هناك وجه آخر لمصر غير ذلك الوجه الكئيب الباعث علي التشاؤم والخالي من الاستبشار، المغلف بالرمادية في أحيان، والسواد في أحيان أخري،..،الوجه الذي أقصده هو وجه آخر يختلف في ملامحه وقسماته غير ذلك الوجه المعتم الذي تبرزه لنا بعض أجهزة الإعلام وتحاول بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة التركيز عليه والإدعاء بأنه الوجه الحقيقي للواقع في المحروسة، وأنه لا واقع غيره، ولا وجود لشئ آخر. وجه يختلف في جوهره ومضمونه ومجمل صورته بل وجزئيات هذه الصورة عما يروجه هؤلاء المدعون، ويحاولون تثبيته في اذهان الناس في الداخل أو الخارج، بالإلحاح عليه، لأغراض أصبحت واضحة، ودوافع اصبحت مفضوحة. وجه يحاول هؤلاء المروجون للباطل بسوء القصد وفساد الطوية، حجبه عن كل الناس في محاولة فجة وبغيضة لتشويه الواقع والتشكيك في كل شئ، ونشر الاحباط، وإشاعة اليأس في نفوس الكل، والشباب بالذات والقضاء علي أملهم في الغد الأفضل. هناك بالقطع وجه آخر مختلف، أكثر أشراقاً بكثير، وأكثر بعثا للتفاؤل بكثير، يفتح الباب واسعاً للإجتهاد والطموح، ويرسم صورة مشرقة تبعث علي الأمل، وتؤكد أن الأماني ممكنة التحقيق، وأن هناك تغييرا إيجابيا ملموسا وقائما في أماكن كثيرة، ومواقع عديدة، لا ينكره إلا جاحد، ولا يتغافل عنه إلا من في قلبه مرض، وفي نفسه اعوجاج. ليست هذه مبالغة علي الإطلاق، كما أنها ليست بالقطع محاولة للإفتراء علي الواقع، أو تجميل صورته علي غير الحقيقة،..، ولكنها فقط مجرد تسليط الضوء علي جوانب أخري في الصورة يحاول البعض بسوء القصد، وفساد الطوية اخفاءها عن عموم الناس في بر مصر، والإدعاء بأنها غير موجودة، ولا قائمة، وأن الموجود فقط هو تلك القتامة، وذلك السواد،..، انطلاقا من رغبتهم المريضة في رسم صورة محبطة وسوداوية عن الواقع المصري. لقد رأيت هذه الصورة، رؤي العين، في أماكن عديدة، وصافحت هذا الوجه في مواقع متعددة من أرض المحروسة، حيث جموع الناس من أبناء مصر العاملين بصدق وإخلاص في جميع مجالات الإنتاج والخدمات، باذلين اقصي الجهد للإرتقاء بمستوي معيشتهم وتحسين أوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية، وتغيير واقعهم، والواقع من حولهم إلي الاحسن والافضل.
