ياسر رزق ها نحن نستهل المرحلة الانتقالية الثانية بترتيب منطقي للخطوات دستور أولا، ثم انتخابات برلمانية.. وربما انتخابات رئاسية جديدة
رئيس الجمهورية القادم قد يكون رئيسا مؤقتا ما لم ير واضعو الدستور غير ذلك وقد يگون مؤقتا أيضا إذا رأت جماهير الشعب أن يگون گذلك! مازال أمامنا مشوار لنقيم الجمهورية الرابعة وتقديري أننا في طريقنا إلي جمهورية قلق يخيم علي أجوائها ضباب وتتردد في جنباتها أصوات رعد منذرة عدنا من جديد إلي نقطة البداية، ودخلنا في مرحلة انتقال ثانية، كما توقعت في هذا المكان الأسبوع الماضي. رجعنا إلي حيث كان يجب أن نبدأ منذ 61 شهراً مضت، الفضل يعود إلي حكم المحكمة الدستورية العليا الذي يفضي إلي حل البرلمان بمجلسيه، وظني أن الرجوع هنا ليس تراجعاً إلي الوراء، بل هو حركة إلي الأمام وعلي الطريق الصحيح. نحن قد أمضينا كل هذه الشهور، نسير علي طريق في عكس اتجاه المقصد، قطعنا شوطاً كبيراً وابتعدنا كثيراً، حتي بدا للعامة وبعض الخاصة، أن في التوقف تبديداً للوقت، وفي العودة إهداراً لجهد ولو كان بُذل في غير ما يراد! لكنه أبداً لا يفوت الميعاد، طالما الأمر يتعلق بتصحيح مسار أمة، تريد أن تضع أساساً سليماً ينهض عليه بنيانها الديمقراطي المنشود. ها نحن نستهل مرحلة الانتقال الثانية بترتيب منطقي للخطوات: الدستور أولاً، ثم وضع قوانين انتخاب المؤسسة التشريعية علي هدي الدستور ثم إجراء الانتخابات البرلمانية لمجلسي الشعب والشوري. ولا أستبعد أن يتسع نطاق العملية السياسية في المرحلة الانتقالية الثانية ويمتد، ليشمل إجراء انتخابات رئاسية جديدة قبيل نهاية العام وبعد انتخاب البرلمان، إذا نص الدستور الجديد علي تغيير طبيعة نظام الحكم من النظام الرئاسي إلي النظام البرلماسي المختلط أو إلي النظام البرلماني، وبالتالي تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية التي خاض الانتخابات علي أساسها. وأحسب أن هذه الفرضية مطروحة بقوة ما لم تجد الجمعية التأسيسية الجديدة ما يدفعها إلي البحث في إضافة مادة إلي الباب الأخير للدستور الجديد والخاص بالأحكام العامة والانتقالية، تجيز بقاء الرئيس في موقعه لمدة سنتين مثلاً من تاريخ انتخابه، أو استمراره حتي انتهاء فترة ولايته المحددة بأربع سنوات في الاعلان الدستوري. إذن.. رئيس الجمهورية الأول بعد ثورة 52 يناير قد يكون رئيساً مؤقتاً، ما لم يرد واضعو الدستور غير ذلك، وقد يكون رئيساً مؤقتاً أيضاً إذا رأت جماهير الشعب أن يكون كذلك! والحق أني لا أملك سوي أن أشعر بالتعاطف مع الرئيس الجديد برغم أن طرفي جولة الإعادة في رأيي ورأي غيري لا يعبران عن اختيار أمثل لجماهير شعب فجرت واحدة من أعظم الثورات في التاريخ. والتعاطف عندي باعثه أن الرئيس المقبل أمامه تحديات جسام تتطلب ممن يواجهها التحلي بعدل عمر بن الخطاب وشجاعة ديجول ودأب اديناور وإخلاص عبدالناصر ودهاء السادات، فما بالنا وهو بالقطع ليس واحداً من هؤلاء، بل إنه أشبه بمن ألقي بنفسه مكتوف اليدين، مكبل القدمين، معصوب العينين، في خضم بحر هائج، لا تلوح له شطآن. لا يبدو في مقدور الرئيس القادم تلبية التطلعات الهائلة للمصريين من بعد ثورة يناير، مهما حسنت نواياه، لأن أيا من طرفي الإعادة لم يطرح مشروعاً وطنياً يتجاوز البرامج التقليدية لحكومات سابقة، طالما سمعناها بملل وتأفف وضيق صدر في مطلع كل دورة برلمانية، بل لم يقدم مشروعاً اجتماعياً ينهض بالكادحين والبسطاء والمسحوقين الذين دبت نبضة أمل في قلوبهم غداة يوم 11 فبراير 1102، وينأي بالبلاد عن مصير مظلم إذا انفجرت ثورة جياع ومعوزين! ولعلي هذه المرة تحديداً أتمني لو خاب ظني وسارت الأمور علي غير ما أتوقع وأري! علي كل حال.. نحن بصدد المضي علي درب، ضللنا عنه ، حين كنا نقف في مفترق الطرق عند وضع التعديلات الدستورية في مارس من العام الماضي، واخترنا غيره رغم كل الاشارات الواضحة التي كانت تدل عليه. المشهد الآن تغير.. بيد القضاء وبقوة القانون. بعد ظهر الخميس الماضي.. قضت المحكمة الدستورية العليا ببطلان مجلس الشعب وبحله وزوال وجوده بقوة القانون، واعتباراً من الساعة الثامنة مساء نفس اليوم، عادت سلطة التشريع إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة، إلي