محمد الشماع هذا حدث ينبغي التوقف عنده، لأنه لأول مرة يتم في الوطن العربي، ان لم يكن في العالم الثالث، وهي ان يقدم المرشح نفسه، وان يشرح برنامجه عبر مناقشة مع المنافس أو الخصم الرئاسي، وهي خطوة تعكس تطورا في الاداء السياسي المصري، بصفة عامة لانه ولأول مرة يعبر المرشح عن نفسه من خلال برنامج تفصيلي وليس من خلال شعارات براقة غالبا ما تقترحها شركات الدعاية والإعلان. فلتكن التحية لكل من فكروا وأعدوا واخرجوا لنا هذه المناظرة ولكل من السادة المرشحين الذين استجابوا وتفاعلوا مع الجمهور عبر المناظرة المباشرة مع الخصم وفي كل ذلك احترام للناخب والتزام امامه وتعميق للممارسة الديمقراطية. وما سنورده هنا ملاحظات عامة علي المناظرة التي تمت بين كل من السيد عمرو موسي والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح. أولا: كانت المناظرة طويلة امتدت إلي حوالي الساعات الأربع، وهو ما يصيب المشاهد بالملل وضعف التركيز. ثانيا: حرص معدو المناظرة علي ان يكون المرشحان واقفين طوال ساعات وفي هذا إجهاد لا داعي له لأن المباراة هنا تتم بين برامج وبين عقول ترشح نفسها لقيادة الوطن وليست بين بطلين رياضيين. ثالثا: وتلك نصيحة اتوجه بها إلي الإخوة الإعلاميين من فريق الاعداد الذي أعلم تماما مدي الجهد الذي يبذلونه، لكني أود أن انبه إلي أن الأسئلة المعلومة الاجابة لا داعي لها، فعلي سبيل المثال: سؤال المرشح عن حجم الأموال التي انفقها في الدعاية، فمن المسلم به انه سوف يذكر رقما يتفق مع الشروط التي وضعتها لجنة الانتخابات الرئاسية، وحجم الانفاق أمر يتعذر اثباته لانه يتعذر الربط بين المرشح وبين سرادقه أو بين المرشح وبين إعلاناته اذ يزعم كل المرشحين ان معظم الانفاق هو تبرعات من المؤيدين والمريدين. مثال آخر: لا يجوز ان يسئل المرشح ان كان قد تلقي دعما من قوي خارجية، لان الاجابة معلومة سلفا وهي النفي، فليس منطقيا ان يعرض مرشح نفسه للمساءلة القانونية والاستبعاد من الترشح إن هو أقر بتلقيه دعما خارجيا. هذه النوعية من الاسئلة إذن هي إهدارا للوقت واملال للمشاهد فيما لا طائل منه. ملاحظة عامة وقع فيها المرشحان الكريمان اللذان تناظرا في قناتي دريم وأون تي ڤي العامرتين بالكفاءات وهي ان كلا المرشحين قد سطا سطوا غير حميد علي التجربة الناصرية. ففي مجال التعليم زعم كلاهما انه سيرفع من رواتب المدرسين وسيتوسع في عدد المدارس وسيطور مناهج التعليم كي تواكب العصر. وفي مجال الصحة زعم كلاهما مع فروق سطحية انه سوف يتوسع في وحدات العلاج الأولية ويطور المستشفيات المركزية ويعمم التأمين الصحي علي جميع مواطني مصر. وفي مجال أجور العاملين زعم كلاهما انه ملتزم بالحد الأدني الذي أقرته المحكمة وهو 0021 جنيه حدا أدني وان كلاهما سوف يضع حدا أقصي للأجور وسوف يطيح بالمستشارين الذين اثقلوا برواتبهم الضخمة ميزانية الجهاز الإداري للدولة. اضف إلي ذلك علاقات اقتصادية وسياسية نشطة في الدائرة الافريقية وعلي مستوي العالم الثالث وعلي مستوي العالم كله. وخلاصة هذه الآراء ان