جلال دويدار ترتفع الأصوات في كل مناسبة محذرة من انتشار العشوائيات وضرورة ان يكون هناك برنامج يستهدف تحويلها الي مجتمعات حضارية انسانية سواء من ناحية المباني أو المرافق أو الرعاية الصحية. استجابة لهذه الاصوات والصيحات التي لا تتوقف كنت ارجو أن اشهد خطوات لخفض أعداد هذه المناطق العشوائية تجنبا للتداعيات الاجتماعية والامنية بخلاف ما تمثله من تشويه لصورة مصر.. ولكن الذي يحدث وللاسف الشديد منذ اندلاع ثورة 52 يناير وجود اتجاه عام يشمل كل محافظات مصر يتمثل في التوسع في اقامة المناطق العشوائية سواء كانت معيشية أو تسويقية لكل ما يخطر علي البال. لقد كان من نتيجة زرع الاسواق العشوائية اغلاق الشوارع بالاشغالات التي تؤدي إلي تعقيد ازمة المرور وتصاعدها وزيادة معاناة المواطنين. ليس من تفسير لهذه الخروجات علي القانون سوي ان هناك غيابا تاما لهيبة الدولة وعدم احترام للانضباط الذي يجب ان يسود. هنا يثور التساؤل: أين شرطة المرافق التي كانت تتولي مسئولية ازالة هذه الاشغالات وتحقيق الانضباط في الشارع المصري ؟ . الشيء المؤكد أن هذه الشرطة لم يعد لها وجود وهو ما تؤكده الحالة المزرية التي اصبحت عليها شوارع رئيسية ليس في القاهرة وحدها ولكن في كل عواصم المحافظات ومدنها.. وحتي تكون الامور واضحة فإن وزارة الداخلية التي تتبعها هذه الشرطة تتحمل مسئولية هذا التسيب الفاضح. هناك ايضاً المسئولون في المحافظة وعلي رأسهم المحافظ الذين يبدو انهم فضلوا الاختفاء وعدم القيام بمسئولياتهم. لقد اختاروا تجنب القيام بواجباتهم نحو شوارع ومرافق القاهرة. هذا يعني أن التسيب والفوضي والانفلات وسيطرة البلطجية علي الشوارع قد تضاعفت واصبحت خاضعة للشعار الذي يرفعه الضعفاء والقائم علي مبدأ »يا للا نفسي« .. دون اي مبالاة بالصالح العام أو الوطني. واذا كانت وزارة الداخلية تعمل هذه الأيام تحت قيادة وزيرها محمد إبراهيم من اجل السيطرة علي الانفلات الأمني الذي يهدد ممارسة المواطنين لحياتهم وضمان أمنهم وأمن افراد اسرهم.. الا انها في نفس الوقت - وأعني وزارة الداخلية - مطالبة أيضا بمواجهة حملات الاستيلاء علي الشوارع وتشويهها والتي لا نتيجة من ورائها سوي هز الثقة واصابة كل المواطنين بحالة من الاحباط . لقد سبق ان كتبت عن العشوائية والفوضي في شارع 62 يوليو خاصة في الجزء الممتد من شارع الجلاء وحتي مطلع كوبري 15 مايو حيث اصبح الوضع يفوق التحمل. شملت هذه الفوضي الشوارع المتفرعة ومن بينها الشارع المؤدي الي أخبار اليوم والاهرام بمساراتها وأرصفتها. لقد تحولت جميعها الي مرتع لتجارة »الكانتو« أي الملابس المستعملة. هذا العدوان حوّل هذه الشوارع الرئيسية لوسط القاهرة الي بؤر اختناق مروري تتصاعد تداعياته لتزداد معاناة جموع المواطنين. كما سبق أن ذكرت في أكثر من مقال فإن أحداً لا يعترض علي البحث عن لقمة العيش من أي عمل شريف.. ولكن لا يجب السماح بأن يتم ذلك من خلال العدوان علي القانون ومتطلبات التنظيم وحريات الغير والممتلكات العامة المتمثلة في الشوارع والأرصفة. ورغم فداحة هذا الجرم المشوه لشوارع العاصمة التي تحولت إلي فوضي فإنه لا تحرك للأجهزة المسئولة لتفعيل قانون الاشغالات . ان عودة الامور الي طبيعتها تتطلب اتخاذ كافة الاجراءات لاعادة هيبة الدولة. ان ما يجب عمله هو ازالة الاشغالات تنفيذا للقانون. في نفس الوقت فإن محافظة القاهرة مطالبة بضرورة إيجاد أماكن بديلة يمارس فيها هؤلاء الباعة عرض بضائعهم وبيعها. كم ارجو ان تتعاون الشرطة العسكرية والشرطة الامنية مع أجهزة المحافظة لاستعادة شوارع العاصمة من محترفي العشوائيات والفوضي.. السؤال المثار حاليا هو: أين اختفي كل هؤلاء المسئولين؟!.