وكانت تلك هي الحقيقة البارزة، والواضحة خلال العديد من الزيارات الميدانية لمواقع العمل والإنتاج في العديد من القري. والمدن حيث المصانع، والمزارع، ومحطات المياه والصرف الصحي، والمستشفيات، ومحطات الغاز، ومواقع البناء، والانشاء والعمير،..، حيث الفلاحون والعمال، والمهندسين والأطباء وغيرهم من عموم العاملين علي اختلاف وتنوع مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وآخر تلك الجولات.. وأكثرها قربا تلك التي كانت الخميس الماضي، بصحبة رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف، ورفقة وزراء الإسكان، والصحة، والبترول والتجارة والصناعة والتربية والتعليم، والتي شملت العديد من مواقع العمل والإنتاج في كفر الزيات بمحافظة الغربية، وايتاي البارود وكفر الدوار، ودمنهور بمحافظة البحيرة. ومن قبلها بأسبوعين فقط، كانت الفرصة سانحة للمشاركة في إحدي الزيارات الميدانية المكثفة والمتتابعة التي يقوم بها جمال مبارك الأمين العام المساعد، أمين السياسات بالحزب الوطني، لقري ونجوع مصر بطول وعرض البلاد، ابتداء من اقصي الجنوب في عمق الصعيد »الجواني«، وحتي نهايات الترع والمصارف في الدلتا، والتي شملت حتي الآن المئات من القري والنجوع المتناثرة في العديد من المحافظات. وكانت القرية محل الزيارة »محلة مرحوم« بمحافظة الغربية،..، وكان الحوار والنقاش يدور بين عموم أهالي القرية.. الفلاحين والمزارعين وأمين السياسات في تلقائية وصراحة وشفافية، حول كافة المشاغل والاهتمامات والمشاكل والقضايا التي تشغل أهلنا في الريف ابتداء من مياه الري وأسعار المحاصيل وانتهاء بالأحوزة العمرانية ومشاكل السماد، وبنك التسليف وغيرها. وبقدر ما كانت زيارة أمين السياسات إلي »محلة مرحوم« تمثل اطلاله. مباشرة وتلاقيا حقيقيا مع أفكار وأحلام ورؤي وهموم أبنائنا وأخوتنا في واحدة من القري، تأتي امتداداً للجهد الجاد والصادق الذي يقوم به جمال مبارك علي المستوي الحزبي والسياسي للتواصل الصحيح والتلقائي مع المواطنين، والتعرف علي قضاياهم ومشاكلهم علي الطبيعة والسعي لوضعها في مقدمة اهتمامات الحزب، وعلي رأس السياسات التي تتبني حكومة الحزب تنفيذها،..، بقدر ما كانت زيارة رئيس الوزراء تأتي في اطار المهام التنفيذية لحكومة الحزب، وواجبها في متابعة ما يتم إنجازه علي الطبيعة، وفقا للبرنامج الرئاسي والحزبي الذي التزمت بتنفيذه، وكلفت به في خطاب التكليف الصادر لها من الرئيس.
ومن هنا كانت زيارة رئيس الوزراء لمواقع العمل والإنتاج، والتي بدأت بافتتاح مستشفي كفر الزيات العام بمحافظ الغربية والذي يعد بكل المقاييس العلمية والطبية نقلة حضارية متطورة وجدية في مستوي الخدمة الطبية والعلاجية تستحق الإلتفات والاهتمام الواجبين، خاصة إذا توفرت في أحد المراكز أو المدن الريفية بوسط الدلتا، حيث أنها مزودة بأحدث الأجهزة والمعدات في مجال الكشف والاشعة والرعاية بما يجعلها في مقدمة المراكز الطبية كفاءة ونظافة ونظاماً. وكنت أتمني ومازلت ان يستمع المشككون في كل شيء إلي التقرير الشامل الذي قدمه وزير الصحة د. حاتم الجبلي خلال الجولة حول المستشفيات التي تم الانتهاء من إنشائها وتجهيزها أو الأخري التي تم تطويرها علي مستوي الجمهورية، والتي تم افتتاحها بالفعل خلال فترة زمنية قصيرة، وبلغت 8 مستشفيات بالقاهرة وحلوان والسويس وبورسعيد والأقصر وأسوان، بالإضافة إلي عشرة مستشفيات جاهزة للإفتتاح في بني سويف، والغربية، ومرسي مطروح، وأسوان، وسوهاج، والشرقية، وحلوان. ومن كفر الزيات بالغربية، انتقل رئيس الوزراء إلي ايتاي البارود في البحيرة، لإفتتاح محطة المياه الجديدة هناك، وبطاقة انتاجية 53 ألف متر مكعب من المياه يوميا، لخدمة 03 ألف نسمة في مدن وقري غرب مركز إيتاي البارود، وبعض قري مركز الدلنجات، وعددها 582 قرية وعزبة صغيرة. ويلفت النظر ان هذه المحطة ورغم كونها في مركز إيتاي البارود، إلا أنها تعد من أحدث المحطات علي مستوي الجمهورية وتستخدم الأجهزة والمعدات المتطورة طبقاً للمواصفات العالمية، وتم انشاؤها في زمن قياسي. وفي إيتاي البارود ايضاً، تم افتتاح مشروع اسكان مبارك الذي يضم 319 وحدة سكنية متنوعة المساحة، وهو ما يعد طفرة في مجال الوفاء بحاجة المواطنين للإسكان. بأسعار مخفضة تدعمها الدولة بما يزيد عن 51 ألف جنيه لكل وحدة سكنية، بالإضافة إلي سعر الأرض. كما افتتح الدكتور نظيف المجمع التكنولوجي لمياه الشرب والصرف الصحي، ويضم المجمع مدرسة ثانوية فنية للمياه والصرف الصحي.