كلاهما قد توسع في الوعود دون ان يصرح مباشرة ان الدولة هي التي سوف تقود عملية التنمية وان الدولة هي التي ستتصدي لحل قضية البطالة وان الدولة هي التي ستقود تطوير التعليم افقيا ورأسيا وان الدولة ستفعل مثل ذلك وأكثر في مجال الصحة بعد ان قدم كلاهما تمهيدا حكيما حول أهمية صحة المواطن مهمة الوطن وتعليم المواطن علم للوطن. أي ان كلا المرشحين لم يشر من قريب أو بعيد إلي ان مناخ الاستثمار الذي صدعوا به رؤوسنا اعتبارا من السبعينات حتي الآن هو الذي سيوفر فرص العمل وسيزيد الدخول وسيوفر للناس التأمين الصحي أو العلاجي أي ان كلاهما قد أخذ أهداف النظام الناصري ومنجزاته كي يلوح بها في وجه جمهور كان ولا يزال ينظر للدولة علي انها قادرة علي ايجاد الحلول لمشاكله المتراكمة ولقيادة تنمية حقيقية ترفع نسب التشغيل وتنعش السوق الداخلية، وبالتالي تلبي احتياجات المواطن وهذا يؤكد ان قيادة الدولة لعملية الانتاج التي ميزت الفترة الناصرية لا تزال تحمل بريقا حقيقيا وليس بريقا زائفا حاولوا ان يخدعونا به طوال العقود الاربع الماضية. فدولة عبدالناصر هي التي توسعت في التعليم المجاني حتي جاء علي الوطن زمن كانت تقام فيه كل يوم مدرسة، وقد بلغ التوسع مدي لم تستطع كليات التربية ان تلبي احتياجات المدارس من المدرسين، فكان يتم تعيين مدرسين من غير خريجي هذه الكليات لسد العجز. وفي مجال الصحة تم نشر وحدات صحية في معظم قري مصر كما تم إنشاء مستشفيات مركزية تقدم العلاج مجانيا بتذكرة قيمتها عشرة قروش فما بال كلا المرشحين يعد الناس بانجازات هي جوهر تجربة الستينات دون أن يعلن ذلك صراحة. هذا تناقض قد دفع كلا المرشحين إلي استخدام لغة مراوغة واتسمت بالانشائية دون ان تصرح لنا عن جوهر التوجه الذي سيقوده السيد المرشح. فان كانت الدولة سوف تتحمل المسئولية الأعلي في مسألة التنمية والرعاية الصحية ونشر التعليم والقضاء علي البطالة، فان كل ذلك ليس أكثر من استئناف للتجربة الناصرية مع الأخذ في الاعتبار الآتي: أولا: ان جوهر التجربة الناصرية هي ان تقود الدولة عملية الانتاج مع افساح المجال أمام الرأسمالية الوطنية، وهذا ما تم تحديدا في سنوات الستينيات وفي تلك السنوات استطاعت مصر ان تجتذب استثمارات أجنبية بشروط ميسرة كانت هذه الاستثمارات ولا تزال هي الانفع والاجدي أثرا في تاريخ مصر الحديث من السد العالي إلي مجمع الالومنيوم إلي مصنع الحديد والصلب إلي مصنع الحرير والغزل والنسيج في المحلة الكبري وفي شبرا الخيمة كل ذلك تم باستثمارات اجنبية ودعم فني من الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية. وعلي مستوي نمو الرأسمالية الوطنية تستطيع ان تقارن شركات منتجة انتاجا فعليا مثل المقاولون العرب »عثمان أحمد عثمان« وشركة النصر للمقاولات »حسن علام« أين هؤلاء من شركات أحمد عز ومشاريع طلعت مصطفي، وهل يستوي من يعمل مساكن شعبية ومدنا جامعية ومن فتح الباب أمام تعيين العمال والمهندسين والفنيين بمن سطا علي الملكية العامة وطبع اسمه علي اسياخ الحديد، وهل يستوي المهندس