الأربعاء: ماذا يمكن أن أقدمه احتفالا بمرور قرن علي ميلاد عميد الرواية نجيب محفوظ، صاحب الفضل الأول في اهتمام العالم بأدبنا العربي؟ سؤال راودني بعد أن حضرت جانبا من أول اجتماع للجنة الاعداد لاحتفال مصر بنجيبها.. وعلي الفور تذكرت خبيئة نجيب محفوظ في رمل الإسكندرية التي تعاونت مع الأديب السكندري محمد الجمل في نشر حلقتين منها علي صفحات »الأخبار«، وهي تضم آراء محفوظ علي امتداد سنوات في الثغر في مجلسه بحديقة فندق "سان استيفانو". وتذكرت المقاهي والمجالس التي شهدت جانبا بالغ الأهمية في حياة هذا الأديب.. "كازينو صفية حلمي" بميدان الأوبرا.. نجيب محفوظ ومن حوله تلاميذه ومريدوه .. يأتي علي أحمد باكثير.. يظل واقفا.. يرحب بالجميع ويرحب به الكل.. رأسه دائم الحركة يمينا وشمالا.. هنا وهناك.. صوته يجمع بين لهجة حضارم اليمن ومثقفي القاهرة، أو إن شئت الحقيقة فهي قريبة من لكنة أبناء الصعيد.. علي مائدة مجاورة يجلس ثروت أباظة مع ضيف له.. صوته الجهوري في تحية نجيب محفوظ مفعم بالمودة والصفاء علي الرغم من اختلاف المنابع والمصب. ومن "كازينو صفية حلمي" إلي "دار الأدباء" أو "مقهي ريش" أو"كازينو قصر النيل".. دنيا متجددة.. ووجوه تتطلع إلي الأستاذ تسأله وتنتظر الرأي. ويدهشني دوما أن نجيب محفوظ لا يُستفز.. فعلي كل سؤال عنده جواب ومنطق ومن حق السائل أن يعرف.. ديمقراطية مبكرة لرجل عاش عصر الديمقراطية الأولي أيام جيل 1919 وتربي علي ثورية جيل متمرد قليل الحيلة. ويوم الثلاثاء مساءً في "قهوة عرابي" بميدان الجيش، الذي كان اسمه "ميدان فاروق"، حيث أصدقاء الشباب تجمعهم الشيشة ونكات السمر في الأيام الخوالي. وأما "علي بابا" فاستراحة المسافر الذي يخرج كل صباح من العجوزة إلي وسط المدينة قبل أن يستيقظ الناس وتزدحم الطرق.. هذا حق جسمه عليه. وبعد جولة الساعات الثلاث يجلس في "علي بابا" ليحتسي القهوة قبل أن يتجه إلي عمله في وزارة الأوقاف.. أو في مؤسسة السينما.. قبل أن ينتمي إلي "الأهرام". وفي الصيف يشد الرحال أياما بعينها كل أسبوع إلي الإسكندرية ومقهاه هناك "بترو"، الذي يلتحق فيه بتوفيق الحكيم وثروت أباظة ويوسف عزالدين عيسي وعبد المنعم الأنصاري، ثم حديقة فندق "سان استيفانو" مع: محمد الجمل، وسعيد سالم، وعبد الله الوكيل، ونعيم تكلا، ومحمد برهام، وإدوار حنا سعد. وبعد المحاولة الشريرة للاعتداء عليه.. ضاقت حركته واقتصرت علي: "فرح بوت" علي نيل الجيزة، و"سوفوتيل" علي نيل المعادي، و"نوفوتيل" قرب مطار القاهرة، ومجلس الدكتور يحيي الرخاوي فوق هضبة المقطم. المهنة النبيلة الخميس: المشكلة التي تواجه محمد رشاد، الرئيس الجديد لاتحاد الناشرين المصريين، هي كيف يتصدي للكوارث التي تحدق بمهنة النشر المهددة بالتوقف خلال عامين بسبب القرصنة التي تتم علي الشبكة العنكبوتية. فأغلب الناشرين المصريين يفكرون في التحول إلي أنشطة بعيدة كل البعد عن طبيعة هذه المهنة النبيلة بعد أن انهارت أرقام توزيع الكتاب الورقي لصالح المواقع الإليكترونية التي استباحت جهد الناشرين المصريين وأخذت تتاجر فيه وتتربح منه عبر الشبكة العنكبوتية، وقد منيت بالفشل كافة جهود الملاحقة لأن هذه المواقع مجهولة الهوية ومن الصعب تتبع مصدرها. وقد اعترف رشاد بأن دور النشر الكبري التي بادرت بطرح كتبها للبيع في صيغتها الإليكترونية علي شبكة الإنترنت، لم تسلم هي الأخري من مخاطر القرصنة والتزوير، وذكر أن البنوك في مصر لم ترحب حتي الآن بفكرة القيام بتحصيل عوائد بيع الكتب من المشترين عبر شبكة الإنترنت. وبالتالي فماذا يفعل الناشر سوي أن يستعد لإغلاق أبوابه ووداع هذه المهنة؟. .. وطائر البطريق الجمعة: نفس الهم الذي يؤرق الناشر العربي، تعاني منه كبريات دور النشر البريطانية، فها هي دار "بنجوين" الشهيرة وهي تحتفل بمرور خمسة وسبعين عاماً علي إصدار أول كتاب لها في سلسلتها الشعبية التي جعلت شعارها "طائر البطريق" تتساءل بدورها عن مصير الكتاب الورقي بعد سطوة الكتاب الإليكتروني، ولا أقول السطو عليه. إشادة فرانكفورت السبت: رغم كل هذه