كنت أحلم بأن يري أحفادي أول مناظرة سياسية بين مرشحين متنافسين في انتخابات الرئاسة لكنني رأيتها بنفسي علي شاشة التليفزيون بين عمرو موسي وعبدالمنعم أبوالفتوح.. كان الحلم بعيداً لكنه تحقق بأسرع مما نتصور.. والحمد لله أن عشنا لنري بأعيننا ما كنا نحلم به لأحفادنا. هذه لحظة تاريخية ونقلة حضارية مهمة في حياتنا.. رحم الله شهداء الثورة وبارك في شبابها.. فبدمائهم وحناجرهم وشجاعتهم صار الحلم حقيقة وتغيرت مصر تغييراً عميقاً.. ربما لا ندرك هذا التغيير لكثرة المشكلات التي تتفجر كل يوم ولشدة الاستقطاب والمنافسة بين الأحزاب والتيارات والمرشحين.. لكن من يتفحص المشهد بعين موضوعية سيقف بلا أدني شك علي حجم التغيير العميق الذي حدث. خرجت مصر من شرنقة الرجل الواحد والحزب الواحد والرؤية الواحدة إلي التعددية الحقيقية والتنافسية الصحيحة.. أحياناً أشعر أن المجتمع غير قادر علي استيعاب التنوع الصاخب الذي يعرض عليه ليختار منه.. وأنه كان يفضل أن يستريح إلي رأي واحد وتيار واحد مثلما كان علي مدي أكثر من 60 عاماً مضت.. لكن سنة الله في خلقه سوف تنتصر في النهاية.. وسوف تخرج من المعركة بأكبر قدر من الإيجابيات. لقد صار أمر البلد في يد أصحابها.. وأمر البلد جد صعب وثقيل.. وعليهم هم أن يتحملوا مسئولية أنفسهم ومسئولية اختياراتهم.. فلم يعد هناك أحد يحمل عنهم هذا العبء ويعفيهم من المسئولية.. أو يتيح لهم الفرصة ليتنصلوا من المسئولية ومن الاختيار.. بينما هو ينهب خيراتهم ويسرق عرقهم مع حاشيته بادعاء الزعامة الفارغة. كانت مصر إلي يوم قريب لا هم لها إلا مباريات الكرة.. تنام عليها وتصحو عليها حتي تحولت فعلاً إلي أفيون للشعب يخدره ويلهيه عن قضاياه الحقيقية.. يتشاجر الناس في البيوت وعلي المقاهي وفي وسائل المواصلات من أجل الهدف الذي سجله اللاعب العبقري.. ومن أجل النجم الذي انتقل إلي الفريق الأحمر والنجم الذي ذهب إلي الفريق الأبيض.. وكان ضيوف الشاشات الدائمون هم نجوم الرياضة ونجوم الفن ونجماته.. هم الذين يتحدثون في الرياضة والفن والسياسة والدين والاقتصاد والقانون.. وهم الذين يملأون علينا حياتنا.. ويحيطون بنا من كل جانب. لم يكن يحتشد الناس أمام التليفزيون إلا من أجل المباريات الساخنة حيث تخلو الشوارع من المارة.. لكن بعد أن تغيرت الدنيا احتشد الناس أمام التليفزيون ليتابعوا المناظرة السياسية.. كلمة بكلمة.. ثم بعد أن انتهت في حوالي الثانية بعد منتصف الليل انطلقت التعليقات والمناقشات.. وتزاحمت المكالمات التليفونية علي الخطوط.. فقد عرفت مصر طريق الممارسة السياسية الصحيحة. كانت المناظرة حدثاً تاريخياً حقيقياً علينا وعلي المرشحين الذين بدأت بهما التجربة.. وهناك بالتأكيد الكثير من الإيجابيات والسلبيات التي يمكن تسجيلها علي المناظرة والمتناظرين.. لكن أهم السلبيات من وجهة نظري كان تمسك كل من المرشحين بالصورة النمطية المسجلة لديه عن المرشح المنافس لمهاجمته علي أساسها من أول المناظرة إلي آخرها.. وبذلك بدا الحوار كما لو كان حواراً بين الطرشان الذين لا يسمع بعضهم بعضا. كان عمرو موسي في نظر أبوالفتوح علي طول الخط من الفلول وشريكاً في نظام مبارك وفاشلاً دبلوماسياً في الخارجية المصرية وفي جامعة الدول العربية ولا