عثمان أحمد عثمان الذي مد اذرعه وكوادره المصرية إلي دول الخليج يبني ويعمر بمن جعل همه صيد النساء كما تعلمون من اخبار الزيجات والصداقات والمتع الملوثة، هل نسوي بين من بني للشعب وبين من انشأ مدنا للصفوة فلا يقربها المواطن المصري إلا عاملا أو خادما للسادة! ثانيا: كان علي من يقترب من تجربة مصر الرفيعة في الستينيات ان يعلنها صراحة وان يفصل لنا كيف سيتم استئناف هذه التجربة في زمن متغير تحكمه الجات وحرية تداول العملات فان ذلك اجدي من ان يقنص من الناصرية انجازاتها كي يعد بها الشعب المصري دون ان يوضح لنا كيف؟ ولماذا؟ وما العمل؟ ثالثا: هذه المسافة بين الدعاية الانتخابية وبين قناعات المرشح قد جعلت كلا المرشحين يراوغ ويناور دون ان يقدم رؤية ثابتة يفصلها برنامجه الانتخابي. رابعا: بالعودة إلي التاريخ السياسي لكلا المرشحين سوف نجد الآتي: ان د. أبوالفتوح قضي سنوات عمره عضوا في الإخوان المسلمين الذين ناصبوا التجربة الناصرية العداء ونتذكر انه حسب مذكرات د. أبوالفتوح فان والده كان موظفا بسيطا لكنه استطاع من خلال التجربة الناصرية ان يعلم أولاده ومنهم د.عبدالمنعم نفسه الذي التحق بكلية الطب فصار كما تعلمون، وكان عليه ان يكون صادقا مع نفسه وان يعلن توبته عن معاداة التجربة الناصرية ما دام سوف يأخذ منها برنامجه السياسي وان يقدم نقدا ذاتيا لنفسه، لكنه راوغ مراوغة شديدة حينما سأله السيد عمرو موسي عن موقفه من البيعة التي بايع بها مرشد الإخوان، كيف نقضها؟ وخالف قسم السمع والطاعة، وترشح للرئاسة علي غير ارادتهم فكان جواب سيادته ان البيعة ما هي الا قسم يقسمه كل من يلتحق بحزب سياسي وتلك مغالطة »صلعاء« تلمع في الشمس، لان بيعة الإخوان تتم بقسم ديني، اما الانضمام لأي حزب سياسي في العالم فانه يتم بتوقيع استمارة عضوية وكان اجدي بالدكتور عبدالمنعم ألا يغالطنا في هذه النقطة وان يعلن في جرأة انه سوف يصوم كفارة عن يمين اقسمها وعن عهد قطعه وعن بيعة بايعها ولا ندري كيف مرت هذه المغالطة علي السيد عمرو موسي فلم يتوقف عندها معلقا مع انها نقطة جوهرية. أما السيد عمرو موسي فقد انتمي لنظام كان كل همه ان يبيع ممتلكات الشعب المصري التي ورثها من الفترة الناصرية، كان عمرو موسي عضوا في مجلس الوزراء ولم نسمع انه عارض في بيع الممتلكات العامة تلك التي كان يعمل فيها المصريون والتي كان عائدها يستخدم في الانفاق علي التنمية وعلي التعليم وعلي الصحة. نقول لكلا المرشحين لقد اثبتما براعة المراوغة، ولكن ما وعدتما به الشعب سيبقي كلاما ما لم يتأسس علي تصور حقيقي لقضية التنمية في مصر ونقدا ذاتيا لما بدر من كليكما من مواقف وصلت إلي درجة العداء الصريح بين الإخوان المسلمين وبين التجربة الناصرية أو السكوت غير الحميد عن تصفية هذه التجربة كما تم في زمن مبارك ووزرائه. وفي الختام نؤكد ما بدأنا به من أن هذه المناظرات هي إثراء للتجربة الديمقراطية، وان كنا نقترح مزيدا من التركيز في الاسئلة، كما نقترح ان يجلس المرشحان فليس بالوقوف علي القدمين أربع ساعات تنعقد الزعامة!