المؤرقات التي تعاني منها صناعة الكتاب الورقي، نجحت ألمانيا في أن تجعل من معرض فرانكفورت قبلة سنوية يقصدها المشتغلون بصناعة الكتاب الورقي من مختلف أرجاء العالم، عندما استحدثت تقليد "ضيف الشرف" الذي تحل فيه إحدي الدول بمختلف تجلياتها الثقافية ضيفاً علي هذا المعرض للترويج لإبداعها ومبدعيها. وإذا كانت الأرجنتين هي ضيف شرف دورة هذا العام، التي تنطلق بعد أيام في مطالع أكتوبر، فالبرازيل حجزت تذكرتها للمرة الثانية لتصبح ضيف شرف معرض فرانكفورت 2013 رغم أنها كانت ضيف الشرف في 1994 أي قبل أن نحل نحن العرب ضيوف شرف علي هذا المعرض بعشرة أعوام، ونترك بصمة الألمان يذكرونها باعتزاز. وربما تكون هذه الأجواء الاحتفالية الراقية وراء صمود الكتاب الورقي وجعل الإنسان الأوروبي المعاصر يتمسك به، فالأرجنتين تذهب إلي فرانكفورت وقد حشدت خمسة وأربعين من أشهر مبدعيها ليروجوا لكتبهم تحت شعار "ثقافة الحركة". المائة ألف دولار الأحد: من جدة اتصل بي اليوم الكاتب أحمد فتحي عامر، مستشار مؤسسة الفكر العربي، وتحدثنا عن شروط أحدث جائزة تمنحها المؤسسة من خلال مبادرة "شركاء من أجل الكتاب العربي" التي أطلقت في بيروت مطلع أكتوبر الماضي وتبلغ قيمتها مائة ألف دولار، تمنحها المؤسسة سنويا لأهم كتاب عربي صدر علي مدار العام في أي مجال من مجالات الفكر أو الإبداع. وسألته: هل تمنحون المائة ألف دولار لكتاب واحد فقط؟ وللمؤلف وحده؟ أم أن للناشر نصيبا؟ فأكد: هي للمؤلفين فقط وعن كتاب واحد له قيمة كبيرة، حتي ولو لم يكن قد حقق أرقام توزيع خيالية أو صدرت منه عشرات الطبعات، علي أساس أن المعيار هو ما يمثله مضمون الكتاب من أهمية، في ظل ما يواجه العالم العربي من تحديات، وما يرنو إليه من تطلعات. الهم تونسي الإثنين: لم يعد الصيف مجرد موسم الأجازات التي يهرع فيها البشر إلي الشواطئ وأماكن الاصطياف في الداخل أوالخارج، وإنما أصبح، عند الكثيرين، موعدا مع الكتاب بعد أن يكون الإنسان قد أتيح له متسع من الوقت ليقضيه بصحبته. وقد تنبه أبو بكر بن فرج مدير معرض تونس للكتاب إلي هذه الفكرة فجعلها محوراً للندوة الرئيسية في هذا المعرض، وهي الندوة التي دعيت للمشاركة فيها، وقد سعت إلي التعريف بتجاربنا العربية والتجارب الفرنسية لتوسيع قاعدة القراءة والاهتمام بالكتاب. وقد ضمت: كارولين برويه، الباحثة الفرنسية المتخصصة في القانون والآداب الحديثة التي أسهمت مع نيكولاس ديموران في تقديم برنامج (صباحات فرنسا الثقافية)، وأوليفيه بارو، صاحب البرنامج اليومي لعرض الكتب في القناة التليفزيونية الفرنسية الشهيرة TV5 والإعلامي الكويتي فالح المطيري، الذي تحدث عن ملاحق الكتب في الصحافة الكويتية، والحبيب صالحة، الأستاذ الجامعي التونسي وصاحب برامج عروض الكتب بالفضائية (تونس 7) وقد تناولت في ورقتي تطور مشروع القراءة للجميع في مصر الذي نحتفل هذا العام مع السيدة الفاضلة سوزان مبارك ببلوغه عشرين عاماً، تحت شعار "القراءة حق للجميع". نبل اللباد الثلاثاء: وأنا أودع شهر رمضان، فقدت صديقاً غالياً، أتاحت لي الظروف فرصة الاقتراب منه علي امتداد أكثر من عشرين عاماً.. محيي الدين اللباد.. الفنان الذي أحب الفرشاة قدر حبه للحرف فزاوج بينهما في لوحاته وأغلفة كتبه وملصقاته ومشاريعه التي استخدم فيها تقنية "الكولاج" للمزاوجة بين الكلمة والرسوم التوضيحية والصور الفوتوغرافية وقصاصات الصحف ليخلق نصه الخاص، الذي أوصل الكتاب العربي إلي آفاق العالمية. ولكم أسعدني الحظ بصحبة اللباد في رحلات إلي الخارج، ومازلت أذكر هذه الرحلة إلي إيطاليا لتكريمه في معرض بولونيا للكتاب عندما حصل علي جائزته الأولي، ونجح في أن يلفت انتباه العالم إلي قيمة الفن المصري المعاصر. أما آخر رحلة رافقته فيها فكانت إلي الإمارات لحضور حفل منح جائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها الثانية، وفي هذه المرة كان اللباد مُحَكَّماً، وقد أحسست أثناء هذه الزيارة بآلام المرض التي تمكنت منه وكان يغالبها بصبر إنسان.. وإرادة فنان. رحم الله محيي الدين اللباد.