يحمل جديداً وتابعاً للسياسات الأمريكية ومهادناً لإسرائيل مثل مبارك ولا يمثل الثورة وشبابها. كان أبوالفتوح في نظر عمرو موسي علي طول الخط إخوانياً مراوغاً.. مزدوج اللغة.. يتحدث بأكثر من لسان ليخدع الناخبين بليبرالية مزيفة.. يتبني تياراً متشدداً في الحديث عن الشريعة.. يدافع عن الجماعة "الإخوان" بأكثر مما يدافع عن الوطن.. ستكون جماعة الإخوان مرجعيته الحقيقية بعد الفوز في الانتخابات. وكلما ابتعدت المناقشات عن هذه النقاط "النمطية" عادت إليها بسرعة لأنها الأسهل في الهجوم علي الخصم.. بينما لم يناقش أي منهما نقاطاً محددة في البرنامج الانتخابي لمنافسه فيما يتعلق بآرائه السياسية وأطروحاته الاقتصادية والأفكار التي أعلنها لحل المشكلات القائمة. وقد لاحظنا أنه عندما سأل المذيعان عن قضايا محددة مثل الضرائب والحد الأدني والأقصي للأجور وكيفية التعامل مع الاستراحات الرسمية لرئيس الجمهورية كانت مساحة التوافق أكثر من مساحة الاختلاف.. ومن ثم كان الحوار يذهب بسرعة مرة أخري إلي المناطق الملتهبة حتي لا تهدأ الأعصاب وينام الجمهور. علي المستوي الشخصي كانت المناظرة بالنسبة لي متعة حقيقية في مدلولها ومضمونها.. وسوف يكون في مقدورنا أن نقول للرئيس القادم إنك أنت من سعيت إلينا وتوددت لنا لكي نعطيك أصواتنا.. وأنت الذي تعهدت بالصوت والصورة أن تكون خادماً لنا وليس فرعوناً علينا. وقد شدني في المناظرة علي وجه التحديد حديث الرجلين عن حالتهما الصحية والمالية.. صحيح أنني لم أقتنع بالكلام الذي قيل لكن يكفيني أن كلاهما اضطر لأن يقف علي قدميه لأكثر من أربع ساعات ليقنعنا بسلامة صحته بينما كنت مسترخياً علي مقعدي.. واضطر كلاهما لأن يعلن عن عنوان سكنه لتكتشف أنهما متجاوران في أرقي المناطق السكنية في مصر وأغلاها.. والمسافة بينهما ليست بعيدة كما قد يظن البعض. وإذا كان هناك من يتصور أن المناظرة كانت تمثيلاً في تمثيل.. وكانت مرتبة سلفاً.. والأدوار موزعة بدقة.. وحتي الهجوم كان محسوباً ومقدراً.. فإنني أقول لا بأس.. لقد بدأنا الخطوة الأولي والقادم أفضل. إشارات: * بعض الذين يتحدثون بنظرية المؤامرة يقولون إن توقيت المناظرة اختير بعناية فائقة لجذب الأنظار بعيداً عن لقاء د.محمد مرسي مرشح الإخوان علي قناة سي. بي. سي. * في هذا اللقاء اعترف د.مرسي ب 3 أخطاء للإخوان.. نرجو أن يظهر في برامج أخري ليتحدث عن الأخطاء التي لم يذكرها.. فالاعتراف بالحق فضيلة. * اضطر الرئيس أوباما إلي أن يؤيد زواج الشواذ لأول مرة من أجل أن يفوز بفترة رئاسية أخري.. وهكذا يغير السياسيون مبادئهم من أجل الكراسي. * انفض مولد عدم الانحياز في شرم الشيخ بلا أية فائدة.. تري من سيدفع الفاتورة؟! * الأخ أحمد محسن نصار يعمل بإحدي شركات البترول بالسويس التي حدث بها حريق مؤخراً بعث إلي برسالة يقول فيها إن هذا الحريق محصلة لما يجري من فساد بالشركة منذ العهد البائد ولازال.. من حيث تعيينات بلا ضابط ولا يحتاجها العمل.. ويتم عمل أنظمة ورادي لا يحتاجها العمل ولا يؤدي العمال أي عمل في هذه الورادي مما يعد إهداراً للمال العام بلا حسيب. نحن نناشد وزير البترول والمسئولين عن الشركة أن يوقظوا الضمائر النائمة قبل أن يأتي يوم الحساب العسير.. وهو آت لا ريب فيه.