حين انتخاب مجلس شعب جديد وفق قانون لا ينال منه أي مطعن وعلي أساس دستوري سليم. وعلي مدي الأيام الثلاثة الماضية، عكف المجلس العسكري علي تدارس الخطوات المطلوب اتخاذها علي ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا، وعقد المجلس سلسلة اجتماعات مطولة مع خبراء ومتخصصين، انتهت إلي أن إصدار إعلان دستوري مكمل هو ضرورة حتمية للتغلب علي معضلات سياسية نشأت بعد حل مجلس الشعب، وهو أيضاً مطلب لا غني عنه لتحديد صلاحيات السلطة التشريعية التي انتقلت من مجلس الشعب بعد حله إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وصلاحيات رئيس الجمهورية التي ستنتقل من المجلس العسكري إلي الرئيس الجديد قبل يوم 03 يونيو الحالي. المتوقع أن تشهد الساعات القادمة قبيل إعلان نتيجة جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة صدور الإعلان الدستوري المكمل. سوف يحدد الإعلان المكمل الجهة التي يؤدي أمامها الرئيس المنتخب اليمين الدستورية بعد حل مجلس الشعب، لتجنب مشكلة أن يبقي الرئيس مجمد السلطات في انتظار انتخاب مجلس الشعب الجديد، والأرجح إما أن يكون أداء اليمين أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا،أو أن يكون أمام المجلس الأعلي للقوات المسلحة بوصفه يقوم الآن مقام مجلس الشعب. أيضاً سوف ينص الاعلان علي معايير اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية، بعد أن انتهي الرأي إلي أن الجمعية التي اختارها الأعضاء المنتخبون بمجلسي الشعب والشوري يوم الثلاثاء الماضي وفقاً للقانون الذي صدر عن مجلس الشعب قبلها بيوم، باتت كأن لم تكن، ذلك أن المجلس العسكري لم يصدق علي القانون الخاص بمعايير تشكيلها، ومن ثم لا يحتاج حلها وفقاً لآراء فقهاء قانون ودستور إلي حكم قضائي أو إلي انسحابات من عضويتها تؤثر علي صحة تشكيل الجمعية. المنتظر أن يتلو الاعلان الدستوري المكمل إصدار مرسوم بقرار هذا الأسبوع يتضمن أسماء الأعضاء المائة بالجمعية التأسيسية، في تشكيل جديد لا يخلو من عدد كبير من الشخصيات التي سبق اختيارها، إنما يراعي معايير واعتبارات، غابت أو غيبت أو أهملت. بذلك سوف تباشر الجمعية التأسيسية الجديدة مهمتها علي الفور من أجل وضع الدستور في غضون شهرين، ثم يحال مشروع الدستور إلي استفتاء شعبي في موعد قد يكون مطلع سبتمبر المقبل. وأغلب الظن أن تجري انتخابات مجلس الشعب في شهري أكتوبر ونوفمبر، وتجري بعده انتخابات مجلس الشوري الذي ينتظر قراراً بالحل بين يوم وآخر، يستند إلي حكم من القضاء الإداري يبطل المجلس علي أساس انه تم انتخابه وفق نفس مواد انتخاب مجلس الشعب التي ألغاها حكم المحكمة الدستورية العليا. وقد لا تجري انتخابات مجلس الشوري إذا رأي واضعو الدستور أنه لا حاجة ولا ضرورة لوجود غرفة ثانية للبرلمان المصري. أما عن إجراء انتخابات رئاسية جديدة بعد وضع الدستور وانتخاب البرلمان، فهي مسألة تظل رهن الاحتمال وقيد البحث عند كتابة الدستور، ومن ثم قد نتوقع ألا يتضمن الإعلان الدستوري المكمل وضعاً مغايراً للإعلان الدستوري القائم الذي لا ينص علي أن رئيس الجمهورية المنتخب سيكون قائداً أعلي للقوات المسلحة، انتظاراً للنص علي ذلك في الدستور الجديد. انتهي عهد جمهورية الخوف، ولي ولن يعود، ولن يقدر أحد علي إعادته. لكن مازال أمامنا مشوار لكي نقيم الجمهورية الرابعة، التي نتمناها جمهورية استقرار ونماء وعدالة اجتماعية في ظل دولة القانون. تقديري أننا في طريقنا الآن إلي جمهورية قلق، يخيم علي أجوائها ضباب، وتتردد في جنباتها أصوات رعد منذرة. قلق في شارع مضطرب منقسم علي نفسه. قلق في داخل أوساط سياسية، بعضها شامت، وبعضها غاضب، وبعضها يدبر للانتقام. قلق في مؤسسة حكم انتقالية كانت تتوق إلي الانصراف، وغدت مضطرة للانخراط في مهمة عود علي بدء، تصلح ما أفسدته أخطاء كان يتعين تجنبها. قلق علي أمن بلد تتهدده مخاطر خارجية ونوازع شر داخلية. قلق علي اقتصاد يقف علي حافة الخطر. قلق علي ثورة هناك من يتمني تطويعها لتطويقها ثم الانقضاض عليها، وهناك من يسعي إلي خصخصتها لحسابه من أجل مصلحة ضيقة، وهناك من تستبد به المخاوف علي مستقبلها. .. كم أرجو أن يخيب ظني!