يسرى الفخرانى السؤال : من يسمع من ؟ هل تسمعني ؟ هل تسمع غيري ؟ هل أسمعك ؟ هل نسمع أحد إلا أنفسنا ؟ أو : من يشبه مانفكر فيه ؟ الحرب الأهلية التي نخوضها الأن ليست بالرصاص بين رصيف وآخر كما رأيت في شوارع بيروت بعد إنتهائها. الحرب الأهلية عندنا أخطر. إنها في كل بيت وكل مكان عمل وكل مقهي تجلس عليه لتقرأ جريدة أو تستريح قليلا . في كل سيارة أجرة أو محل بقالة أو أسانسير يجمعنا لمدة دقيقتين! حاولت أن أجد في أي بلد في أي زمان في أي تاريخ في أي موقف في أي أزمة شئ يشبه مانعيشه لم أجد ولن أجد. نحن في حرب أهلية وصلت إلي غرف النوم! ماهذه السياسة التي جعلت زوج يطلق زوجته لخلاف في رأي وإبن يصيب أمه بسكين لإختلاف حول إسم مرشح! ماهذه السياسة التي أصبحنا كلنا فجأة نفهم فيها ونفتي فيها ونتفنن في صناعة نظريات مؤامرة عظيمة منها ؟ السياسة أفرزت أسوأ مافينا . أو أظهرته . علي أساتذة علم الإجتماع أن يقولوا لنا: هل نحن بهذا السوء لكننا كنا نتجمل خوفا أو مكرا . أم أن في السياسة هرمونات جعلتنا مثل الفراخ البيضاء كلنا سموم رغم نفختنا الكذابة؟ نحن في أزمة أخلاقية لا نحسد عليها . ولا يكفيها أساتذة علم النفس والإجتماع ولا حتي كل المضادات الحيوية الموجودة في الصيدليات . أزمة أورام . كل شئ فجأة أصبح " وارم " في جسد هزيل . . ملعونة السياسة التي تقدم لنا الحرية علي أنها خلاف علي " عشرتين طاولة " . ملعونة حين تصور لنا الحرية قلة أدب وبذاءة وكذب . ملعونة حين تتحول من رأي إلي سكين . ومن خلاف مشروع إلي شروع في قتل. نحن علي الحافة. ليس لأن الإحتياطي النقدي الذي يوفر رغيف العيش علي الحافة.. لكن لأن علاقتنا كمجتمع علي الحافة. لا توجد بلد في الدنيا إنفجر فيها هذا الخلاف في الرأي بين شعبها مثلنا. لم يحدث أن ترك الإعلام يلعب دورا في تقليب القلوب علي بعضها مثلما نحن نفعل! هذا وطن يحتاج تصالح. والتصالح يحتاج معجزة من الله سبحانه وتعالي لكي نصدق أننا يجب أن نفكر في كل خطوة قبل أن نقوم بها . في كل كلمة قبل أن نقولها. نفكر.. لكن التفكير في هذه اللحظة تحول إلي كفر . لماذا تفكر إذا كان لديك من يفكر بالنيابة عنك ويقدم لك مايريده هو .. وليس ماتريده أنت . أحكي لكم حكاية حدثت في أحد ضواحي القاهرة : عاد رجل بعد منتصف الليل إلي بيته وأيقظ زوجته ليقسم عليها أن تنتخب فلان وإلا سوف تصبح محرمة عليه . لم ينته الموضوع هنا مثل أغلب القصص التي حدثت في بيوت كثيرة . أصرت الزوجة علي الإتصال بشقيقها الذي جاء بأصدقاء ليؤدب الزوج . ليس علي غضب زوجته لكن علي دعمه لمرشح أخر ؟ هذه خناقة إنتهت بطلاق وإصابة خمسة عشر شخصا ! نحن في أيام شهور الله الطيبة . لكن أرض الواقع ليست فيها أي رائحة ذكية للطيبة . وأنا أدعو الناس الطيبين . المشهود لهم بقلب يخاف علي هذا الوطن إلي أن نطلق معا معاهدة حب . نعيد فيها التصالح بين الناس وبعضها .. لأن الناس لبعضها. سوف يذهب من نختلف حولهم وما نختلف عليه.. ونبقي نحن. في بيت واحد. في عمل واحد. في شارع واحد. في وطن واحد . لكن لا أحد يريد أن يفهم أن القادم موحش جدا صعب جدا إذا لم نكن معا. أمد يدي لكي نصنع معا حملة شعبية ليعود كل واحد فينا مواطن مصري بسيط ضاحك صادق ومتصالح مع نفسه ومع الأخريين.. فمن يمد يده لنبدأ معا؟