحكم في حد ذاته بمثابة المفاجأة قبل ساعات من إجراء انتخابات الاعادة الرئاسية.. بعدما قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية انتخابات مجلس الشعب الاخيرة.. واكدت ان تكوين المجلس بكامله باطل منذ انتخابه وبالتالي غير قائم بقوة القانون دون الحاجة الي اتخاذ اجراء آخر لكن تشريعات المجلس صحيحة ونافذة.. وكان التيار الاسلامي الاخوان والسلفيون قد حصل علي الاغبية في انتخابات مجلس الشعب، وعلي مدي شهور مضت تلك الاكثرية من اعضاء المجلس في محاولة الاستحواذ علي السلطة التشريعية وخاصة بعدما حصلوا علي الاغلبية ايضا في انتخابات مجلس الشوري نتيجة غياب القوي السياسية الاخري من الشارع وصار البرلمان تحت هيمنة الاخوان وصار رئيسا المجلسين من حزب الحرية والعدالة وبغير مراعاة لحقوق الاحزاب والتيارات السياسية الاخري من المشاركة في السلطة التشريعية، وصار الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب يتعامل باستعلاء مع الاعضاء والمندوبين الصحفيين وطلب من امانة المجلس ان يحصل علي جميع الميزات التي كانت للدكتور فتحي سرور ومن بينها شراء سيارة جديدة له من نفس الطراز الغالي »بي ام دابليو« خلاف السيارات الاخري وكذا ان يحصل علي نفس المرتب والبدلات وغيرها.. وكأنما عاد الحزب الوطني من جديد!. واما الممارسات في المجلس فانها كانت تدل علي تسرع الاخوان في محاولة الاستحواذ علي اللجان وكذا الانفراد بتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور للمرة الثانية وانتخبوا 57 عضوا منهم من المائة عضو ومما اثار غضب الرأي العام ولذا امتنعت المحكمة الدستورية العليا عن الاشتراك في تلك اللجنة.. وكذا قانون العزل السياسي الذي قضت المحكمة بعدم دستوريته وهو قانون انتقامي وانتقائي وكان الهدف منه هو استبعاد عمر سليمان وايضا احمد شفيق من الترشيح في انتخابات الرئاسة، حتي تخلو الساحة امام مرشح الاخوان الذي يستند علي الحشد بالسمع والطاعة!. لقد جاء الحكم بعدم دستورية مجلس الشعب وبالتالي قرار الحل دستوريا واضح عكس ما يروج له المستشار الخضيري والدكتور محمد البلتاجي من قيادات الاخوان من اعتراضات غير قانونية وباطلة.. فقد اوضحت المحكمة الدستورية العليا في قضائها: ان انتخابات مجلس الشعب قد اجريت بناء علي نصوص ثبت عدم دستوريتها ومؤدي ذلك ان تكوين المجلس بكامله يكون باطلا منذ انتخابه.. وكان السؤال: ما هو مصير القوانين والقرارات التي اصدرها المجلس؟ وجاءالجواب قاطعا: ان ذلك لن يؤدي الي إسقاط ما اقره المجلس من قوانين وقرارات وما اتخذه من اجراءات خلال الفترة السابقة وبالتالي تبقي صحيحة ونافذة ما لم يتم إلغاؤها او تعديلها من الجهة المختصة دستوريا!. لقد بدا واضحا ان هذا المجلس والمفروض انه يمثل ثورة يناير يعيد انتاج مجلس الشعب السابق الذي انتخبه الحزب الوطني المنحل وبنفس النهج والاسلوب.. فقد كان الملاحظ منذ البداية ان مجلس الشعب الاخواني السلفي قد اتجه الي تفصيل القوانين حسب مصلحة التيار الاسلامي وايضا تصفية الحسابات القديمة بروح الانتقام من سنوات السجون، واستغلوا السلطة التشريعية لاصدار قوانين سيئة السمعة وغير دستورية مثل قانون العزل السياسي الذي قدمه النائب عصام سلطان بتوجيه من قيادات الاخوان ولم يعد خافيا ان المجلس الاخواني السلفي يحيد عن مهمته الدستورية في التشريع للقوانين المطلوبة لصالح الشعب، وبما يدفع الي الشبهات حول الحيادية الواجبة في مهمة المجلس وادائه!. وكما اوضح المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة الدستورية العليا: ان المحكمة منوط بها حماية الدستور ورعاية نصوصه.. ولا يمكن ان نقبل أي نص مخالف للدستور، ونصوص قانون مجلس الشعب مخالفة للدستور، والاعلان الدستوري، وكل نص تشريعي يعرض علي المحكمة الدستورية العليا طعنا بعدم دستوريته تقيمه المحكمة بالدستور واذا وجدته مصادقا قضت بدورها بدستورية القانون، واذا وجدته مخالفا فان المحكمة لا تملك الا ان تحكم بعدم دستوريته ومناط دستوريته مالم يطبق لاحكام الدستور.. فضمائر قضاة المحكمة لا تهتز!. وقد ركز المستشار فاروق سلطان علي نقطتين اساسيتين: 1 ان الحكم بحل كل المجلس وليس الثلث ملزم للجميع.. 2 ان حل مجلس الشعب ليس سياسيا، وقانون الانتخابات مخالف للدستور. وبعد صدور حكم المحكمة الدستورية ببطلان الثلث الفردي من مقاعد مجلس الشعب وحله بالكامل اسرع الدكتور الكتاتني رئيس المجلس الي مقر مكتب الارشاد لجماعة الاخوان المسلمين لكي يحضر اجتماعا مع الدكتور صيدلي احمد فهمي رئيس مجلس الشوري والدكتور محمد مرسي المرشح الاخواني للرئاسة ولم يتوجه الي مكتبه في مجلس الشعب ولم يجتمع مع الهيئات البرلمانية للاعضاء، وكما يتضح فانه اراد بحث حكم الحل مع قيادة الجماعة ومع المرشد محمد بديع وخيرت الشاطر قبل ان يتفوه بأي تعليق، وصدر بعدها رد الفعل من جانب الدكتور الكتاتني الذي قرر احالة حكم المحكمة الدستورية بحل المجلس سييء السمعة الي لجنة الشئون الدستورية والتشريعية.. وكان المثير للغرابة ان حزب الحرية والعدالة ادعي ان المجلس الاعلي للقوات المسلحة لا يملك حل البرلمان بإرادة منفردة لم يخوله اياها الاعلان الدستوري او حكم المحكمة الدستورية وهو نوع من المغالطة التي يلجأ اليها الاخوان دائما ولكنها لن تجدي فالحكم ملزم للجميع.. ويكفي ان ازاح عن كاهل الشعب مثل هذا المجلس الذي يعتمد علي تصفية الحسابات ويقوم علي البطلان.. وهو حكم قضاء مصر الشامخ!.