ثم انتقل رئيس الوزراء إلي كفر الدوار حيث افتتح اعمال التطوير بمصنع الغاز. وتعبئة انابيب البوتوجاز، وبعدها قام بزيارة المنطقة الصناعية للغزل والنسيج في كفر الدوار، والتي اصبحت بمثابة اعادة احياء صناعة الملابس الجاهزة والمنسوجات في احدي القلاع القديمة والتاريخية لصناعة النسيج في مصر، ولكن باسلوب عصري يعاصر ويتواكب مع أحدث الاساليب التقنية والتكنولوجية في هذه الصناعة الحيوية. وإذا ما حاولنا نقل صورة قريبة للواقع الذي يجري علي الارض في هذه المنطقة، لقلنا دون مبالغة ان ما حدث وما يحدث من متغير إيجابي شامل في مفهوم وفلسفة صناعة النسيج يفوق في معدلات نجاحه كل ما كان متوقعاً في ظل أكثر التوقعات تفاؤلا، حيث تم اعادة بعث للحياة في صناعة النسيج بالمنطقة في إطار الخطة الجاري تنفيذها والهادفة لإقامة منطقة صناعية عصرية متكاملة علي مساحة 006 ألف متر مربع منها 034 الف متر للنشاط الصناعي، و 071 ألف متر لمناطق التخزين ومراكز التدريب ونقل وتوطين التكنولوجيا. وقد تم حتي الآن ضخ 556 مليون جنيه في هذه المشروعات، وجار إنشاء 54 مصنع منها 6 مصانع بدأت في الإنتاج الفعلي يعمل بها حالياً ما يزيد عن أربعة آلاف عامل تصل الي 51 ألف عامل فور استكمال المشروع. والمثير للاهتمام في هذا الشأن، ان هذا التجمع الصناعي الحديث والمتطور يقوم وينفذ علي الأراضي غير المستغلة بشركات القطاع العام بكفر الدوار، وهو ما يمثل اعادة صياغة لمنظومة صناعة النسيج والملابس الجاهزة في مصر، تفتح الباب واسعا امام تطويرها علي احدث النظم والتكنولوجيا العالمية، بمساهمة وجهد واستثمارات القطاع الخاص المحلي والاجنبي.
