ليس من العدل أن نطالب القضاء بتصحيح أخطاء الثورة، أو خطايا من اختطفوها وتاجروا باسمها وتفرغوا للاستيلاء علي السلطة ولو علي حساب دماء الشهداء! منذ البداية قلنا ان القانون العادي لن يسعفنا في محاسبة النظام السابق لأنه كان يهيمن علي كل شيء، ولأنه يعرف كيف يخفي جرائمه، ولأنه امتلك ترسانة تشريعية تحمي الفساد وتفتح كل أبواب النهب والسلب. القضاء العادي يصلح لمحاسبة دولة يحكمها صحيح القانون ولكنه لا يصلح لدولة يحكمها الفساد! ومن البداية قلنا ان القضاء العادي يصلح لمحاسبة نظام في دولة يحكمها صحيح القانون، ولكنه لا يكفي لمحاكمة المسئولين عن إفساد دولة بأكملها وإذلال شعب وإهانة أمة. حينما كنا نطالب من البداية بالعدالة الثورية، لم نكن نطلب تعليق المشانق ولا قطع الرؤوس، فالثورة سلمية وينبغي أن تظل كذلك، ولكنها مثل أي ثورة تحتاج أولا لتحصين نفسها ضد قوي الثورة المضادة، وتحتاج ثانيا للمحاسبة السريعة والحاسمة لأركان النظام السابق. هذه المحاسبة هي القادرة علي تمكين قوي الثورة، وعلي استعادة ما تم نهبه من ثروات الشعب، وعلي نزع كل مصادر القوة المالية والإعلامية والسياسية من يد أعداء الثورة. هكذا تفعل كل الثورات الجادة في العالم كله، وهكذا فعلنا نحن في ثورة يوليو 25 حين أقمنا محاكم الثورة والغدر، وحاكمنا الفساد السياسي والمالي، وصادرنا الأموال المنهوبة وأبعدنا الفاسدين عن الحياة السياسية، ووضعنا البعض في السجون حتي تم تأمين الثورة. لأسباب عديدة تم الالتزام بعد ثورة يناير بالمحاكمات العادية.. ربما لأن الثورة لم تتول الحكم، وربما لأن البعض رأي أن ذلك يترك مجالا للصفقات السياسية، وربما لأن الصراع علي وراثة الحكم جعل البعض يري أن »الثوار« هم الخصم الرئيسي وليس »الفلول« كما يدعي، وربما لأن برلمان الثورة كان مشغولا بحماية نفسه وليس بحماية الثورة، وربما لأن بعض من ارتدوا قمصان الثورة يعرفون أنهم كانوا جزءا من النظام القديم، وأن مصيرهم مرهون بمحاكمة حقيقية بقانون الثورة. والنتيجة كما نراها حتي الآن.. القصاص للشهداء لم يتم، الأموال المنهوبة لم تسترجع، قوي النظام القديم مازالت تحكم قبضتها علي مفاصل البلاد. القضاء العادي ليس مسئولا عن ذلك، انه يحكم بالقوانين السارية وبما تم تقديمه له من أوراق وأدلة. المسئولية تقع علي من تقاعسوا عن إصدار التشريعات المطلوبة لكي تحاكم الثورة أركان النظام السابق علي ثلاثين سنة من الفساد السياسي والنهب لأموال الدولة والإذلال لشعب مصر. لا نطلب الانتقام بل نطلب العدل. والعدل بمنطق الثورة يضع الجميع أمام اختيار واحد: هل ستحاكمون القتلة.. أم ستحاكمون الشهداء؟!