ومرة اخري، كنت اتمني، ومازلت، ان يشاهد المشككون ما شاهدته خلال الجولة المكثفة في مواقع العمل والانتاج، وان يستمعوا الي القائمين عليها، والعاملين بها، وان يلمسوا بأنفسهم ما يتحلون به من حماس وجدية وإصرار علي بذل غاية الجهد لزيادة الانتاج، وتحسين الجودة، وما يملؤهم من ثقة في المستقبل وأمل في الغد. وكنت اتمني، ولازلت، ان يستمع هؤلاء الي ما ذكره وزراء الاسكان، والتجارة والصناعة والبترول، والتربية والتعليم، للتعرف علي حجم الانجاز الذي يتم علي ارض مصر، وحجم المشروعات التي اقيمت، والاخري التي في مجال الانشاء، لعل ذلك يساعدهم علي الرؤية الصحيحة للواقع، ويدفعهم للتفكير في التخلي عن نظارتهم السوداء، ورؤية الواقع كما هو بحلوه ومره. ونحن في ذلك لا نطلب من احد عدم التحدث عن السلبيات في اي عمل، او جهد، ولا نطالب كذلك بالتوقف عن نقد اي مسئول سواء كان وزيرا، او خفيرا، بل علي العكس من ذلك. نطالب باستمرار هذا كله، ولكننا نطلب في ذات الوقت ان يكون النقد موضوعيا، قدر المستطاع، وان يتم تناول الايجابيات بجوار السلبيات، حتي تكتمل الصورة، وتتوافر المصداقية، بعيدا عن الاهواء الشخصية، والرغبات السوداوية التي تملكت البعض فراحوا يشككون في كل شخص، وكل عمل، ويروجون للاحباط، وينشرون اليأس، وينزعون الأمل من النفوس.
وأقول بوضوح ان دافعي للكتابة عن الوجه الاخر لمصر، المختلف عما يصوره هؤلاء المشككون يأتي انطلاقا من الايمان الكامل بان الواجب المهني والاخلاقي يقتضي منا مواجهة هذه الحملة الشرسة التي يتعرض لها الوطن، من بعض ابنائه للاسف، في محاولة بغيضة لتشويه كل شيء، وكل عمل. وأقول عن اقتناع، بأن الواقع يختلف بالتأكيد عما يدعيه هؤلاء، وان الصورة ليست كما يقولون سوداء مظلمة، لا تبشر بأي خير، ولا تدعو للتفاؤل،...، وان هناك صورة اخري مشرقة، وباعثة علي الأمل، غير تلك التي يروج لها هؤلاء المبشرون بالهزائم، والمروجون للنكسات، والناشرين لليأس والاحباط. ولقد رأيت ان الضرورة والواجب المهني والاخلاقي يقتضيان ان نقول لهؤلاء بصراحة ووضوح، من خلال نقل الواقع الحي، ان صورة مصر من الداخل ليست علي مثل ما يقولون، وما يكتبون من قتامة او سواد،...، ونقول لهم ايضا، انكم لو تخلصتم مما في نفوسكم من مرض، وخلعتم نظاراتكم السوداء، وتخليتم عن سوء القصد وفساد الطوية، لوجدتم الصورة مختلفة، والواقع يقول شيئا آخر. ونقول لهم في ذات الوقت، نعم لدينا مشاكل لا يستطيع احد ان ينكرها، او يتجاهلها، ولكنها مشاكل التنمية والتحرك الجاد للتطوير والتحديث والاصلاح،...، نعم لدينا أزمات، ولكنها الازمات الطبيعية التي تتعرض لها اي دولة مثل مصر تسعي لزيادة الموارد، وتعظيم الانتاج، ورفع مستوي المعيشة، وزيادة نسبة النمو، والسير علي طريق الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الشامل، وتبذل في ذات الوقت كل الجهد لفتح ابواب الحرية والديمقراطية، وترسيخ قيم المواطنة،...، ولكن ذلك بالقطع لا يعطيهم الحق في الادعاء بأننا نسير في طريق مسدود، وان الدولة والمجتمع في حالة يرثي لها، كما يرددون صباح مساء.
واخيرا،...، احسب اني لا احتاج الي التأكيد، بان هدفي من توضيح الصورة الاخري، والوجه الاخر لمصر المختلف عما يدعون، ليس علي الاطلاق الدفاع عن الحكومة، او تجميل صورتها، ولكن الهدف والقصد مؤكد وواضح، وهو الإشارة الواضحة إلي أن حقيقة الداخل المصري ليست علي الصورة المظلمة او القاتمة التي يصورها هؤلاء،...، ويحاولون ترسيخها في نفوسنا جميعا. نعم هناك وجه آخر اكثر اشراقا مما يدعون.